منذ أكثر من عقد، تعيش سوريا تحت حصار اقتصادي خانق، جرى تسويقه دوليًا باعتباره أداة أخلاقية للضغط على النظام، ودفعه نحو التغيير. وفي المقابل، تعيش غزة تحت احتلال عسكري مباشر منذ عقود، تتعرض فيه لحروب دورية مدمّرة، دون أن يقابل ذلك أي حصار حقيقي على الاحتلال الإسرائيلي، بل على العكس، يُكافأ بعد كل حرب بحزم دعم سياسي وعسكري واقتصادي. هذه المفارقة الصارخة لا يمكن فهمها إلا بوصفها تعبيرًا فجًّا عن ازدواجية المعايير في النظام الدولي.
من أجل مستقبل عربي مختلف، فإنني كمحامي وناشط حقوقي أدعو إلى إطلاق سراح جميع معتقلي الرأي في بلداننا العربية ووقف الملاحقات ذات الطبيعة السياسية، وإرساء قضاء مستقل يتحصن بالقانون لا بالتوجيه السياسي، وفتح فضاءات الحوار وبناء توافقات وطنية تستوعب التنوع في الأفكار والانتماءات، وتجريم التحريض على الكراهية والإقصاء، وإعلاء ثقافة الشراكة الوطنية.
قطر التي وقفت وحدها يوم حاصرها القريب، ورفضت أن تركع تحت وطأة الحصار، قدّمت درسًا تاريخيًا في الثبات. لم تنكسر، بل تحولت محنتها إلى منطلق لقيادة دبلوماسية أكثر حضورًا وفاعلية، فصارت مقصداً لكل الأطراف المتنازعة التي تبحث عن صوت عاقل ومساحة حياد إيجابي. واليوم، حين تتعرض لعدوان من الاحتلال الإسرائيلي، فإن هذا الاعتداء ليس على قطر وحدها، بل على منطق العدالة والوساطة وعلى أمل الشعوب في أن يكون هناك من يجرؤ على قول “لا” في زمن المساومات.