ما يعترض عليه أغلب التونسيين، هو محاولة إرساء علاقة تبعية لـ"الآخر"، تبدأ بالتبعية اللغوية لتمتد إلى التبعية الثقافية والحضارية، خاصة في ظل تبعية اقتصادية، وحاجة متأكدة إلى الدعم الخارجي.
ثمة تخوف بدأ يسري في صفوف أنصار سعيد من كون الأحزاب الكبرى في تونس هي القادرة على تمكين من تريد ترشيحهم من التزكيات المطلوبة، عبر إقدام تلك الأحزاب على اعتماد سياسة ملء الفراغ و"قطع" الطريق على أنصار سعيد. ومراجعة "التشريع" الانتخابي هي للبحث عن حيل جديدة تمنع الأحزاب من "التسلل" للعملية الانتخابية
ما تنتجه الحرية من انحرافات لا يعالج بمحاولة "منع" الحرية، وإنما يعالج بمزيد الحريات حين يتولى المجتمع الحر معالجة عيوبه وإصلاح أخطائه وتقويم انحرافاته عن طريق نخبته.
ظاهرة قيس سعيد وغرفته الانقلابية أفقدت التونسيين ما بقي لديهم من أمل في الإصلاح وجعلتهم يخافون على مستقبل أبنائهم، أبناؤهم الذين انتظروا وعود السياسيين وصبروا عليهم ها هم يغادرون الوطن إما بطرائق قانونية، وهذا متاح لأصحاب الاختصاصات والمهارات، وإما بطرائق غير قانونية
لا وجود لمعطيات سياسية أو اقتصادية تسمح بالتناول الموضوعي للمشهد، فالأحداث تتواتر دون رابط منطقي وهو ما يجعل مهمة التحليل والتوقع صعبة حتى على قادة الأحزاب أنفسهم بل وحتى على أصدقاء قيس سعيد ممن ساندوه..
الهجرة كانت هجرة في الإنسان؛ متحررة من كل أشكال العنصريات والعصبيات القبلية ومن انغلاق المعتقد والتصور، فالإنسان هو مقصد الشرائع والأديان، وهو المنتصر إليها وناصرها بوعيه وإرادته وحبه
هل أعِدّ الدستور فعلا على مقاس قيس سعيد؟ أم هل استُعمل قيس سعيد رافعة أخلاقية (لكونه شخصا نظيفا) لتمرير دستور تحكم به شخصية هي الآن بصدد الإعداد في الخفاء؟
ثمة "غرفة" سوّلت لسعيد "التملّص" من معاونيه، وهي نفس الغرفة" التي سيسهل عليها "التملص" من سعيد نفسه لاستقدام من سيكون ذاك الدستور على مقاسه، تلك "الغرفة" ستعمل بالتأكيد على حسم الاستفتاء بـ"نعم"
هل فعلا ما يصدر عن قيس سعيد هو من إنتاجه كشخص بهويته العلمية وبنيته النفسية والذهنية؟ أم إن قيس سعيد هو "ظاهرة" تشترك في صناعتها عدة أطراف داخلية وخارجية، تمهيدا لشبح قادم يكون بمثابة "المنقذ" ويبقي على بعض "منجزات" سعيد التشريعية لضمان تأبيد استبداد ناعم يكون في نفس الوقت "منقذا" و"مُنفّذا"؟
إذا عجز قيس سعيد عن تحقيق أهدافه الخاصة بالطرائق الناعمة المتخفية بالقانون والشرعية والمشروعية وإرادة الشعب، فليس مستبعدا لجوؤه الى أساليب سيئة لتغفين المشهد وإدخال البلاد في منطقة الفوضى، حيث تكون أساليب العنف "مبررة"، وحيث يكون سعيد "منتصرا" أو "شهيدا" وهو ما يردده دائما
بعض خصوم حركة النهضة والشابي معا، حاولوا النبش في الماضي القريب للتذكير بأن نجيب الشابي كان له موقف "معاد" لحركة النهضة عندما كانت في الحكم، وأنه كان أحد الناشطين في ما يعرف بـ"اعتصام الرحيل" بساحة باردو قبالة البرلمان التونسي لإجبار النهضة وشركائها على مغادرة الحكم
بعد أن استفرغ ما في قاموسه من مفردات الشتائم والتحريض والتخوين، وبعد اشتغاله طويلا على طهورية افتراضية وشعبية فيسبوكية، وبعد محاولاته تخويف معارضيه، وبعد فشل حملاته التحشيدية للمرة الثالثة، أما آن لقيس سعيد أن يُريح ويستريح؟
المشهد الآن يشهد سباقا في زمن سياسي ساخن بين "جبهة الخلاص الوطني" من جهة بقيادة الأستاذ نجيب الشابي، وبين "مقاولات الاجتياح" بقيادة قيس سعيد من جهة ثانية..