كتاب عربي 21

لماذا يجب أن ترفض غارات ترامب على سوريا؟

^
لم نكن نحلم في أشد الكوابيس سوادا أن عربيا سيضطر في يوم ما لشرح الأسباب التي تدعوه لإدانة غارات أجنبية على بلد عربي. ولكننا وصلنا لهذه الحالة بالفعل!

ورغم الاستقطاب الشديد الذي تعيشه المنطقة، وخصوصا فيما يتعلق بالموقف من الثورة السورية، ومن الصراع الدائر فيها الآن، إلا أن الموقف الصحيح والمنطقي -برأينا- من الغارات التي شنتها واشنطن ضد مواقع سورية هو الإدانة والرفض بدون تردد. 

على أن إدانة القصف الأمريكي لا يمكن أن تكون موقفا "أخلاقيا" مبدئيا إذا لم ترتبط بمواقف أخرى بشكل عضوي: فمن لا يدين العدوان الروسي والإيراني والميليشاتوي على الشعب السوري لا يمتلك الحق ولا الرصيد الأخلاقي لإدانة القصف الأمريكي، ومن يقف بجانب النظام وجرائمه واستبداده ويصفق لبراميله المتفجرة هو آخر من يحق له الحديث عن السيادة ورفض التدخلات الأجنبية وحماية المدنيين، ومن دخل إلى بلاده وحكم من على فوهة دبابات أمريكية كما هو الحال مع الحكم الطائفي في بغداد فإن عليه أن يمتلك القليل من حمرة الخجل قبل أن يدين التدخل الأمريكي في سوريا!

هذه المقدمة، وإن كانت خارج إطار الإجابة على السؤال الذي يطرحه المقال، إلا أنها ضرورية لوضع الحدود بين الموقف الأخلاقي الذي يلتزم بمعيار واحد في الحكم على جميع المواقف، وبين المواقف الانتهازية التي تنشأ من منطلقات أيدولوجية أو طائفية أو سياسية أو مصلحية. 

وبعيدا عن النقاش الأخلاقي- على أهميته- فإن القصف الأمريكي لمواقع سورية مدان ومرفوض؛ أولا لأن الاحتفاء به سيطبع المخيال الشعبي العربي لقبول التدخلات الخارجية، وسيجعلها خيارا مقبولا ومشروعا، مع ما يعنيه هذا التطبيع من قبول لارتهان المنطقة حاضرا ومستقبلا للقوى الخارجية التي تفكر أولا وأخيرا في مصالحها، وليس في مصالح الشعوب العربية. 

ومن المفهوم، بشكل أو بآخر، أن بعض العرب فرحوا بالهجوم لأسباب نفسية تتعلق بالرغبة بالانتقام من نظام الأسد على جرائمه، خصوصا أنها جاءت ردا على جريمته الأخيرة بقصف خان شيخون بالكيماوي، وهذا موقف يمكن تفهمه من الناس المكلومين من حجم جرائم الأسد وحلفائه، ولكن ثمة فرق بين موقف ابن الشارع العادي وبين موقف السياسي، كما أن الرغبة بالانتقام شيء وإمكانية حل الصراع لصالح الشعب السوري بالتدخل الأمريكي شيء آخر!.

القصف الأمريكي مرفوض أيضا لأنه لن يشكل حلا للصراع في سوريا، بل سيزيده تعقيدا. فالتجربة التاريخية في المنطقة تقول أن التدخلات العسكرية الخارجية لا يمكن أن تأتي بحل سياسي جيد لأي أزمة، وأنها تعقد الأمور بشكل أكبر، وأنها في حال استطاعت حسم الصراع فإن هذا الحسم سيترك البلد المستهدف بالتدخل في أزمات متلاحقة قد يحتاج حلها إلى عشرات السنوات. 

لقد أمر ترامب بهذه الغارات، حسب كثير من المحللين، لتحقيق أهداف أمريكية خالصة لا علاقة لها بمصالح الشعب السوري، بعض هذه الأهداف داخلية تتعلق بمعارك الرئيس مع الديمقراطيين والإعلام وبعض قيادات حزبه وجزء من مؤسسات الدولة، وبعضها الاخر يتعلق بمصالح واشنطن في منطقة الشرق الأوسط، فالضربة الأمريكية حتى الآن، ومن المتوقع أن تبقى، ضربة معزولة محدودة تثبّت قواعد اشتباك جديدة تتعلق بأسلحة الدمار الشامل، وتعيد رسم الخطوط الحمراء التي وضعها أوباما ثم تخلى عنها لصالح توقيع اتفاق حول تسليم النظام أسلحته الكيماوية.  

لم تعلن الولايات المتحدة أو أي من حلفائها أن موقفها من طبيعة الحل في سوريا قد تغير، أو أن أولوياتها المعلنة سابقا قد تغيرت، بل أن كافة التصريحات ركزت على استخدام النظام للأسلحة الكيماوية، طبعا باستثناء تصاعد الحديث الأمريكي الملتبس والمتناقض أحيانا حول ضرورة رحيل الأسد.

وهذا يعني أن التحرك الأمريكي يتعلق بمصالح واشنطن ومبادئ سياستها الخارجية في المنطقة، والمقصود هنا أن الولايات المتحدة قد "تتسامح" مع اللاعبين الإقليميين في حال اختلافها معهم في كثير من السياسات والإجراءات، ولكن هذه السياسة "المتسامحة" لا تشمل بعض الملفات وأهمها التحكم الأمريكي بسلاح الطيران ومضاداته، وموارد الطاقة، وسلاح الدمار الشامل (ومن ضمنها الكيماوي)، وضمان أمن دولة الاحتلال.  

إذن، ستعود الأوضاع في سوريا غالبا إلى ما كانت عليه قبل مجزرة خان شيخون، مع تأكيد واشنطن على تثبيت خطوطها الحمراء بخصوص استخدام الكيماوي، وهذا يعني أن الهجوم الأمريكي لن يأتي بحل سحري، ولن ينهي الأسد، ولكنه في الوقت ذاته سيزيد من الدور الأمريكي في الملف السوري، وهو ما سيكبل المعارضة السورية مستقبلا بخيارات أمريكية، غالبا ستكون في غير صالح الشعب السوري. 

الضربة الأخيرة غير مفيدة أيضا من ناحية الدعاية الإعلامية التي يروجها النظام وحلفاؤه. سيجد هؤلاء في الضربة أداة جديدة لتأكيد خطابهم الخشبي حول "المؤامرة الكونية" و"نظام الممانعة" و"محور المقاومة"، وغيرها من البروباغندا التي سيستفيد منها النظام في تثبيت روايته للصراع. 

التدخلات الخارجية لم تكن يوما حلا للصراعات العربية، بل إن هذه التدخلات طالما ساهمت بإذكاء الصراعات في المنطقة، ولا يمكن أن تنتهي الأزمة السورية نهاية معقولة- وإن لم تكن عادلة تماما- إلا بحل عربي.

قد يرى البعض أن الأمل بدور عربي وهم أو سذاجة، وهو رأي مشروع بالنظر إلى حالة الشلل التي يعيشها النظام الرسمي العربي، ولكن في النهاية لا يصح إلا الصحيح، ولا بد أن نبقي على جذوة الأمل بدور عربي وإقليمي ينهي مأساة الشعب السوري بشكل عادل وسريع.