هلل أعضاء البرلمان الروسي عند علمهم بفوز دونالد
ترامب في الانتخابات الأمريكية. لكن احتمالات تحسن العلاقات مع
واشنطن منيت بانتكاسات منذ ذلك الحين وكانت
استقالة مستشار ترامب للأمن القومي أكبرها حتى الآن.
ومازال الكرملين يعتقد أن التقارب ممكن حتى إذا استغرق وقتا أطول من التقديرات الأولية. لكن الوقت يمر ومن المتوقع أن يرشح فلاديمير بوتين نفسه لفترة رئاسة أخرى في العام المقبل ومن الممكن أن يعجل تخفيف العقوبات الغربية بخروج روسيا من حالة الركود الاقتصادي ويضمن له الحفاظ على شعبيته.
وفي الوقت الحالي تعتزم روسيا مواصلة العمل مع إدارة ترامب من أجل تحقيق التقارب وتسعى لتحسين الأجواء. ومع انزلاق العلاقات بين البلدين في عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما إلى أدنى مستوياتها منذ الحرب الباردة بفعل ضم
موسكو شبه جزيرة القرم إليها عام 2014 أصبح من الصعب أن تتدهور أكثر من ذلك.
ومن المتوقع أن ينعقد هذا الأسبوع في ألمانيا أول اجتماع بين وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف ووزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون. وسيتيح هذا الاجتماع للكرملين فرصة لاستيعاب آراء واشنطن في الوقت الحالي وما قد تؤدي إليه.
وجاءت استقالة مايكل فلين، مستشار الأمن القومي الذي كانت موسكو ترى فيه أحد الدعاة البارزين لتحسين العلاقات مع روسيا، لتؤكد للكرملين صعوبات التوصل إلى تسوية مع واشنطن والحاجة الماسة لإيجاد مجالات جديدة من الاهتمامات المشتركة.
واستقال فلين -الذي حضر عشاء مع بوتين عام 2015 وحبذ اشتراك واشنطن وروسيا في الحرب على تنظيم الدولة- الاثنين، وذلك بعد أن انكشف أنه خالف الأعراف وبحث قضية العقوبات الأمريكية على روسيا مع السفير الروسي لدى واشنطن قبل أن يتولى ترامب منصبه.
وقال مسؤول أمريكي إن فلين أشار للسفير إلى أن العقوبات "لن تستمر بالضرورة في ظل إدارة تسعى لتحسين العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا".
وقال كونستانتين كوساتشيف رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الاتحاد بالبرلمان الروسي: "فلين على الأقل كان مستعدا للحوار على النقيض من كثير من كبار المسؤولين الأمريكيين".
وأضاف: "إما أن ترامب لم يحصل على الاستقلال اللازم وبدأ يجد نفسه بالتدريج في مأزق أو أن الخوف من روسيا أصاب بالفعل الإدارة الجديدة".
وأشار ساسة روس آخرون إلى أن فلين اضطر إلى الاستقالة للإضرار بالعلاقات مع موسكو. غير أن الكرملين الحريص على عدم زيادة المخاوف من تلاعب وسائل الإعلام الروسية للتأثير في السياسة الأمريكية لم يقل سوى إن الاستقالة شأن داخلي في الولايات المتحدة.
ما من محاور
وصل ترامب إلى السلطة وهو يتحدث عن الرغبة في إقامة علاقات تقوم على التعاون بين الولايات المتحدة وروسيا بما في ذلك على سبيل المثال العمل معا ضد متشددي تنظيم الدولة. وحتى الآن لم يتحقق تحسن يذكر.
وتحدث ترامب هاتفيا مع بوتين في 28 يناير/كانون الثاني غير أن المحادثة لم تسر بسلاسة وأن ترامب استغلها في التنديد بمعاهدة تحد من نشر البلدين للرؤوس الحربية النووية ووصفها بأنها اتفاق سيء للولايات المتحدة. كذلك يواجه الكرملين صعوبات في ترتيب اجتماع للزعيمين.
فقد قال ديمتري بيسكوف المتحدث باسم بوتين الثلاثاء إنه ليس بوسعه أن يحدد متى وأين سيلتقي الزعيم الروسي بترامب وإن من السابق لأوانه الحديث عن المسار الذي قد تسلكه العلاقات بين البلدين.
ولم تأت أيضا سلسلة من جلسات مجلس الشيوخ الأمريكي لإقرار تعيين المرشحين في إدارة ترامب على هوى الكرملين إذ أثار وزيرا الدفاع والخارجية مخاوف بشأن الأخطار التي تمثلها روسيا بوصفها قوة عسكرية لا يمكن التنبؤ بتصرفاتها.
كذلك يشعر المسؤولون الروس بخيبة أمل لأن ترامب لم يملأ بعد بعض المناصب العليا في وزارة الخارجية الأمر الذي جعل الدبلوماسيين الروس يشعرون بأنه ليس هناك من يتحاورون معه.
وقالت ماريا زاخاروفا المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية في إفادة صحفية الأسبوع الماضي: "لتحقيق التعاون تحتاج إلى شخص للنهوض به من الطرف الآخر".
ويبدو أن موسكو بوغتت بقوة المعارضة في الكونجرس لإشراف ترامب على تقارب في العلاقات مع روسيا وهو عامل سيجعل من الصعب عليه أن يخفف العقوبات حتى إذا أراد ذلك.
وفي انتكاسة أخرى للكرملين طرح عدد من كبار أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي مشروع قانون يمنح الكونجرس الحق في مراجعة أي خطوة لتخفيف العقوبات على روسيا.
وقال سيرجي كيسلياك السفير الروسي لدى الولايات المتحدة في تلفزيون الدولة الأسبوع الماضي إن موسكو تدرك مدى تزايد صعوبة المشهد الداخلي في الولايات المتحدة على روسيا.
وأضاف متسائلا: "هل يخلق عدم وجود توافق سياسي داخل الولايات المتحدة مشاكل لعلاقاتنا الثنائية؟ هذا واقع ملموس".
يوم أسود للدبلوماسية الروسية
كانت التوقعات خافتة في موسكو أن يتحرك ترامب بسرعة لتغيير الصورة بعد أن طردت إدارة أوباما في ديسمبر/كانون الأول 35 روسيا يشتبه في قيامهم بأعمال تجسس بسبب اتهامات بشن هجمات إلكترونية تدعمها روسيا على حملة الانتخابات الأمريكية من أجل مساعدة ترامب على الفوز بالرئاسة.
وفي ذلك الوقت أيضا أغلق أوباما مجمعين روسيين قال إن أفرادا من الروس يستخدمونهما "لأغراض تتصل بالمخابرات". وفي ذلك الوقت كال ترامب الثناء لبوتين لامتناعه عن الرد الانتقامي ووصف ذلك التصرف بأنه "غاية في الذكاء". غير أن ترامب لم تصدر عنه منذ ذلك الحين أي إشارة إلى أنه سيلغي أيا من هذه الإجراءات.
وجاءت واحدة من أكبر الانتكاسات لموسكو في أعقاب اندلاع اشتباكات في شرق أوكرانيا حيث تقف قوات حكومية في مواجهة قوات انفصالية مؤيدة لروسيا.
وقبل التصعيد في يناير/كانون الثاني اتهم كل من الطرفين الآخر وأعطت إدارة ترامب الانطباع بأنها مستعدة لبحث إعادة النظر في العقوبات المفروضة على روسيا.
وبعد ذلك اتهمت نيكي هيلي السفيرة الأمريكية الجديدة لدى الأمم المتحدة روسيا بأنها وراء الاشتباكات وقالت إن العقوبات المفروضة على روسيا بسبب أوكرانيا لن ترفع ما لم ترد موسكو شبه جزيرة القرم لأوكرانيا وهو ما تقول روسيا إنه لن يحدث أبدا. وربما يكون الضرر الناتج عن استقالة فلين أكبر من ذلك.
وقال إيليا ياشين الناشط في المعارضة الروسية: "فلين كان عنصر الضغط الرئيسي لدعم مشروع الصفقة الكبرى مع بوتين".
وأضاف: "لم يكن في حاشية ترامب شخص آخر يضغط بهذه المثابرة لإلغاء العقوبات مثل فلين. اليوم يوم أسود على دبلوماسية الكرملين وعلى بوتين شخصيا".