تنظيم الدولة يرى في رئاسة ترامب فرصة لنفض غبار الهزائم
بيروت- رويترز08-Feb-1701:49 AM
شارك
خبير: أحد الأهداف المهمة لاستراتيجية التنظيم هو إحداث استقطاب في المجتمعات واستثارة الريبة في المسلمين- أرشيفية
وضع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هدف القضاء على تنظيم الدولة نصب عينيه، غير أن إسلاميين وبعض المحللين يقولون إن أفعاله قد تقوي سعي التنظيم لتنفيذ أهدافه بدفع مجندين جدد للارتماء في أحضانه، وحفز آخرين على ارتكاب هجمات على الأراضي الأمريكية.
فقد ضعف التنظيم في الشهور الأخيرة؛ بفعل ما مني به من هزائم في ساحة القتال، وما فقده من أراض في العراق وسوريا وليبيا، إلى جانب انكماش مصادر تمويله، وتقلص حجم قواته المقاتلة.
وللوهلة الأولى، يبدو أن تعهد ترامب بالقضاء على "التطرف الإسلامي" يمثل ضربة أخرى لفرص نجاح التنظيم في تحقيق أهدافه.
غير أن بعض الإسلاميين والمحللين يقولون إن فوز ترامب في الانتخابات قد يساعد على ضخ دماء جديدة في شرايين التنظيم، ويعتقدون أن محاولة الرئيس الأمريكي فرض حظر مؤقت على اللاجئين ومنع مواطني سبع دول أغلب سكانها من المسلمين قد تكون في صالح التنظيم.
وقد تعطل الأمر الذي أصدره ترامب، بعد أن أمر قاض بوقف تنفيذه. غير أنه -سواء أعاد العمل بالأمر التنفيذي أم لا- أثار غضب المسلمين في مختلف أنحاء العالم؛ إذ يرون فيه دليلا على أن ترامب وإدارته مصابون بداء الخوف من الإسلام، رغم نفي ترامب ذلك.
ولم يرد البيت الأبيض على الفور على طلب للتعليق على اتهامات الخوف من الإسلام.
غير أن شون سبايسر، المتحدث باسم البيت الأبيض، قال الأسبوع الماضي: "الهدف رقم واحد للرئيس هو التركيز على سلامة أمريكا لا على الدين. وهو يتفهم أن هذه ليست مشكلة دينية".
ونفى سبايسر أن حظر السفر سيؤدي إلى تقليل أمن الولايات المتحدة، وقال إن "بعض الناس لم يقرأوا ما ورد في الأمر على وجه الدقة، ويقرأونه من خلال تقارير إعلامية مغلوطة".
غير أن مثل هذه التصريحات لم تسكت الانتقادات.
ففي نظر قيادات التنظيم، يمثل ذلك فرصة مواتية؛ بفضل احتمال أن تنقلب أفعال ترامب عليه، وتتسبب في خلق شعور بالعداء يسهم في جذب مجندين جدد، وتصبح مصدر إلهام لآخرين لشن هجمات على الأرض الأمريكية، وتنشط بذلك فرص بقاء التنظيم، في وقت تتعرض فيه دولة الخلافة التي أعلنها للضعف، وتكتنفها الأخطار.
وقال حسن حسن، الكاتب المتخصص في الشأن الإسلامي، أحد مؤلفي كتاب "الدولة الإسلامية: داخل جيش الرعب"، الذي صدر بالإنجليزية عام 2015: "ما من شك أن الحظر على الدول المسلمة سيضعف الجهود العالمية للنيل من المتطرفين".
وقالت منظمة التعاون الإسلامي -التي تضم في عضويتها 57 دولة- إن "هذه الأعمال الانتقائية والتمييزية، التي من شأنها أن تصعد من خطاب التطرف، وتقوي شوكة دعاة العنف والإرهاب، تأتي في وقت عصيب".
ولزم التنظيم الصمت فيما يتعلق بالأمر التنفيذي. غير أن الجهاديين ما زالوا يحتفلون بفوز ترامب في الانتخابات عبر المنتديات الإلكترونية، ويرددون أنه حدث يبرر وجهة نظرهم بأن آراءه تكشف عن الوجه الحقيقي للولايات المتحدة، وأن سياسته ستحدث استقطابا في المجتمعات، وهو ما يعد أحد الأهداف الرئيسية للمتشددين.
وكتب أحد الجهاديين على موقع "المنبر" -وهو من مواقع الإسلاميين- يقول: "تلك نعمة من الله لمن ضيع من المسلمين ولاءه وإيمانه، وفضل اختيار الحياة الدنيا بكل مباهجها الموجودة في دار الكفر على دار الإيمان".
وأضاف: "المسلمون مرغمون الآن على رفع راية الجهاد... أما بالنسبة لترامب والصليبيين، فهذا هو وجههم الحقيقي".
أفول نجم التنظيم
في الشهور الأخيرة، ضعف تنظيم الدولة بدرجة كبيرة على جبهات عدة، وانكمشت مساحة دولة الخلافة التي أعلنها في العراق وسوريا وفرض فيها حكمه بالحديد والنار على سكانها.
ففي العراق، فقد التنظيم الأرض في معقله بمدينة الموصل الشمالية وما حولها منذ بدأت القوات العراقية المدعومة من الولايات المتحدة في تشرين الأول الماضي/ أكتوبر أكبر عملية برية في البلاد منذ اجتياح العراق والإطاحة بصدام حسين عام 2003.
ويتركز وجود التنظيم في الأساس في شمال العراق، لكن ما زالت له معاقل لا يستهان بها، مثل تلعفر الواقعة إلى الغرب من الموصل، ومناطق أخرى قريبة منها مثل القائم بالقرب من الحدود السورية. ورغم ذلك، قال رئيس الوزراء حيدر العبادي إن التنظيم سيطرد من البلاد بحلول نيسان/ أبريل.
ولا يزال التنظيم يسيطر على مساحات من الأراضي السورية، ويبدي مقاومة ضارية في مدينة الرقة عاصمته في شرق سوريا. كما يسيطر على نحو 90 في المئة من محافظة دير الزور بالقرب من الحدود العراقية، إلى جانب الرقة وبعض المناطق في الريف الشرقي لمدينة حلب بشمال سوريا. ويسيطر أيضا على تدمر وبعض الجيوب في درعا بالجنوب.
ومن خصوم التنظيم في سوريا الجيش التركي وجماعات المعارضة السورية شمال شرقي حلب. وعلى عدة جبهات، يحارب التنظيم قوات الحكومة السورية التي يساندها سلاح الجو الروسي وفصائل شيعية تدعمها ايران.
أما في ليبيا، فقدْ فقدَ تنظيم الدولة السيطرة على مدينة سرت المطلة على البحر المتوسط لصالح القوات الليبية المدعومة بضربات جوية أمريكية. وحرمت تلك الهزيمة التنظيم من معقله الرئيسي في شمال أفريقيا، رغم أنه ما زال له وجود نشط في مناطق أخرى من ليبيا.
ومن الناحية العسكرية، لم يعد بوسع التنظيم الدفاع عن المدن مثلما كان يفعل من قبل. فقد عرقلت الضربات الجوية قدرته على الحركة بالإيقاع والسرعة، اللذين سمحا له بالسيطرة على مساحات كبيرة من الأراضي السورية والعراقية في ذروة توسعه عام 2014.
والآن، يتعاون عدد متزايد من سكان المنطقة من السنة الذين شعروا بأن التنظيم خذلهم مع الجيش العراقي، ويسهمون في الحرب على التنظيم، وضعفت موارده المالية بشدة. كما أغلقت تركيا حدودها، فحرمته بذلك من طريق جلب المقاتلين الأجانب وتهريب البضائع.
ويقدر المحللون والخبراء الآن أن عدد مقاتلي التنظيم يبلغ 20 ألفا في العراق وسوريا بالمقارنة مع 36 ألفا في عام 2014. ومنذ ذلك الحين، سقط عدد كبير من المقاتلين وقادة التنظيم قتلى في الغارات الجوية التي يشنها تحالف بقيادة الولايات المتحدة، وسقط آخرون في قبضة الجيش العراقي أو فروا خارج البلاد.
الرد
رغم الانتكاسات، يبدي التنظيم مقاومة عنيفة، وما زال يمثل تهديدا للولايات المتحدة وحلفائها الغربيين.
وقال خبراء مستقلون إن قيادات التنظيم ربما تعلق آمالها الآن في إنعاش فرص بقائه على دفع ترامب إلى التحرك ضده بالشدة والقوة الدموية، التي تباعد بين المسلمين وغيرهم من أصحاب الديانات الأخرى، وتساعد في ضم مجندين جدد لصفوف التنظيم.
وقد بدأ التنظيم في تطوير بدائل دموية لدولة الخلافة من حرب عصابات في سوريا والعراق إلى شن هجمات في أوروبا، واستهداف حلفاء الغرب في مختلف أنحاء الشرق الأوسط من تركيا إلى مصر.
ويعتقد بعض الخبراء الإسلاميين أن التنظيم سيضاعف جهوده لتنفيذ ضربات داخل الولايات المتحدة؛ لتكرار الهجمات المميتة التي نفذها في خمسة عشر شهرا الماضية في مدن باريس وبروكسل ونيس وبرلين واسطنبول.
ويردد التنظيم -شأنه شأن تنظيم القاعدة الذي خرج هو من عباءته- أن الغرب يكن عداء راسخا للمسلمين. وخلال السنوات العشر الأخيرة، أصبح هذا الخطاب عنصرا في النمو المطرد للمتشددين في الشرق الأوسط وخارجه.
ويقول مختار عوض، الزميل الباحث ببرنامج دراسات التطرف في جامعة جورج واشنطن، إن سياسات ترامب ستسهل مهمة الجهاديين كثيرا.
وقال عوض: "سيضاعفون ببساطة رهانهم على هذه الاستراتيجية (الخاصة بالهجمات)، وبدلا من الاستثمار بالكامل في ساحات القتال التي يعملون فيها، سيحاولون بجهد أكبر من ذي قبل تنشيط خلايا في دول مختلفة في الشرق الأوسط والغرب".
وأضاف أن "شن هجوم في الولايات المتحدة هو الشيء المثالي الذي سيكون على فظاعته في صالحهم؛ لإظهار أن ترامب ضعيف، وتشجيع أشد الاتجاهات عزلة وأكثرها خوفا من الأجانب لدى البعض في هذه الإدارة" الأمريكية.
وقال عوض إن الدولة الإسلامية تسمي هذه الاستراتيجية القضاء على المنطقة الرمادية، وهي سياسة تقوم على إقناع المسلمين في الولايات المتحدة بأنهم يعيشون مع "كفار"، وأن عليهم ألا يعيشوا إلا بين مسلمين.
مفجرون محليون
شكك خبراء أمنيون في قدرة فرض حظر شامل على دخول الولايات المتحدة على منع الهجمات.
ويقول عوض إن أغلب المتشددين الذين يتابعهم البرنامج ولدوا في الولايات المتحدة، وإن الجماعات المماثلة للتنظيم لها كوادر في كل مكان.
ويرجح خبراء مثل عوض أن يجند التنظيم منفذي عمليات التفجير في الولايات المتحدة من داخلها لا من بين اللاجئين.
ومن المحتمل أن تؤدي بعثرة قوات التنظيم من حصونها في الأراضي العراقية والسورية وعودة الأجانب المجندين في صفوف التنظيم إلى بلادهم الأصلية إلى ازدياد الخطر خارج العراق وسوريا. وتبين دراسات لتنظيم القاعدة أن فرص النجاح تزداد عندما يشارك في الهجمات جهاديون من ذوي الخبرات.
وكل البلاد عرضة لهجمات الذئاب المنفردة التي يشنها أفراد اعتنقوا الأفكار المتطرفة ويعيشون بالفعل في البلاد المستهدفة. وقبل مقتل أبي محمد العدناني، مسؤول الدعاية، الرجل الثاني في قيادة التنظيم، في غارة جوية أمريكية العام الماضي، نشر نداء صوتيا موجها إلى أنصار التنظيم؛ من أجل استهداف الغرب.
وقال العدناني في ندائه: "فإن عجزت عن العبوة أو الرصاصة، فاستفرد بالأمريكي أو الفرنسي الكافر أو أي من حلفائهم، فارضخ رأسه بحجر، أو انحره بسكين، أو ادهسه بسيارتك، أو ارمه من شاهق، أو اكتم أنفاسه، أو دس له السم، فلا تعجز أو تهن. وليكن شعارك: لا نجوت إن نجا عابد الصليب ناصر الطاغوت."
صدر هذا النداء عن العدناني قبل الاعتداءات التي وقعت في العام الماضي في مدينة نيس الفرنسية والعاصمة الألمانية برلين، والتي أبرزت الخطر الأمني الكامن الذي يمثله التنظيم.
ففي عملية نيس، قتل مهاجم 86 شخصا دهسا بشاحنة في 14 تموز/ يوليو يوم ذكرى اقتحام سجن الباستيل. وسقط 12 قتيلا في عملية برلين يوم 19 كانون الأول/ ديسمبر، التي اقتحم فيها رجل سوقا أقيم بمناسبة عيد الميلاد بشاحنة.
ارتياب
أحد الأهداف المهمة لاستراتيجية التنظيم هو إحداث استقطاب في المجتمعات، واستثارة الريبة في المسلمين. ويقول خبراء إن الجماعة تعتقد أنه حتى إذا لم ينضم مسلم للجماعة فسيكون أقل ميلا لمعارضة المتشددين إذا ما حدث استقطاب في المجتمع.
ويقول محللون كثيرون إن أكثر المعارك إلحاحا الآن بالنسبة لخصوم التنظيم هي معركة سياسية، وتتمثل في كيفية إقناع مؤيدي التنظيم بأنه لم يعد ذا أهمية.
ففي ظل ترامب، الذي نصب رئيسا في 20 كانون الثاني/ يناير، أشارت الولايات المتحدة إلى أنها تبحث عن شركاء في الشرق الأوسط لمحاربة التنظيم.
ففي العراق، تقف القوات الأمريكية التي تشارك في حملة تحرير الموصل في صف واحد مع إيران، التي يمكن أن يزداد نفوذها لدى الحكومة التي يهيمن عليها الشيعة في بغداد إذا أعيد العمل بإجراءات مثل حظر دخول الولايات المتحدة.
وفي سوريا، تعتمد القوات الأمريكية على المقاتلين الأكراد السوريين في حصار الرقة. لكن ذلك أثار استياء تركيا، عضو حلف شمال الأطلسي، التي ترى أن المليشيا الكردية السورية فصيل مماثل للمتمردين الأكراد في تركيا، والذين تعتبرهم إرهابيين.
وتعتبر الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي متمردي تركيا من الأكراد من الجماعات الإرهابية.
وتشير مفاتحات ترامب تجاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى أن روسيا والولايات المتحدة قد تتقاربان في الحرب على تنظيم الدولة، رغم اختلاف الكثير من أهدافهما وحلفائهما.
وربما تكون في تلك العلاقة الناشئة فرصة للتنظيم. ويقول محللون إن التنظيم أصبح يرى في تحالف روسيا مع ايران الشيعية أداة لضم مجندين جدد.