أثار حكم المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان الأخير، بإجبار الطالبات المسلمات على حضور دروس السباحة المختلطة في المدارس السويسرية، الجدل بعد أن اعترض والدا فتاتين مسلمتين ومنعاهما من حضور الدروس، ما يثير التساؤل حول ما إذا كان الالتزام الديني عائقا أمام
الاندماج في المجتمعات الغربية.
وجاء حكم المحكمة لصالح المدرسة التي غرمت والدي الطالبتين بسبب تغيبهما عن الدروس.
وتنوعت ردود الأفعال بين مؤيد ومعارض لحكم المحكمة، إذ رآى معلقون على مواقع التواصل الاجتماعي أن حكم المحكمة يتعارض مع الحقوق والحريات الخاصة، وبين من رأى أن على الأهل القبول بحكم المحكمة والاندماج في المجتمع الذي يعيشون فيه.
وعللت المحكمة قرارها بأن "الأنشطة المدرسية بما في ذلك الرياضة تفوقت على المعتقدات الدينية ولاسيما بعد أن سعت المدرسة لتهدئة مخاوف الزوجين بالموافقة على أن ترتدي الفتاتان البوركيني وهو زي سباحة يغطي الجسد بأكمله".
الباحث في المركز الوطني للبحث الاجتماعي في لندن، حميد الهاشمي، رآى من جانبه أن استياء رافضي حكم المحكمة غير مبرر لكون رفضه يستند إلى موروث ثقافي يرى أن السباحة "انحراف".
ولفت الهاشمي في حديثه لـ"
عربي21" إلى أن على المهاجرين العمل على الاندماج بشكل أفضل في مجتمعاتهم إن كانوا يبحثون عن حياة أفضل، أو البحث عن أماكن أفضل تقبلا لعاداتهم إن اقتضى الأمر، مشيرا إلى أن قرار المحكمة جاء متناسقا مع روح القانون بحيث سمحت لهم بارتداء "البوركيني" في الحصص بما يوضح أن المشكلة ليست "دينية" في نظر المدرسة بقدر ما هي أكاديمية ورياضية.
ولفت إلى أن المحكمة أوردت حلا وسطا باقتراح ارتداء "البوركيني"، للتشديد على أن الحكم يركز على القيمة المترتبة على تعلم السباحة، وليس للتميز دينيا.
ولفت إلى أن على الأهل عدم تجاوز قوانين المجتمع وفرض أمور على الأطفال بما يرونه هم مناسبا، خصوصا إن كان يتعارض مع قوانين هذا البلد، سواء كانوا من المهاجرين أو حتى من سكان البلد المسلمين.
ورُفعت القضية إلى محكمة الحقوق ومقرها مدينة ستراسبورج في شرق فرنسا عندما رفض الزوجان وهما تركيان قرارا سويسريا بفرض غرامة عليهما قدرها 1380 دولارا لأنهما لم يحترما قواعد المدرسة.
رئيس جمعية مقومات حقوق الإنسان، الدكتور يوسف الصقر، قال لـ"
عربي21"، إن الموضوع يحمل طابعا حقوقيا، إذ إن القانون الدولي يكفل للأبوين الحق في تربية الأطفال بما يرونه مناسبا لهم ما لم يكن له أثر سيء عليهم.
وتنص المادة الخامسة من اتفاقية حقوق الطفل للأمم المتحدة على أن "تحترم الدول الأطراف مسؤوليات وحقوق وواجبات الوالدين في توفير التوجيه والإرشاد الملائمين بما يتفق مع قدرات الطفل عند ممارسة حقوقه المعترف بها في الاتفاقية".
ولفت إلى أن موافقة المحكمة على لباس "البوركيني" في الحصص لم يراع أن الأهل أيضا ربما يرغبون بأن لا يشاهد أبناؤهم "عورات" زملائهم.
ولفت إلى أن على المدارس احترام الاختلاف الديني للطلاب، كما تفعل بعض الدول العربية بعدم إجبار غير المسلمين على حضور الحصص الدينية.
ورأى الصقر أن المحكمة الأوروبية تتعامل بمعايير مزدوجة، شأنها شأن كثير من الدول الغربية التي تسمح باللباس الديني في مكان وتمنعه في آخر، ولا يعترف بعضها بعقود الزواج الديني، رغم أن دول أخرى تحترمها.
ولفت إلى أن هناك فرقا بين "الاندماج"، و"تغيير المعتقد"، مؤكدا أن كثيرا من المسلمين الملتزمين بلباسهم مندمجون في المجتمعات التي يعيشون فيها دون التخلي عن "احتشامهم".