في مقابلة خاصة مع "
عربي21"، يقدم الشيخ عبد الفتاح مورو، نائب رئيس حركة النهضة التونسية، تصوراته حول
التطرف في العالم الإسلامي، حيث يرفض ربط الظاهرة بالنصوص الدينية، بل عوامل عدة، بينها البيئة المحيطة بالشباب الذين يقعون في التطرف.
وخلال المقابلة التي أجريت على هامش مؤتمر مسلمي أمريكا، يضع الشيخ مورو إطارا للعلاقة المفترضة بين المسلمين والعالم الغربي، وخصوصا الولايات المتحدة، في ظل ثنائية نحو والآخر غير المسلم.
وفيما يلي نص الحوار:
* ينظر بعض العرب والمسلمين إلى أمريكا باعتبارها عدوا، بينما يرى آخرون، وخصوصا داخل أمريكا، أنفسهم بأنهم جزء منها. كيف يُفترض النظر إلى أمريكا ومن أي زاوية؟
- أمريكا كيان قائم استحوذ على الاهتمام العالمي، منذ بدء الهجرة إليها، عالم جديد، قدمت نمطا جديدا لتعامل الناس مع ثرواتهم وإمكانياتهم، وأمكن لهذا البلد أن يصبح قوة عالمية لم تتورط في حروب عالمية إلا في تدخلها في الحرب العالمية الثانية. وبعد الحرب، أرادت أن تشارك في إعادة ترتيب أوراق العالم، لذا يحق للكثيرين أن يكرهوها.. لأنها دولة نافذة وقوية، والدول القوية لا تتعامل مع بقية العالم بالعواطف أو المشاعر، بل تتعامل بالمصالح، فأمريكا الآن تريد أن تحقق كيانها ووجودها على حساب الكثير من دول العالم، ومن بينها دول العالم الإسلامي.
لنا الحق بأن نخشى أمريكا على مصالحنا، ولكن ليس لنا الحق بأن نقول بأن هذه شر كله أو خير كله. والذي أقوله إن أمريكا اليوم، وهي تسهم في القرار العالمي على المستوى السياسي والاقتصادي، بل تسهم أيضا في صناعة العقول والفكر، تحتاج منا وقفة تأمل لدراسة الإيجابي في حضارتها.
ونقول إن مرورنا بأمريكا، هو مرحلة أساسية في مراحل تطور فكرنا وإدراكنا. نحن بقينا، كعرب ومسلمين، معزولين عن واقع العالم، لم نشارك في بنائه وتشييده، ولم نشارك في إثرائه خلال الخمسة قرون الماضية، ونحن نعيش بعيدا عن القرار العالمي.
المطلوب منا اليوم أن نأخذ إيجابيات ما يحصل في أمريكا، وأكبر إيجابية: على المستوى السياسي نحن لم نسمع بديمقراطية في تاريخنا أبدا. وفي الوقت الذي لم نكن نسمع فيه عن
الديمقراطية ونعيش في جو من الاستبداد، تقدم لنا اليوم أمريكا صورة للتوفيق بين سلطة الحاكم وحق المحكوم، وأسمته ديمقراطية، وأطلق عليه الغرب أيضا ديموقراطية.
نحن نحتاج أن نعي النظام السياسي الأمثل الذي من شأنه أن يعطي الحق لمواطننا ويحفظ كيان دولتنا، وإلى الآن نحن ليس لدينا هذا النظام السياسي. يقول علماؤنا إن هذا موجود في الشورى في الإسلام، لكنهم لم يفصلوا لنا كيفية بناء هذه الشورى، بل نحن في تاريخنا ندرس وكان خلافا بين علماء الأمة هل هي ملزمة أم غير ملزمة. ماذا نفعل بشورى لا تلزم حاكمك، والحاكم كان مستبد برأيه؟
هذا اليوم الغرب يفعله وأمريكا تفعله.. اليوم نهضة علمية في الغرب وأمريكا في الجامعات التي تخرج قيادات العالم السياسية، هذا فضلا عن الاكتشافات والاختراعات.. كيف نسب أمريكا.. إيش معنى بنسب أمريكا؟ هل نسبّ أمريكا لأن لدينا بضاعة أفضل من أمريكا؟ أم نسبّها لأنها تريد أن تستولي علينا؟
نحن بحاجة اليوم إلى أن نوجد الطريق الذي يفجر طاقاتنا وإمكانياتنا.. لذلك لا أرى أن دورنا اليوم أن نسب الأمريكان أو نمدحهم.. هذا ليس دورنا، بل قضيتنا أن نفهم ما هو الإيجابي في الحضارة، وأن نأخذ منه بالقدر الذي لا يتضارب مع قيمنا.
ولا أتصور أن حقوق الإنسان، أو الديمقراطية بمفهوم حكم الشعب لنفسه تتضارب مع قيمنا الإسلامية أبدا، وأن احترام الإنسان وسير الإدارة بشكل محكم واحترام الوقت وهمة العمل، واحترام الجار والنظافة.. هذه القيم ليست غريبة عن حضارتنا وتاريخنا، بل أصبحت غريبة عن واقعنا وغائبة.
* يعيش العرب والمسلمون في أمريكا في مجتمع غريب إلى حد ما عن مجتمعاتنا العربية والإسلامية، ويواجهون اتهامات من البعض في العالم الإسلامي بالتقليد والتشبه بغير المسلمين.. كيف ترى المسألة؟
- أرفض مفهوم ما يسمى التشبه بالكفار.. شبابنا وبناتنا في بلادنا يلبسون على ذوق الأمريكان وذوق الأوروبيين، المشكلة ليست هذه القضية، القضية ليست في اللباس، ولكنها في العقول. السؤال هو: هل لدينا عقول تصلح اليوم؟
الآن العالم لم يعد يستوجب بنا التنقل إلى بلد لنتعثر به، نحن نتعثر بما يحصل بالعالم، ونحن في بلداننا؛ أبناؤنا وبناتنا اليوم على صلة مباشرة بما يحصل في العالم.. فالقضية ليست قضية أن نقيم في أمريكا لنتهم بأننا متشبهون بالأمريكان.
الذي قاله ابن خلدون، وهو صحيح قاعدة أساسية، أن المغلوب مولع بتقليد الغالب.. عندما كنا نحن الغالبين كانوا في أوروبا يقلدوننا، فإذا أردنا أن نقلدهم فعلينا أن نسبقهم. هذه القضية طويلة المدى وتحتاج إلى نفس تحتاج إلى وقت. أما الذين يقولون إن القضية هي أن نحفظ لباسا أو سمتا ظاهريا فهذا ليس هو المقصود من الأديان، فهي جاءت لكي تعطينا طريقة في التفكير والفهم تخالف فهمهم. فنحن نؤمن بالحريات لا إلى حد أن تطغى الفردانية الآحادية لتقتل المجتمع وحقوق المجتمع، وهذا هو الفرق بيننا وبينهم. بأن يصبح الإنسان عبدا للمادة عندهم.. هذا هو الفرق بيننا وبينهم، نحن نريد أن نمسك المادة ونحكمها حتى لا تصبح هي سيدتنا.
نحتاج اليوم إلى أن نفهم بأن جُدر الحماية التي نقيمها بعضها وهمية.. إذا كنا لا نصنع فنحن بحاجة إلى صناعتهم، والذي يحتاج إلى صناعتهم سيتأثر بهم..
كيف لا تريد أن يتأثر الشخص بهم؛ وهو يشتري منهم ساعتهم وسيارتهم وطائرتهم ونظارتهم وهاتفهم وحذاءهم... إلخ؟ هو مرتبط بهم في مجالات حياته كلها، وأصبح الشخص لا يعي الدنيا إلا من خلال نظارة هم ركبوها على عينيه. إن أردت ألا تقلدهم فعليك أن تصنع مثلهم.
في ظل وجود المسلمين في الغرب تبرز أحيانا أفهام جديدة لأساليب الحياة، حيث يرى البعض أنه ليس من الضروري في كل تفصيل من حياة الشخص، سؤال الفقهاء، فالدين عبارة عن منظومة من القيم والأخلاق العامة، ولم يأتِ فيه من الأحكام الدنيوية إلا القليل، معتمدين على مقولة قديمة للفقهاء تقول: (أينما وجدت المصلحة فثم شرع الله )؟ وهذا الأمر ينسحب على من في الوطن العربي أيضا بالطبع. مارأيك بوجهة النظر هذه؟
هذا كلام صحيح أنه أينما وجدت المصلحة فثم شرع الله، لكن نحن نحتاج إلى فهم أصول التشريع الإسلامي في حلقاتنا، وبالحقيقة فإن المحرمات في الإسلام عددها قليل. ديننا ليس مجموعة من القيود، ولكنه مجموعة من الأصول نفهمها وندركها، ولكننا بحاجة قبل أن نعلم الأحكام أن نعلم فلسفة التشريع وما الذي يريده الله منا.
الله خلقنا لأمر.. الأحكام في القرآن هي جزء ضئيل جدا، هي 1 من 12 أو 13.. 500 آية تتعلق بالأحكام في خضم 6600 آية المتبقية التي هي المعاني التي ترتقي بنا إلى القيم وفهم الحضارة، وترتقي بنا إلى فهم نفس الإنسان، وتحقيق العلاقة بين الدنيا والآخرة وبيننا والإنسان الآخر.
هذه كلها محور 6100 آية المتبقية، 500 آية فقط هي المتعلقة بالأحكام، الذي يهتم بالأحكام فقط ويغفل الخلفية التي تقوم عليها الأحكام، كأنه يلغي في دولته الوزارات جميعا، فيلغي وزارة الثقافة ووزارة التربية ووزارة العدل، ولا يبقي إلا وزارة الداخلية التي تقول ممنوع وغير ممنوع.
* برأيك ما السبب الرئيسي لصعود تيارات متطرفة مثل تنظيم الدولة، وغيره؟ هل هي النصوص الدينية؟ هل هي الأزمات الاجتماعية والسياسية التي تعاني منها دولنا العربية؟ هل هو الصدام الحضاري مع الغرب؟ أم ماذا؟
- لا أتصور أن النصوص الدينية هي مسؤولة عن ظاهرة التطرف، فهم النصوص الدينية مسؤول بشكل ضئيل عن ظاهرة التطرف. التطرف يقوم لدى من يضيق على نفسه وحاله بالواقع الذي يعيشه ولا يهتدي إلى كيفية تغييره، فهذا يعمد إلى العنف والإلغاء.
الذين ينخرطون في التنظيمات المتطرفة، هم أولئك الذين لم يفهموا طريقة التغيير في الكون، هؤلاء يتصورون بأن الإسلام كحق يجب أن يسود، وأنه لا يحق لمبدأ الغير أن يعيش، بل يريدون أن يلغوا ما يخالف مبادئهم، ويريدون أن يتم ذلك بسرعة. وهؤلاء لا يفهمون أن الله خلق الكون بالتنوع.. مع آدم خلق الشيطان، ويعيشان معا ويموتان معا، وأن هذا التلازم يقتضي أن نفهم بأن التغيير نحو الأحسن يحتاج إلى وقت ومنهج ودراية.
الرسول لم يفعل ما يريد أن يبرز فيه هؤلاء الذين يدعون أنهم على سببه وطريقته.. إنهم يقتلون الناس اليوم. لم يفهموا أن الرسول عليه الصلاة والسلام، في حروب متتالية استمرت عشر سنوات، لم يتجاوز عدد الموتى 2000 في كامل هذه السنوات. يعني حساب واحد في كل عشرين يوما.. اليوم أحدهم يفجر نفسه يقتل 150 شخصا أو 200 شخص.
لا يفهمون أن الإسلام ليس دينا قام على أساس السيف، بل قام على أساس المعرفة. الرسول أقام في المدينة المنورة جامعة داخل المسجد كان يخرج منها في كل فوج قاضيا ومعلما، وهؤلاء هم الذين أمسكوا الجزيرة.
من يتحمل وزر الشباب المتشددين وإرهابهم؟ وكيف يمكن تحصين الشباب من هذا الفكر؟ الشباب يتم حمايته من الفكر المتطرف عندما يصنع عقله، العقل المتنوع في الفهم والإدراك لا يكون إرهابيا، أما صناعة العقل بفكر آحادي يجعل الشخص رافضا لغيره.
الأنظمة الديكتاتورية تصنع إرهابا، فنحن نحتاج أن نقيم الديمقراطية في بلداننا العربية.. ويبدو أن الحكام لا يفهمون هذه الكلمات، فيريدون أن يلغوا الإرهاب وأن يبقوا هم. ولا يفهمون أن وجودهم في الطريقة التي يعيشون بها، هو سبب أصيل في استمرار الإرهاب في بلادنا.