سياسة عربية

هل يدير عباس ظهره لمصر ويتجه نحو قطر؟

عباس خلال مؤتمر فتح السابع المنعقد منذ ثلاثة أيام في مدينة رام الله- أ ف ب
جاء خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس يوم أمس الأربعاء، في مؤتمر فتح السابع دون التوقعات السياسية بحسب المراقبين للشأن الفلسطيني، حيث لم يتطرق عباس لملف اغتيال الرئيس الراحل ياسر عرفات، أو ملف القيادي المفصول في فتح محمد دحلان.

الخطاب الذي وضح فيه عباس برنامجه السياسي القادم، وضع السلام فيه كخيار استراتيجي حمل في طياته رسائل سياسية هامة للدور المصري في القضية الفلسطينية، حيث شكرها الرئيس بشكل عابر وبارد وفق وصف عدد من المراقبين، مشيدا  بحرارة في ذات الوقت بالدور القطري المتصاعد على الساحة الفلسطينية.

لا يمكن تجاهل مصر

الكاتب الدكتور إسماعيل الأشقر، وهو مستشار مجموعة الراصد للدراسات، قال في حديث مع "عربي21" إن الرئيس عباس لم يتجاهل مصر، بل ذكرها في مواقع عدة، وقدم لها الشكر ووصفها بأنها "بوابة المصالحة الفلسطينية".

وأوضح الأشقر أن "الشكر الذي قاله أبو مازن من النوع الذي فيه مجاملة ويخفي الأزمة الصامتة المدفونة بين القيادة الفلسطينية والمصرية على حد سواء".

وأشار الأشقر إلى أن عباس "لا يستطيع نهائيا أن يفتح خطا ناريا على مصر، رغم معرفته أن مصر لديها استدارة سياسية في التعامل معه بسبب قضية داخلية".

وأشار الكاتب إلى أن عبد الفتاح السيسي ومخابراته ألحت على عباس بضرورة استيعاب دحلان وفريقه، من خلال  إقناعه بأن هذا الرجل قادر على إدارة الملف الأمني للسلطة الفلسطينية والتعامل مع "حماس".

وأضاف الأشقر، أنه "بالنسبة للمصرين، فإن محمود عباس أثبت فشله بالتعامل معه خلال عشرة سنوات، ويبدو أن دحلان يقدم رؤية سياسية وأمنية شاملة في التعامل مع هذه الملفات التي عجز عنها أبو مازن".

وشدد الأشقر على أن عباس لا يستطيع تجاهل مصر لأنها بوابة القضية الفلسطينية كما وصفها، إضافة إلى أنه لا يمكن لأي جهة أن تنازع في هذا الملف حتى وإن كانت قطر التي تعلم ذلك بسبب الجغرافيا المصرية، رغم جميع الخصومة المتبادلة بين قطر ومصر.

غضب مصري  

من جهته قال المحلل السياسي الدكتور عدنان أبو عامر، في حديث مع "عربي21"، إن "أبو مازن" رجل سياسي ودبلوماسي، وهو يحتفظ بخطوط للعودة مع جميع خصومه وأعدائه بما فيهم إسرائيل، وقال إنه يبقي شعرة معاوية معهم.

وحول حديث عباس عن الدور القطري، قال أبو عامر: "من الواضح أنه هنالك دعوة قطرية في الطريق قادمة، لاستئناف المصالحة بين حماس وفتح، واعتقد انها موجودة في أدراج الخارجية القطرية بشكل واضح".

ووصف أبو عامر رسالة الشكر لقطر ومرور الكرام على مصر بـ"الأمر الصعب والصعب جدا"، وقال إنه قد يكون له ما بعده في إطار العلاقات الرسمية مع مصر.

وأوضح أبو عامر، أن "ذلك لا يعني بالضرورة طيا لهذه الصفحة، لأنه لا يمكن استغناء طرف عن آخر، لكن من الواضح أن هناك امتدادا لنفوذ قطري واضح في الساحة الفلسطينية ليس مقتصرا على حماس فقط، بل امتد مؤخرا ليشمل فتح أيضا".

وأشار أبو عامر إلى أن مصر غاضبة من "أبو مازن"، وقد تكون محبطة بسبب نجاحه في عقد مؤتمره السابع وحصوله على تأييد واضح وشبه إجماع من غالبية كوادر وقيادات "فتح"، موضحا أن مؤتمر دحلان الموازي لرام الله والمزمع عقده في القاهرة أصبح صعبا الآن بسبب رؤية مصر للدعم العربي والدولي لـ"أبو مازن".

من جهته، قال الوزير السابق في حكومة سلام فياض، الدكتور إبراهيم أبراش، في حديث مع "عربي21"، إن خطاب الرئيس لم يكن فيه اهتمام كبير بدور مصر على حساب قطر، الأمر الذي يدفع للتساؤلات.

وتساءل أبراش: "ماذا بالنسبة للمصالحة الفلسطينية؟ هل هناك مراهنة على دور مصر أم على دور قطري؟".. وقال أبراش، إن هناك عدم وضوح في الرؤية رغم أن الخطاب كان واضحا في أنه الأقرب إلى قطر.

وتوقع أبراش أن لا يكون ذلك الخيار النهائي للرئيس عباس، مضيفا أن "الكلام الطيب الذي تحدث فيه عن حماس وتركيا وقطر، وتجاهله للمشاكل الداخلية لحركة فتح ورفضه توصيف ما جرى في 2007 بالانقلاب، وإذا ما ربطنا هذه المواضيع.. فإنه حتما هناك تطور، مع أنني لا أتمنى أن يذهب الرئيس في هذا الخيار الذي سيؤدي حتما لتوتير العلاقة مع مصر".

تأثيرات ما بعد المؤتمر

من جهة أخرى، قال الأشقر إن خطاب "أبو مازن" كان طويلا يميل للكوميديا الدعائية ووصفه بأنه "مجرد تسويق أعمال هو يعتقد بأن حركته حققت إنجازات للشعب الفلسطيني".

وأشار أبو عامر إلى دفاع عباس عن نفسه وخياراته بشكل مستمر، بتأكيده أنه لم يتنازل عن ثوابت المجلس الوطني الفلسطيني عام 1988، وليس مبادئ "فتح" التي انطلقت بها في ستينيات القرن الماضي.

ووصف الأشقر خطاب عباس، بأنه لم يقدم أي جديد في رؤيته السياسية، وبأنها هي نفسها التي أعلنها سابقا، وهي: دولتان وشعبان، واستمرار في برنامج المفاوضات من خلال بوابة المجتمع الدولي.

أما الوزير أبراش، فقال إن الرئيس كان أكثر وضوحا مما سبق، وأوضح قائلا: "لا أقصد بالمفهوم الإيجابي بل بأنه كان واضحا في اختزاله في خيار حل الدولتين للتسوية السياسية، رغم اعترافه بأن اتفاقيات أوسلو وصلت إلى طريق مسدود، ولكنه ما زال يراهن على الشرعية الدولية ومؤتمر دولي للسلام".

وأضاف أبراش أن الخطاب الذي ألقاه "أبو مازن" أذاب الفوارق بين "فتح" والسلطة، وحول حركة فتح من كونها حركة تحرر وطني إلى حزب سلطة.

وأضاف أيضا: "هذا الخطاب بمفرداته وبالبرنامج الذي تضمنه لا يعبر عن حركة تحرر، بل هو برنامج لحزب سلطة، وهذه نقلة كبيرة جدا في حركة فتح قد يكون لها تأثيرات فيما بعد، من خلال خلق فراغ على مستوى العمل التحرري الوطني".

وأشار أبراش في نهاية حديثه عن خطاب عباس، إلى موقف الأخير الرافض للمقاومة المسلحة والمحذّر منها، إضافة إلى تسخيفه المقاومة السلمية، عن طريق اتهام القائمين عليها بأنهم غير صادقين، ومحاولته الربط بينها وبين الفلتان الأمني.