المشهد السياسي والأمني في
ليبيا يزداد قتامة يوما بعد يوم، في ظل الانقسامات السياسية والانفلاتات الأمنية التي تعيشها البلاد. ورغم اعتراف المجتمع الدولي بحكومة الوفاق الوطني برئاسة "فائز السراج" والتي أقرها الاتفاق السياسي الموقع بمدينة الصخيرات المغربية، إلا أنها لم تقدم شيئا على أرض الواقع حتى الآن، كما أن مجلس النواب لم يمنحها الثقة حتى اللحظة، وهو ما يزيد من تعقيد المشهد. وعلى ما يبدو، فإن عددا كبيرا من نوابه لا يعترفون بالاتفاق السياسي برمته، رغم أنهم يستمدون شرعيتهم من هذا الاتفاق، وذلك بعد انقضاء مدة البرلمان الشرعية لمرتين وليس لمرة واحدة فقط!!
وفي خضم هذه الأحداث تسعى العديد من القوى الدولية إلى زحزحة الجمود السياسي والانهيار الاقتصادي الذي تعيشه البلاد، عبر اجتماعات متلاحقة كان آخرها اجتماعا روما ولندن، وفي السياق نفسه تتحرك بعض النخب السياسية - إن صح التعبير - بتقديم بعض المقترحات لحل الأزمة، فتقدمت مجموعة بمبادرة أطلقوا عليها "تجديد" تدعو إلى إجراء انتخابات جديدة في جميع أرجاء البلاد، وإعفاء كافة الأجسام المتصدرة للمشهد الآن.
والمقترح يواجه صعوبة كبيرة في تنفيذه، خصوصا من الناحية الأمنية ناهيك عن أزمة الثقة التي يعاني منها جميع الأطراف، كما يخشى آخرون من أن الذهاب إلى انتخابات مباشرة لن يأتي بجديد بل وربما سيأتي بوجوه أسوأ من تلك التي تتصدر المشهد الآن.
ومن ناحية أخرى، فإن استمرار الوضع بوجود الأجسام الحالية سيزيد من حالة الانهيار التي تعيشها ليبيا، الأمر الذي جعل بعض السياسيين والقانونيين يحاولون إنعاش الاتفاق السياسي عبر ملتقى المبادرة الوطنية، حثوا فيه مجلس النواب على الاعتراف بالاتفاق السياسي في مدة زمنية محددة، أو الخروج من المشهد، ومشددين على ضرورة عدم إلغاء أو تعديل أي بند في الاتفاق السياسي.
من جانب آخر، يصر عضو المجلس الرئاسي علي القطراني؛ على ضرورة التعديل في الاتفاق وإلغاء المادة الثامنة وعدم المساس بالقيادة العسكرية، والمتمثلة في اللواء المتقاعد خليفة
حفتر الذي لا يزال يقود حربا في بنغازي منذ أكثر من عامين، كما أن المبعوث الأممي في ليبيا مارتن كوبلر يبحث عن طريقة لتضمينه في الاتفاق، رغم أن حفتر لا يعترف بالاتفاق السياسي بتاتا!!
وازداد في الفترة الأخيرة حراك المطالبة بعودة الملكية في ليبيا؛ والمتمثلة في الأمير السابق محمد الحسن وتفعيل دستور 1963، مع القيام ببعض التعديلات حول صلاحيات الملك.
ولم ينقص المشهد الضبابي في ليبيا إلا عودة حكومة الإنقاذ في طرابلس، وتأكيدها أنها تسعى إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية مع الحكومة المؤقتة الموالية للبرلمان في الشرق الليبي؛ تجسيدا لنظرية "ليس هناك عدو دائم ولا صديق دائم" في عالم السياسية!!
كما أن الانقسامات لم تتوقف عند هذا الحد، فالهيئة التأسيسية لصياغة الدستور تعاني من عدم توافق على المسودة الأخيرة التي تم إقرارها في مدينة صلالة العُمانية، وهو ما يجعل الدستور يقف في الصف إلى جانب كل الأمور المتوقفة في ليبيا. في الوقت نفسه تخوض قوات البنيان المرصوص معارك شرسة مع ما يعرف بتنظيم الدولة في سرت، ولا تزال مدينة درنة في الشرق تعاني من حصار جائر من قبل قوات الكرامة التابعة لمجلس النواب، مع استمرار المعارك في بعض مناطق بنغازي. وتزداد معاناة المواطن الليبي من سقوط لقيمة الدينار وارتفاع الأسعار وغياب الخدمات وانقطاع السيولة عن المصارف.
فلعل الوقت مناسب الآن ليُحكم الساسة في ليبيا العقل ويبتعدون - ولو مؤقتا - عن نظرة المهزوم والمنتصر ويقودون البلاد إلى بر السلام... أقول لعل!!