يا ساسةَ العرب..../ فاز أبو لهبْ؟؟ / ما فاز إلا الحقدُ والشّغَبْ / فلترجعي للدار يا حمّالةَ الحطبْ/ إني أرى حالكما اضطربْ/ يا بؤسَها من دولة مائلةِ القَتَبْ / كثيرة الصّخب / ممسوخةِ الأخلاقِ والأدبْ/ تخوض في دمائنا إلى الرُّكَبْ/ في الشام في العراق في صنعائنا/ في القدس في النّقَّبْ/ في ليبيا، في مَوصلِ الأمجادِ في حلبْ / فاز أبو لهب؟ / كلا وربي، إنما تبّتْ يداه بالردى وتبّْ/ أنَّى يفوز سارقٌ إذا نهبْ؟ / أنَّى يفوز غاسقٌ إذا وقبْ؟ / أنى يفوز ناطقٌ إذا كذبْ؟ / فاز أبو لهب؟ / أنَّى يفوز مجرمّ في وجههِ الغضبْ؟ / ما فاز إلاّ العَرضُ والطلبْ / ما فاز إلا السِّلُّ والجرَبْ / تراجعت حمّالةُ الحطبْ / وجاءكم بحقدها وحقده أبو لهبْ / فلَمْلِموا أوراقكم يا ساسةَ العربْ.
وهكذا فجَّر فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية، نوافير الغضب في قريحة الشاعر عبد الرحمن العشماوي، ويتضح من سياق القصيدة أنه يرى أن أخت شهاب الدين، (هيلاري كلينتون – اسم الدلع حمالة الحطب) أضرط من أخيها الفائز أبي لهب (ترامب)، وبالمصري، ما أزفت من سيدي إلا ستِّي (أبلغ ما جاء في قصيدة العشماوي أعلاه، "ما فاز إلا العرض والطلب". لأنه تنبيهٌ إلى أن آليات السوق، هي المؤثر الأكبر على مسار ونتائج الانتخابات تلك).
الانتخابات الديمقراطية، كما الامتحانات الأكاديمية، قد لا تسفر دائما عن نجاح الألمعي الذكي، وفوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية يوم الثلاثاء الماضي خير شاهد على ذلك، ومع هذا لم تعرف البشرية بعد أسلوبا أفضل من تلكما الوسيلتين، لتحديد من يستحق النجاح، ومن يستحق الرسوب، وقد لخَّص الأمر الشاعر الفذ إيليا أبو ماضي:
لما سألت عن الحقيقة قيل لي / الحق ما اتفق السواد عليه
فعجبت كيف ذبحت ثوري في الضحى / والهند ساجدة هناك لديه
نرضى بحكم الأكثرية مثلما / يرضى الوليد الظلم من أبويه
وقد قضت الأغلبية (السواد)، بأن ترامب خير من هيلاري كلينتون كرئيس للبلاد، تماما كما رأت الأكثرية في بريطانيا، أنه من الخير لبلادهم أن تخرج من الاتحاد الأوربي، رغم أن كل ذي عقل يدرك أن ترامب الذي لم يشغل طوال حياته منصبا حكوميا تنفيذيا أو دستوريا أو دبلوماسيا، ولم يخضع حتى للتدريب العسكري البسيط، لا يملك من الأدوات كثير شيء ليدير أقوى بلدان العالم عسكريا واقتصاديا، تماما كما أدرك من صوتوا لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي، أنهم ضربوا بلادهم تحت الحزام.
وشواهد التاريخ التي تثبت أن الأغلبية لا تملك بالضرورة سداد الرأي كثيرة، فكثيرا ما تسود عقلية القطيع بين الشعوب والمجتمعات، فتناصر زرافات الأطروحات الغوغائية، فـ"الأجهر صوتا والأطول / يأتي في الصف الأول – بينما – ذو الصوت الخافت والمتواني/ يأتي في الصف الثاني (الشاعر الراحل صلاح عبد الصبور).
وترامب كغوغائي ديماغوجي يعرف ما يطلبه المستمعون، ومن ثم صب اللعنات على المكسيكيين والمسلمين وجماعات حماية البيئة وحلفاء بلاده في المجالات العسكرية والاقتصادية، وكانت الرسالة المبطنة، ولكن صريحة جدا هي "أن الولايات المتحدة بلد الشعوب البيضاء ولا دين لأحد غيرها على رقبتي"، وفاز بأصوات معظم الأمريكان البيض خاصة كبار السن، وانقسم الشعب الأمريكي الهجين، كما لم ينقسم منذ نهاية الحرب الأهلية (1861-1865 بين القوات الاتحادية وولايات الجنوب الانفصالية) بدليل أن تلك الولايات الإحدى عشرة صوتت جميعا لترامب.
خطاب ترامب الغوغائي أكسبه مساندة قوى اليمين، ولكن نقيضه في المواقف السياسية هوغو رافاييل شافيز، وصل الى كرسي الحكم في فنزويلا (1999-2013) عبر صناديق الاقتراع، ممتطيا صهوة خطاب تهريجي اشتراكي، وطرح نفسه داخل بلاده وخارجها – كما فعل من قبله الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي – كالفارس الذي سيمرغ أنف الولايات المتحدة في التراب، وكما صار منتخب البرازيل لكرة القدم "ممثل العرب" في المنافسات الكروية الدولية، صار شافيز في نظر عرب كثيرين، النسخة الإفرنجية من صلاح الدين الأيوبي.
وظل شافيز يبيع الوهم لشعبه، ويوزع نفط بلاده بالمجان في العديد من البلدان، كي يقال عنه "عظيم الشأن"، ورحل عن الدنيا تاركا لخليفته نيكولاس مادورو، خزينة عامة ليس فيها ما يكفي لشراء البندول، رغم ان البلاد تسبح فوق بحيرة بترول، وهكذا تسبب شافيز في إشانة سمعة الاشتراكية، التي كان يبشر بها لخلاص شعبه من الفقر والجهل والمرض، واليوم ونحن في خواتيم عام 2016، يعبر مئات الآلاف من الفنزويليين حدود بلادهم يوميا ليدخلوا كولمبيا المجاورة للحصول على الدواء والغذاء.
وللمقال تتمة إن شاء الله