كتاب عربي 21

ماذا لو استعانت "عربي21" بالصحفي المواطن

1300x600
على مدى مقالين متتاليين وأنا أغني لمعشوقتي:

تعلق قلبي بقعة عربية / تَنَعَّمُ بالديباج والحلي والحلل

ولا تثريب عليَّ في السطو على بيت شعر لامرئ القيس الكندي (كان يدرسنا الأدب العربي في جامعة الخرطوم، العلامة بروفيسور عبد الله الطيب، ورغم أنه كان عميد كلية الآداب، وواضع معظم مناهج الكلية في اللغة العربية وآدابها، فإنه لم يكن يتقيد بأي منهج في محاضراته، بل يسرح ويبدع ويمتع، ولكن ما إن يحين موعد الامتحانات حتى نصاب بالهلع والجزع، لأننا لا ندري أي المواضيع سيطلب منا تناولها في الامتحانات.

ومن مقولاته المشهورة لطمأنة طلابه: لن يرسب أحد في الامتحان، ما لم يُطلب منه أن يتحدث عن امرئ القيس الكندي، فيتحدث عن كندا، نعم لا بأس في تحوير بيت شعر لرجل يحمل لقب الملك الضليل، وكان ميالا إلى تأجيل عمل اليوم إلى موعد يعلن في حينه، بدرجة أنه أعطى شرب الخمر الأولوية على أخذ ثأر والده: اليوم خمر وغدا أمر.

والبقعة التي تعلق قلبي بها مؤخرا، هي صلالة في محافظة ظفار العمانية، ثم تحدثت يوم السبت الماضي عن إمارة عسير السعودية، وبهاء عاصمتها أبها، وقلت إنني أود أن اقترح أمرا على صحيفة "عربي21"، وكي أطرح اقتراحي، أمهد له بالرجوع بذاكرة كل من تجاوز الخمسين، إلى مجلة "العربي" الكويتية، التي كانت ورصيفتها لاحقا مجلة "الدوحة" منارتين للثقافة والفكر، نجحتا في الرسوخ، رغم طول باع مطبوعات لبنانية ومصرية وقتها، في هذين المجالين.
         
كان ما يشد عشرات الآلاف من قراء العربي، احتفاءها الشديد باستطلاعات مصورة تغطي صفحات عدة عن هذا المكان أو ذاك، كانت تجيء مشحونة بالمعلومات، على قلة الكلام الذي كان يصاحب الصور، وفي عصر ما قبل أقمار الصناعية والكمبيوتر، كانت تلك الصور عالية القيمة لكل من يريد التعرف على العالم من حوله.
         
وما أتمنى لـ"عربي21" أن تقوم به، لاستكمال رسالتها التنويرية، هو أن تقوم باستطلاعات صحفية، مستفيدة من الإمكانات الفنية الهائلة، التي نلمسها ونحن "نسوح" في صفحاتها، وليتها تركز في بداية الأمر على تقارير بالفيديو والصور الثابتة عن السياحة في بلدان عربية، لديها ما يستحق أن تضرب له أكباد "البوينغ" و"الإيرباص"، ولكنها قليلة الحيلة، أو تدير أمورها أنظمة مشغولة بأمن نفسها، ومن ثم لا يعلم هواة التسواح بما فيها من مواقع تستحق المشاهدة.
         
في السودان مثلا، لا يعرف حتى السودانيون أن عدد الاهرامات في بلادهم عشرة أضعاف عددها في مصر، وإن كانت مجتمعة لا تساوي هرم خوفو من حيث الحجم، وبداهة فإن تلك الأهرامات تتوسط العديد من القلاع والمعابد والمدن التي تعود إلى عصر ما قبل المسيح عليه السلام، وعلى الجزء الذي يخص السودان من نهر النيل، هناك ستة شلالات يجعل هدير مياه كل واحد منها القلب يرقص طربا، ولكن معظم الناس خارج السودان قد لا يعرفون حتى أن حصته من نهر النيل أكبر من حصص كل الدول الواقعة في حوضه.
         
وفي ليبيا مناطق أثرية تعمد "قعيد" ليبيا الراحل غير مأسوف عليه معمر "الجزافي"، التعتيم عليها، لأنه كان يضيق حتى بسيرة عمر المختار، والعاصمة اليمنية صنعاء بكاملها متحف مفتوح، وفي حين أن كل ما يجذب الناس إلى العاصمة التشيكية براغ، هو أن مبانيها التاريخية التي قد لا يزيد عمرها على خمسمائة سنة، سلمت من الدمار خلال الحرب العالمية الثانية، فإن صنعاء واليمن عموما التي تضم آثارا منذ عهد النبي سليمان والملكة بلقيس، لم تجد من يخبر العالم الخارجي بأمرها.
         
ولا أريد مواصلة تعداد الأمثلة عن المواقع التي تستحق أن تكون في دائرة الضوء السياحية في ما يسمى بالعالم العربي، بل طرح اقتراح فرعي يجعل تطبيق الاقتراح الرئيس سهلا على إدارة "عربي21": خضنا في قناة الجزيرة تجربة الصحفي المواطن بكفاءة في ليبيا وسوريا واليمن، ونعني بهذا المسمى، المواطن الذي لا يمتهن الصحافة، ولكنه يملك الملكات والاستعداد والأدوات لممارسة الصحافة، في مناطق يتعذر فيها وجود صحفيين محترفين.
         
ففي عالم اليوم، يمتلك الملايين من المواطنين العرب هواتف ذكية وكمبيوترات لوحية وشخصية، يستخدمونها في أحيان كثيرة في نشر القيل والقال والكلام البطال، وتستطيع "عربي21" أن تتفق مع عشرات الأشخاص في كل بلد عربي ليزودوها بلقطات فتوغرافية أو فيديوية، مقرونة بمعلومات مكتوبة بسيطة نظير مكافآت رمزية جدا، بل إنني على يقين بأن هناك إعلاميين هواة على استعداد لاغتنام أي فرصة لـ"إثبات الوجود" بلا مقابل.

بل إن من الممكن أن تكون صفحة الاستطلاعات التي اقترحها، ميدانا لمنافسة مفتوحة لا ينال فيها "المكافأة" إلا صاحب المادة التي تجد طريقها للنشر، وشيئا فشيئا ستجد هذه الصحيفة -في حال عملها باقتراحي هذا- نفسها تتواصل مع أشخاص يمكنها تكليفهم بتغطية أحداث حية، لا تكون بل يستحسن ألا تكون سياسية.