قضايا وآراء

إسرائيل القديمة والعرب الجدد

1300x600
عندما قامت الجامعة العربية في 22 آذار/ مارس 1945 كانت الحرب العالمية الثانية قد بدأت في الخمود، وكانت الآمال معلقة على عالم جديد تتصدره الأمم المتحدة بكل القيم التي عصفت بها ألسنة اللهب وأطماع الساسة في حربين عالميتين لا يفصل بينهما سوى عقدين من الزمان بالكاد، فكان العالم قد صمم على أن تتقدم الشعوب لإنشاء عالم خال من الحروب والويلات، وتستقل فيه الأمم عن الاستعمار والعبودية والعنصرية وتزينه منظومة حقوق الإنسان التي تأخرت ثلاثة أعوام منذ إبرام ميثاق الأمم المتحدة.

في هذه الظروف نشأت الجامعة العربية، وكانت نذر استعمار فلسطين تلوح في الأفق، لأن مقومات إسرائيل كانت قد اكتملت منذ مؤتمر السلام في فرنسا عام 1919، وتشكيل الوكالة اليهودية التي وضعت نظام الانتداب على فلسطين بناء على اتفاق شهير بين الأمير فيصل بن الحسين الذي فر مع والده وأخوته من الحجاز، والذي كان لا يزال يجتر أوهام الدولة العربية الواحدة، وعلى رأسها والده الذي أعدت بريطانيا عدتها مع ابن سعود لضم الحجاز إلى إمارته المتمددة.

كان الاتفاق بين فيصل وحاييم وايزمان، رئيس الوكالة اليهودية، يقضي بالتعاون بين العرب واليهود على الاستقرار في فلسطين، وتشجيع الهجرة اليهودية إليها، وتنفيذ وعد بلفور. هكذا بدأت القضية الفلسطينية باتفاق شهير، وهكذا بدأت الجامعة العربية بمبادرة بريطانية لكي تتحدث بريطانيا العظمى مع كيان واحد تسيطر هي على كل أعضائه وتحتل أراضيها. وفي عام 1948 كان المخطط قد اكتمل لإعلان قيام دولة إسرائيل على أكثر من نصف أراضي فلسطين.

وعندما تنعقد قمة نواكشوط العربية، فإن ذلك يدعو إلى التأمل في مسيرة العرب، وفي مسيرة إسرائيل وطريق الأشواك الذي سار فيه الفلسطينيون، وألحت علينا أسئلة تدعو إلى الألم ولا تحتاج إلى إجابات، ولكننا نكتب في الواقع للأجيال التي ستقرأ تاريخ الأسئلة بأقلام كتاب السلطة في العالم العربي الذين ينتمون إلى أمة عربية خالدة، ولكن بعض حكامها تآمروا عليها تحت أستار مختلفة.

فنقارن بين قمة أنشاص الأولى في مصر برئاسة الملك فاروق، التي رصدت تقدم العصابات الصهيونية في فلسطين، وبين قمة نواكشوط حيث صار العرب أعرابا ممزقة لا يجمعهم رابط، ومن ثم لم تعد جامعتهم تصلح غطاء لسترهم، بل أصبحت وكرا لمؤامراتهم. ولم نسمع حتى الآن حاكما شجاعا يكشف سترهم، ويؤكد لهم أنهم يختانون أنفسهم.

خلال العقود، من الرابع في القرن الماضي إلى العقد الثاني من الألفية الجديدة، كانت إسرائيل نبتا شيطانيا زرع في أرض طاهرة، وكان الجسد العربي حينذاك يدرك أن هذا النبت سرطان، وأن الحياة لا تتسع إلا للجسد العربي، بالنظر إلى منطقة ممتدة وشعوب قديمة وإرادة صلبة لقهر هذا الكائن الذي انقض على جزء من الجسد، فإذا الجسد اليوم يستسلم للسرطان، ويتصور بعض أعضائه أن التحالف مع السرطان وقاية لها من شروره، بعد أن اخترق الغرب طبقته الحاكمة وتمكن من أن يسقط الصخرة التي كادت أن تقضي على السرطان في مهده، وهي مصر، فسقطت بعدها كل القلاع العربية بدرس مرير تجاهله الحكام العرب، وهو أن تعايش السرطان مع الجسد يكون مؤقتا، وينتهي الأمر إما بأن تفقد المناعات العربية مقاومتها ويقضي السرطان عليها، وهذا ما حدث على مستوى القيادات العربية، وأما أن تفتك هذه المناعات بالسرطان في معركة ضارية تخرجه إلى الأبد من دائرة المناعة العربية، وهي بلا شك الشعوب العربية التي صارت ترى بوضوح بعد أن تعرضت لعقود من التشويش. فماذا تنتظر هذه الشعوب من حكام أصبحوا صرعى السرطان الصهيوني، وتخلوا بالضرورة عن الشق الفلسطيني في المعادلة رغم أنهم لا زالوا يكررون بشكل ممل ساذج المقولة نفسها، وهي أن فلسطين قضية العرب الأولى، كانت في الماضي لالتماس الشرعية لوجودهم، فأصبح التفريط في فلسطين قربى هذه النظم لواشطن وإسرائيل، بعد أن أخمدت (هذه الأنظمة) الموجة الأولى من ثورات الشعوب التي أوشكت أن تطوي تاريخها.

فكيف تحولت إسرائيل من كائن مزروع في غير تربته، ضمن مؤامرة دولية واضحة أسست في البداية لشرعيتين في إسرائيل، الأولى هي شرعية القوة والإرهاب والإبادة، والثانية هي شرعية قرار التقسيم المناقض تماما لميثاق المنظمة الدولية؟! وكيف تجاوز قطار الزمن هذا القرار؟ وكيف تحول العرب إلى التسابق على احتضان إسرائيل وتدليلها بعد أن سحقتهم إسرائيل وقضت على آدميتهم تحت ستار المبادرة العربية التي ولدت ميتة؟ وكيف دبت الروح في هذه المبادرة فجأة لكي تكون قميص عثمان للقضاء تماما على عروبة العرب وإعلان الانضواء وراء إسرائيل، بحجة أنها تحمي الأمن القومي العربي الذي تهدده إيران، وهي التي تساند المقاومة العربية بعد أن تخلى العرب عنها، بل وطلب وزير خارجية السعودية تجريد هذه المقاومة من السلاح.

كما أعلنت جامعة الخليج أن حزب الله، وهو الوحيد الذي تخشاه إسرائيل في المنطقة، منظمة إرهابية يتم إعداد المؤامرات ضده بالتعاون مع إسرائيل؟! وكيف تجرأت النظم العربية بعد الهزة الشعبية الأولى السلمية عام 2011 على التقارب مع السرطان بحجة حماية الأمن القومي العربي، وهي تعلم أن هناك رابطة آثمة بينه وبين السرطان لتدمير الأوطان العربية والتنكيل بالشعوب العربية؟!

ومن الذي يدافع عن الأقصى الجريح العرب أم إيران؟ وكيف تحول العرب صاغرين إلى رعايا لإسرائيل ويرتكبون الفاحشة وهم يشهدون؟! وكيف استكانت الجيوش العربية ويشعر جنرالاتها بالفخر وهم المهزومون في جميع المواجهات مع إسرائيل، وصاروا يكدسون السلاح ويسعون إلى إنشاء قوة عربية موحدة وكأنها ستحرر الأقصى المبارك، بينما صارت النظم لينة هينة مع إسرائيل ومتوحشة على شعوبها؟ وكيف أخرج هذا الكيان العرب بإرادتهم إلى خارج التاريخ وصارت إسرائيل هي الوكيل الحصري لواشنطن في المنطقة منذ أن قالت كوندا ليزا رايس بصراحة إن من رضي عنه شارون رضي عنه البيت الأبيض، وهي القاعدة الذهبية لبقاء الحكام العرب في السلطة حتى الآن؟! فإذا اجتمع هؤلاء في هذه الظروف، فما هي القضايا المشتركة التي تهم المنطقة والتي بقيت بعيدة عن هذا الاستقطاب المخيف، بعد أن أصبح التسابق لوضع إسرائيل في الموضع الذي تريد مصدرا لدهشة إسرائيل نفسها؟

لهذا السبب تمنيت ألا يجتمع هؤلاء القوم بأي وقت وفي أي مكان، لأن في اجتماعهم المزيد من القلق على ما تبقى من مصالح عربية. فماذا يُنتظر من اجتماع أصحاب السمو والفخامة والسيادة مع أمين عام الجامعة العربية الذي يجاهر بكراهيته لثورات الشعوب العربية، وكان طرفا في المؤامرة على غزة عام 2008 ويجاهر بذلك؟ وهل تأمل الشعوب العربية خيرا من هؤلاء بعد أن أصبح موعد القمة ومكانها سببا للاضطراب في كل العواصم العربية؟

ستظل الأمة العربية خالدة، وسوف تقرر الشعوب مصيرها، وتأتي بمن يليق بشرف هذه الأمة الذي مرغوه في التراب.
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع