كتاب عربي 21

جدل الدين والسياسة على الساحة الليبية

1300x600
عكست مختلف استطلاعات الرأي حول علاقة الدين بالسياسة التي أجريت خلال الأعوام الخمس الماضية في ليبيا الأهمية التي يتبوأها الدين في حياة الناس، وغياب الفصل بينه وبين السياسة لدى شريحة واسعة منهم، إلا بنسبة محدودة يمكن التسليم بها في ظل المعطيات التي استجدت عقب فبراير 2011. 

هذا بشكل نظري، غير أن موقف الرأي العام من مقاربة الدين للسياسة في الحالة الليبية تعطي نتائج مختلفة، حيث ترجح كفة المتحفظين على دور القوى والأحزاب والرموز الإسلامية وأيضا المؤسسات الدينية، وانتقاد مواقفها وأرائها والممارسات ذات الطابع السياسي لتلك الأطراف، بحيث يظهر التفريق بشكل جلي بين فهم شريحة واسعة من الليبيين لعلاقة الدين بالسياسة، حيث يأخذ هذا الفهم منحى إيجابيا، وبين حكمهم على الممارسات السياسية للأطراف المحسوبة على الدين أو ذات المرجعية الدينية، وهو حكم سلبي، وربما سلبي جدا.

من أبرز الجهات التي تقع في بؤرة جدل الدين والسياسة في ليبيا دار الإفتاء، وبالتحديد المفتي نفسه، الشيخ الصادق الغرياني. وأصبح المفتي محل تجاذب في الأراء منذ الأيام الأولى لبروز الخلاف السياسي بين شركاء الثورة. ومما لا شك فيه أنه كان للغرياني مساهمته في الخلاف الذي تفجر من خلال حديث مباشر عن صراع العلمانية والدين في ليبيا. وقد دار الخلاف بين من أيد المفتي ومن عارضه في مواقفه بعد اتجاه الخلاف إلى صراع مسلح منذ منتصف عام 2014 بين فجر ليبيا والكرامة.

فالمعارضون اعتبروا فتاوى وتصريحات الغرياني توظيفا سلبيا للدين في صراع سياسي بحت، وأغلبهم اعتبرها مواقف متطرفة داعمة للتشدد والمتشددين. فيما اعتبر أنصاره أن ما يقوم به الشيخ محض الدفاع عن الدين وعن مكاسب الثورة وعن الوطن.

خضت سابقا في جدل الدين والسياسة الليبي لمما، وما دفعني للخوض فيه اليوم ما صدر عن المفتي، الدكتور الصادق الغرياني، مؤخرا حول رأيه في الحرب الدائرة في منطقة "بوقرين" الواقعة بين مصراتة وسرت، ونصيحته للقوات المرابطة هناك، التي تقع تحت إشراف غرفة العلميات الخاصة المشكلة من المجلس الرئاسي، ألا تتقدم صوب سرت وأن تكتفي بالمرابطة عند منطقة بوقرين ومنع تنظيم الدولة من التقدم.

وبعيدا عن مفهوم الموافقة المستنبط من رأي الشيخ، وهو ما أعلن عنه كثيرون من أن المفتي يحث على قتال الجيش التابع لبرلمان طبرق، فيما يثبط الهمم في قتال الإرهابيين، فإن المسألة برمتها فنية ولا تخضع لمعايير الإفتاء، وبالتالي يمكن أن يقول فيها عالم دين ضليع أو حتى سياسي أو خبير في الإدارة برأيه، فيكون رأيه صحيحا، فالقضية أمنية بامتياز، ولأجل الخلوص إلى توجيه صائب بصددها ينبغي أن يسبق ذلك جمع معلومات وافية ودقيقة، ثم تحليلها تحليلا معمقا باستخدام أدوات التحليل وطرقه ومناهجه، واستعراض بدائل الحلول الممكنة أو السيناريوهات المتوقعة والترجيح بينها.

وبالتالي فإن إقدام المفتي، سواء بشخصيته الاعتبارية، أو حتى بصفته الشخصية وكونه مهتما بالشأن الليبي بالعموم، لا يؤهله للخوض في القضية لأنها تتطلب خبرة ودراية وإلماما واستشارة خاصة لا أظن أنها تتوفر للمفتي، وفي حال توفرت يبقى للتصريح بها على الشكل الذي وقع آثار سلبية محتملة جدا، منها الفهم بأن موقف المفتي مضطرب حيث لم يتردد في اعتبار حفتر والجيش المساند له فئة باغية ينبغي ألا يكون هناك تردد في قتالهم، فيما يقع التردد أو حتى التثبيط في قتال الدواعش في سرت ومحيطها، حتى وإن لم يكن هذا مراد الشيخ.

النقطة الثانية، وهي المتعلقة بالأثر السلبي المتوقع لرأي الشيخ وموقفه على قطاع من المقاتلين غير النظاميين أو غير المنتظمين في كتاب من المتوطوعين، إذ يمكن أن يؤثر في مواقفهم من قتال تنظيم الدولة في بوقرين وملاحقتهم إلى سرت، فللشيخ كلمة مسموعة لدى شريحة من الكتائب والشباب المتدين، وبالتالي ينبغي التوضيح أن ما صرح به المفتي هو على سبيل الرأي وليس الفتوى والحكم الشرعي.