كتاب عربي 21

للمسيحيين فقط

1300x600
بيروت، الحازمية، شقة 64 م، بناء دلوكس، السعر 110 آلاف دولار.. حتى الآن كل ما في هذا الإعلان المبوّب الذي نُشِر مؤخراً في صحيفة لبنانية طبيعي، لكن نهايته أتت من خارج المتوقّع.. (الشاري مسيحي)، أي أن صاحب الشقة يشترط أن يكون المرشحون لشرائها من الطائفة المسيحية حصرا دون غيرهم.

ولم تجد الصحيفة العريقة حرجا في نشر الإعلان الذي كان تجاريا قبل أن يُذيّل بعبارة تَرشَحُ بالعنصرية الطائفية، التي يفيض بها لبنان بمسار تصاعدي يتجاوز كل خطوط الحياء وقَبول الآخر.

للموضوع جذور دينية، فلطالما حذرت بعض الكنائس بقنواتها الرعَوية التقليدية من بيع أراضي وعقارات المسيحيين لغيرهم، تحت شعار حماية الخصوصية المسيحية دون وجود تفسير واضح لهذه الخصوصية خارج مفهوم الإنغلاق على الذات الطائفي، وتتبنى القضيةَ قنوات تلفزيونية وصحف "مسيحية" تثير نوبات من الهلع داخل الطائفة، تصل أحيانا إلى درجة دق ناقوس الخطر الوجودي كلما أُشيع عن خدش النقاء الديمغرافي الطائفي بطارئ على المنطقة، قد يكون سُنّيا خليجيا اعتاد الاصطياف في لبنان، أو شيعيا سُرعان ما تُلصق به تهمة تشييع الأرض لصالح مشروع ولاية الفقيه أو غير ذلك.

وقبل استحضار الخوف من "التطرف الإسلامي" بكل أوزانه وأوزاره، يعلم الجميع في لبنان أن هذا التوجه يعود إلى عقود خلت وقبل نشوء الجماعات الإرهابية بعشرات السنين، علما أن الحرب الأهلية عام 1975 وما تلاها وصولا إلى مرحلة ما بعد 11 سبتمبر أيلول، قد تكون أذكت مشروع الفصل الجغرافي المسيحي في لبنان، أو ساعدته على التعبير عن نفسه جهرا في أضعف الاحتمالات. كذلك فإن الفتنة المذهبية المتنقلة في منطقة الشرق الأوسط بين السُنة والشيعة، ربما تُبرّر اليوم لمنطقٍ يقود المسيحيين إلى محاصرة أنفسهم بجدارٍ عازل اتقاء لهيب المشهدَين السوري والعراقي.

لكن المنطق والتجارب المحلّية المتكررة يقولان إنه لا يمكن تأمين منطقة دون أخرى في لبنان، فمساحته وجغرافيته كما ديمغرافيته عصية على كل أشكال التقسيم، بغض النظر عن الموقف من التقسيم أو الفيدرالية الرشيدة،  كذلك فإن لا وعيَ المزاج الوطني العام كَفَر بالطائفية بخلاف وعيِه الذي يشهد بها ولها، إلا أن معظم الناس يدركون في لحظة صفا وإن كابروا، أن زعماءهم أمراء الحرب الذين مات كثير من عسكرِهم ولم يموتوا، لا يعِدونهم إلا بالقتل والفقر والخوف في بلد حَباه الله نعمة الفرح بالفطرة.

ليس صاحب الإعلان المبوّب أعلاه الطائفي الوحيد في لبنان ومن كان منّا بلا طائفية فليرجمه بحجر، لكن الشكل الذي اختار التعبير فيه عن ذاته وقبول الصحيفة نشر الإعلان مؤشر خطير، وقد يكون بداية تسجيل لإعلانات أسوأ في المستقبل، كأن نقرأ إعلانا لمقهى مخصص للمسلمين ودعوة لسهرة فنية خاصة بالمسيحيين، فيما المساجد والكنائس خالية من المصلّين والشوارع تعجّ بالتكفيريين الإقصائيين من كل الطوائف والاتجاهات.