هذا المقال يسلط الضوء على السجون العربية المظلمة. هذه السجون التي لا تزال وصمة عار في جبين الحكام العرب اليوم. لم تكن السجون العربية السرية والمعلومة يوما ما أماكن للإصلاح وإعادة تأهيل المجرمين بل كانت ولا زالت بيت الوحشة والقهر والغبن والظلم والتعذيب وتجريد السجناء من أبسط الحقوق الأساسية. قد لا نبالغ إن قلنا بل ونعتقد ذلك أن القهر والظلم والتسلط والقمع في السجون العربية وخارجها هو سبب المآسي والمشاكل والحروب الأهلية في منطقتنا العربية اليوم التي كانت يوما ما منبع للحضارات الإنسانية القديمة لآلاف السنين. لو لم يكن هناك قمع للسجناء السياسيين والخصوم والكتاب والصحفيين والمثقفين والخبراء والأطباء والمخترعين والفنانين والمواطنين، لما حصلت ثورات وحروب وأزمات.
قدم العرب ملايين الشهداء في حروبهم مع المستعمر من أجل نيل حريتهم واسترجاع أرضهم المغتصبة والحفاظ على هويتهم العربية الإسلامية التي حاول المستعمر طمسها على مدى عقود إن لم تكن قرون. خرج العرب من حربهم مع المستعمر منتصرين وأخذوا حريتهم وحرروا بلادهم بعد أن قدموا أفضل ما يملكون وهي دمائهم الزكية الطاهرة التي سالت في فلسطين والعراق واليمن ومصر والسودان وسوريا والجزائر بلاد المليون شهيد والبلدان العربية الأخرى، ظن العرب أنهم أخذوا حريتهم ولذلك ينبغي التفرغ للبناء والإعمار وإعادة بناء الأمة العربية من المحيط إلى الخليج لتقوم بدورها الحضاري والريادي وكان المواطن العربي متفائل إلى حد الجنون. لكن الأنظمة العربية خيبت آمال شعوبها، هذه الأنظمة المتحجرة لم تكن تختلف كثيرا عن المستعمر إن لم تكن أسوأ. لقد قامت هذه الأنظمة ببناء سجون سرية لا يعرف المواطن العربي أماكنها حتى اللحظة. نعم أكبر شي أنجزته أنظمتنا المتحجرة هو تلك السجون الفظيعة والقمع والمطاردة، بل أن هذه الأنظمة حولت الوطن العربي إلى سجن كبير يعيش داخل هذا السجن حوالي نصف مليار عربي.
الأنظمة العربية أخذت تطور السجون في الصحاري والقلاع والحصون وقامت ببناء أكبر سجون سرية في تاريخ البشرية بدلا من بناء مراكز الأبحاث والجامعات والمصانع والمدارس...الخ. كلنا يعرف سجن تزمامارت السياسي في المغرب وسجن تدمر في سوريا سابقا وسجن ليمان طرة والنطرون وأبي زعبل في مصر وسجون الحشد الشعبي (دولة العبادي الطائفية ) والسجون الأخرى في الوطن العربي بأكمله. هذه السجون تتميز بالظلمة والتعذيب الوحشي ونتف الأظافر واستخدام الآلات الكهربائية لترويع الخصوم السياسيين وغيرهم. وزعماء هذه السجون هم الوحوش المفترسة من أبناء جلدتنا لكنهم لا يعرفون سوى تعذيب وقهر وظلم الضعفاء داخل الغرف الحمراء والمغلقة.
دعونا نشرح أكثر لو تمعنا النظر في السجون العربية اليوم لوجدنا عجب العجاب فهناك سجون سرية يحصل داخل هذه السجون ما يشيب له الرأس من التعذيب والمعاملة السيئة وما شابه ذلك وهناك سجناء مفقودين لا يعرف أهلهم أين مصيرهم حتى كتابة هذه السطور.
على سبيل المثال السجون المصرية ينتشر فيها التعذيب اليوم بصورة مخجلة ومخيفة فداخل سجون نظام الانقلاب العسكري يقبع الدكتور محمد مرسي المغلوب على أمره، والذي يعتبر أول زعيم مصري جاء إلى الحكم بانتخابات حرية ونزيهة ومباشرة. وهناك عشرات الآلاف من قادة الصف الأول والثاني والثالث لقيادات الإخوان المسلمين،كل جرمهم أنهم قالوا لا للانقلاب العسكري. لقد صدر مؤخرا تقرير أعدته التايمز البريطانية وذكرت فيه أن سجون مصر اليوم أسوأ مما كانت عليه في عهد مبارك. أما سجون بلاد الشام فهناك جرائم فضيعة تٌرتكب داخل هذه المعتقلات المخيفة بحق الأبرياء من كلا أطراف النزاع، ولقد جاءت الدولة الإسلامية في بلاد الشام الجريحة وارتكبت جرائم بحق السجناء يشبه إلى حدا ما جرائم حكام بلاد الشام إن لم يكن أسوأ.
الفرق بين الحكام العرب والدولة الإسلامية هو أن الأنظمة العربية تعدم وتقمع وتعذب السجناء السياسيين داخل هذه السجون بطريقة سرية واحترافية. والكل يعرف طرق التعذيب في السجون العربية بشكل عام.
وحوش وبرابرة التعذيب في هذه السجون يستخدمون الكلاب البوليسية وأساليب أخرى للتعذيب مخجلة ومبكية في نفس الوقت ولا داعي لسردها هنا. أما الدولة الإسلامية فلا يوجد عندها سرية بل تقوم بذبح وسحل من يعارضها داخل هذه السجون في وسط النهار وعلى مرأى ومسمع من الناس.
الوطن العربي لن يرى النور والأمن والرخاء والتقدم والازدهار إلا إذا أُقيم نظام عادل لا يظلم فيه أحد وأن تكون سلطة القانون هي الأساس وهي الحكم بين الحكّام والمحكومين، لكن يبدو ذلك من المستحيل في الوقت الحالي.
ختاما، نقولها وحلوقنا مليئة بالمرارة وفي القلب غصة ونأسف ونتألم أن المواطن العربي المسكين والمغلوب على أمره والكتاب والصحفيين والسياسيين دائما هم وقود هذه السجون الظالمة بينما المجرمين والظلمة والطغاة خارج هذه السجون ينعمون ويعيشون في أرقى القصور. لكن الزمن دوار وسيأتي اليوم الذي يتجرعون فيه المرارة ويشربون من نفس الكأس الذي أذاقوا به شعوبهم وسيسكنون في نفس السجون المظلمة التي بنوها بأيديهم والأيام بيننا.