أمام كم الكوارث والخروقات التي يرتكبها التحالف الحاكم بقيادة السبسي أتخيل بين الحين والآخر نوع الأسئلة والمساءلات والتحقيقات والملاحقات الإعلامية والجدالية التي يمكن أن نراها لو ارتكبت هذه الكوارث تحت الترويكا. هذا المقال هو أساسا حول الإعلام بوصفه سلطة قادرة على تشكيل سلطة السياسة. السلطة الناعمة التي تشكل وعي الناس السياسي من مدخل بسيط لكنه شديد الفعالية أي ثقة الناس في الإعلام بعد عطش طويل من التعتيم.
ولا يعني ذلك أن اندحار الترويكا التي حكمت البلاد بين سنتي 2012 و2014 ناتج فقط عن الحشد الإعلامي ضدها، إذ قناعتي الراسخة أن الترويكا أو على الأقل أحد أضلاعها الذي كنت امثله في اجتماعاتها أي حزب المؤتمر لم يستثمر بالشكل المناسب من خلال الأفعال والسياسات الحشد الانتخابي الجارف والنوعي الذي تحصل عليه في انتخابات 2011. لكنه يعني بالتأكيد أن عملية التحيل الثانية لحزب السبسي بصدد الحدوث من خلال تشكيل وعي جمعي لا يستطيع النظر إلى الصورة كما هي وبشمولها. صورة الكوارث غير المسبوقة لهذا الرئيس وتحالفه الحاكم التي لا يمكن مقارنتها بفترة الترويكا باي شكل من الأشكال مهما كانت سلبيات الأخيرة.
اثر اكثر من عام من متابعة الحوارات التي أجريت لأهم مسؤولي تحالف السبسي في اكثر القنوات والإذاعات مشاهدة واستماعا أردت تخيل عدد من الأسئلة الكاشفة البسيطة التي لم تسأل أو لم يتم التركيز عليها. نحن إزاء "نسيان" منهجي لأسئلة بديهية. اعتبر ببساطة أن تكرار الأسئلة الحالية، مثلما كان يتم أيام الترويكا، ليلا نهارا سيدفع إلى العراء الكامل اقل حكومات
تونس في التاريخ كفاءة وأكثرها ادعاء أو تحيلا. وهنا لن نقترح أسئلة تحتوي معطيات كاذبة ومضللة مثلما كان يتم أيام الترويكا بل أسئلة مبنية على معطيات موضوعية.
أسئلة في الوعود الهلامية الاقتصادية والاجتماعية:
ورد في برنامج حزب السبسي ما يلي: "إحداث 16 قطبا تكنولوجيا و800 كلم من الطرقات السيارة و20 الف كلم من الألياف الضوئية ومنح مليار دينار قروضا دون فوائض للشبان وعشرين مشروعا صناعيا كبيرا و125 مليار استثماريا نصفها في الجهات الداخلية، وتهذيب 600 حي شعبي من جملة 1200 حي وإحداث مركب رياضي وثقافي وترفيهي في كل معتمدية، وإحداث 90 ألف موطن شغل في العام". هل يمكن أن يتم ذلك ونسبة النمو في سنة حكمه الأولى تتجاوز بالكاد الصفر في المئة والتوقعات لنسبة النمو السنة الحالية ستتجاوز بالكاد الواحد في المئة في احسن الحالات؟ للتذكير بالمناسبة كانت نسبة النمو زمن فترة الترويكا رغم أنها أتت بعد سنة كارثية تحت حكم السبسي (اقل من صفر في المئة نمو) تتراوح بين اثنين وأربعة في المئة. الم تكن في هذا الحال ادعاءاتكم بان الحل لتونس هو "الخبرة" وإزاء الكوارث الراهنة، إنكم لا تملكون لا الحلول ولا الخبرة؟
أسئلة في الفساد:
هل يمكن تحقيق تنمية ونمو في حين مبادرتكم التشريعية الرئيسية التي تعتبرون أنها الخلاص النهائي مرتبطة بقانون تم توصيفه من منظمات دولية تعنى بمكافحة الفساد والعدالة الانتقالية بانه قانون يبيض الفساد؟ هل يمكن أن نحسن مناخ الاستثمار في البلاد عندما لا يتم تطبيق القانون وعندما تتواصل تصريحات لجنة المصادرة باننا إزاء تدخل السلطة التنفيذية لمنع تطبيق القانون على الفاسدين؟ وهل يمكن تهدئة المطالبين بالتشغيل في حين لا يتم مقاومة الفساد في طرق الانتداب في الوظيفة العمومية في حين أن موجة الاعتصامات في شهري ديسمبر وجانفي التي قاربت أن تكون انتفاضة جديدة كانت ناتجة على عمليات انتداب ملتوية تورط فيها ممثلون عن حزبكم في جهة القصرين؟
أسئلة في الاقتصاد:
سيتم تحت حكمكم إقراض تونس اضخم قرض في تاريخها وهو القرض الذي اعلن عنه صندوق النقد الدولي والمقدر بخمسة مليار دولار أي حوالي ثلث الميزانية السنوية للبلاد. للتذكير هذا القرض يأتي في سياق ضغوطات من صندوق النقد ومؤسسات مالية دولية لتمرير قوانين لم تمر بما فيه الكفاية من التمحيص والنقاش العام بين الحكومة والمعارضة والمجتمع المدني رغم أنها ذات اثر استراتيجي وجدالية (قانون "شراكة عام خاص"، قانون إعادة رسملة البنوك، قانون البنك المركزي…). القانون الأخير مثلا يحتوي على فصول (مثل الفصل 25) يمكن أن تجرد الدولة الوطنية من أداتها التمويلية الأساسية أي البنك المركزي وهو امر غير طبيعي بالنسبة لدولة ضعيفة ونامية، فهل يمكن حينها أن نحقق تنمية أم نحن إزاء سياسات ستعمق الفقر وتجردنا حتى من وسائل رمزية للاستقلال الوطني؟ وما دمنا في موضوع البنوك هل من المعقول أن يتدهور وضع البنك التونسي الفرنسي الذي يترأسه شقيق المسؤولة على الاتصالات في قصر قرطاج، مثلما أوضح مقال أخير في موقع "نواة"، حيث يمكن أن يتجه إلى الإفلاس؟
أسئلة في الوطنية والسياسة الخارجية:
كيف يمكن أن تزايدوا بالوطنية (رددتم سابقا شعار "لا أمريكا لا قطر") وأيضا بمعاداة "التطرف الديني" ونحن إزاء سياسة خارجية خاضعة تماما للحلف المحيط بالرياض ("الحلف السني") ويحدث ذلك في سياق تخبط كامل حيث الخطاب السياسي شيء وسجل تصويت تونس في الاجتماعات الأخيرة (مثل إعلان "حزب الله تنظيما إرهابيا) شيء آخر؟ هذا عدى عن تصريحات مسؤولين رسميين وأيضا تسريبات أخيرة حول التفريط لأول مرة في السيادة الترابية العسكرية وفسح المجال لتواجد قوات أجنبية عملياتية في تونس؟ في السياسة الخارجية أيضا كيف يمكن تجاهل ملف أساسي وهو الملف الليبي لأكثر من سنة ثم الانضمام بشكل متأخر جدا (بعد الاتفاق بين الأطراف المتنازعة) وحتى هذا الانضمام لم تتبعه متابعة؟ وعموما تتحدثون دائما عن "استعادة تونس وضعها"، بمعزل عما اذا كان وضع تونس الخارجي جيدا قبل الثورة حتى تستعيده، هل يمكن أن نعتبر عدم وصول أي مساعدات من اطراف خليجية دعمت علنا حزبكم (السيارات المصفحة) بل تزايد التضييقات على التونسيين للحصول على تأشيرات إليها "استعادة للوضع"؟ وأخيرا قمتم بدعاية مجانية للحكم في مصر واعتبرتم تقوية العلاقات معه خطوة أساسية فهل يمكن اعتبار ذلك سياسة ناجحة خاصة وان السيسي يقوم بانتهاج سياسة عدائية لسياسة التوافق في الشقيقة ليبيا، عكس مصالحنا الحيوية، حيث لا ينفك عن تخريب أي جهود للتفاهم في ليبيا؟
أسئلة في مكافحة الإرهاب والاستثمار فيه:
لطالما قمتم باستعمال العمليات الإرهابية للاستثمار السياسي وربطتم وجود الإرهاب بوجود الترويكا وخاصة النهضة في السلطة، لكن بعد فوزكم في الانتخابات تمسكتم بالنهضة في الحكم وفي المقابل تجاهلتم تفعيل استراتيجيا مكافحة الإرهاب التي تم إعدادها قبل وصولكم الحكم ولم تعتمدوا استراتيجيا بديلة؟ الأهم من ذلك تمت في عهدكم أسوأ عمليات إرهابية من حيث نوعيتها وأماكن حدوثها (في قلب العاصمة وأماكن سياحية أساسية) ومن حيث عدد الضحايا ومن حيث الآثار الاقتصادية؟ لولا الانخراط الشعبي في الدفاع عن مدينة حدودية استراتيجية مثل بن قردان، الموجودة في مناطق الجنوب التونسي التي صوتت للدكتور المرزوقي والتي شوهتموها وشككتم في انتمائها الوطني فوصفتموها حينها بانها "إرهابية" ودعاها مدير حملتك لـ"الرجوع للسياق الوطني"، لولا ذلك ماذا سيكون وضع البلاد في منطقة حدودية أساسية؟ هل أن التحويرات والتعيينات التي قمتم بها في بداية سنة 2015 وخاصة إحداث كتابة دولة للأمن الوطني وإلغاء خطة المدير العام الوطني ساهمت أو عرقلت أداء وقات الأمن الداخلي؟ ثم الم يؤثر تسيسكم المفرط لقطاع الأمن عبر بعض النقابات خلال فترة الترويكا في انفلات الوضع وعدم التحكم في هذا القطاع، ما أدى لانفلاتات واضحة مست بهيبة الدولة مثل اقتحام ساحة القصبة ومقر رئاسة الحكومة؟
أسئلة في تحوير الدستور لإشباع شهوة السبسي في رئاسة واسعة الصلاحيات:
لطالما كررتم في الحملة الانتخابية الفارطة أن انتخاب السبسي للرئاسة أساسي لضمان الاستقرار خاصة بعد انتخاب حزب نداء تونس وتم تعيين رئيس حكومة يتبع عمليا، في مخالفة روتينية للدستور، تعليمات رئيس الجمهورية. إلا أننا نشهد الآن حملة لتعديل الدستور على أساس أن السبسي يحتاج توسيع صلاحياته بالرغم انه أصلا لا يقوم بواجباته الدنيا سواء في تحسين العلاقات الخارجية أو في مقاومة فعالة للإرهاب (كما أوضحنا أعلاه)؟ وكأن منحه هذه الصلاحيات سيسمح له بتفعيل أفكار عبقرية للإصلاح لا يستطيع تفعيلها الآن؟ وما الذي يمنعه من ذلك أن كان التحالف الحاكم يترأسه حزبه وهو تحت سلطته المباشرة؟ أما أن هذه الدعوة لتعديل الدستور تهدف للتقليص من صلاحيات البرلمان ومنح عديد الصلاحيات في شكل أوامر ترتيبية، مثلما كان الوضع زمن بن علي، لرجل مسن لا ندري تحديدا باسم من يحكم؟
أسئلة حول بنما:
هل من المعقول أن لا يتم في ادنى الحالات التحقيق في الأموال التي يتصرف فيها مدير الحملة الانتخابية للسبسي بعد ورود اسمه في فضيحة وثائق بنما وهو يحاول الاتصال بشركات معروفة أساسا بتهريب الأموال وان يتم ذلك تحديدا في مستهل شهر ديسمبر سنة 2014 والبلاد تتهيأ للدور الثاني للانتخابات الرئاسية؟ خاصة وان مدير الحملة المذكور يؤسس الآن حزبا جديدا تعكس أنشطته حتى الآن مستوى يشير إلى سخاء مالي واضح غير معروف المصدر؟
هذا غيض من فيض. ولا يتعلق الأمر بعبقرية خاصة. هي أسئلة بديهية. ويتذكر التونسيون الآن وجه احد معاوني السبسي ومدير حملته محسن مرزوق وهو يتعصر أمام أسئلة بديهية مماثلة في لقاء ندم عليه مرزوق على ما يبدو فيما بعد.
الأسوأ من فقدان الثقة في الدولة، هو فقدان الثقة في الإعلام بعد عشرات من التعتيم. والأسوأ من ديمقراطية هشة بتهديدات التجاذبات العنيفة هي ديمقراطية هشة بالمال السياسي المختلط بفساد لوبيات لا تعمل في وضح النهار.