كتاب عربي 21

السراج: نجح في دخول العاصمة فهل ينجح في احتواء الأزمة؟

1300x600
دخل السراج ومن حضر من أعضاء المجلس الرئاسي وبعض أعضاء الحكومة العاصمة طرابلس ولم يحدث ما توقعه كثيرون من مواجهات وحرب تطول. بيانات مجموعات محسوبة على الثوار المعارضين كانت نارية وتصريحات من رموز ونشطاء رافضون للاتفاق السياسي حملت تهديدا مباشرا للسراج ولمن معه في حال أقدم على المجيئ لطرابلس، غير أنه وحتى اللحظة، وقد مر نحو 48 ساعة على وصوله، لا مواجهات تذكر أو صدام يلوح في الأفق. 

ينبغي النظر إلى ما وقع على أنه ميزة واعتباره اتزان وحكمة يحمد عليها المعارضون، بالمقابل فإن الانقسام داخل شركاء الأمس في معارك "فجر ليبيا" منتصف عام 2014 ساهم في منع الاقتتال.

لواء الصمود الذي يتصدر القوى العسكرية الرافضة للاتفاق والمتحفظة على السراج وحكومته كانت ستجد نفسها في مواجهة ليس مع قوات من مدن عدة شاركتها المعارك التي أدت إلى إخراج كتائب القعقاع والصواعق ولواء المدني من طرابلس، بل ستكون في مواجهة مع كتائب تنتسب إلى نفس المدينة، مصراته، وتعاضدت في مقاومة هجوم قوات القذافي على المدينة في 2011، ولتك المعارك وما نتج عنها من مقاومة مضمونا خاصا، هذا فضلا عن أثر اللحمة الاجتماعية والضغوط القبلية التي قد يكون من العسير تجاوزها أو مصادمتها.

من جهة أخرى، فإن هناك ما يشير بوضوح إلى رجحان كفة الكتائب الداعمة للاتفاق وللمجلس الرئاسي والحكومة من ناحية العدد والعدة، فالكتائب الأقوى في مصراته مع الاتفاق، والقوى المتنفذة في طرابلس أيضا، ولأن الرأي العام مع التوافق بحثا عن مخرج للأزمة الطاحنة، فإنه سيكون نوع من المغامرة تنفيذ التهديدات بشأن السراج وحكومته.

لكن الموقف لم ينتهِ عند تعظيم حرمة الدم ومنع الموجهات بين أبناء المدينة الواحدة، بل إن عاملا مهما لعبا دورا في تهدئة الوضع ولو بشكل مؤقت وهو مطالب تقدم بها المعارضون للحكومة إلى رئيس المجلس الرئاسي تتعلق باستيضاح مواقفه حول مسائل جوهرية بالنسبة لهم تتمحور حول مفهومه للإرهاب وإسقاطاته في المشهد الليبي وإذا ما كان متطابقا أو مختلفا عن توصيف البرلمان والحكومة المؤقتة والجيش في المنطقة الشرقية والذي تجاوز في وسمه مجلس شورى بنغازي ليدخل تحت مظلة الإرهاب كل الكتائب التي دعمت المؤتمر وأيدت حكومة الإنقاذ. والمسألة الثانية تتعلق بموقف السراج من حفتر.

ثائرة القوى السياسية والعسكرية في الغرب أو في طرابلس ثارت عقب ذهاب السراج للقاء حفتر في مقر إقامته ومقر عملياته العسكرية في المرج، وتصريحه بأن ما وقع يوم 15 أكتوبر 2014 انتفاضة، وأنه لم يذكر ثورة فبراير أو يمجدها الأمر الذي دفعهم إلى الاعتقاد بأن السراج منحاز لجبهة "الانقلاب" على الثورة وأنه أداة للقضاء على "الثوار". 

الموقف الأوَّلي ردا على الاستيضاحات المشار إليها تلبس بالسياسة كما كان، في رأيي، موقفه في المرج، حيث مجد ثورة فبراير وأكد على دور الثوار ودغدغ العواطف فيما يتعلق بحفتر بالقول أنه سيلتزم بالاتفاق السياسي، وتتضمن المادة 8 من الملاحق استبعاد الفريق من المشهد.

والخلاصة عندي أن الضغوط التي تقع على السراج وحكومته كبيرة، وقد تكون أحد أهم عوامل محاصرته وتعجيزه إلا أن يلعب الطرف الخارجي لعبته، فحفتر ليس مجرد ضابط كبير، بل هو بطل قومي في نظر شريحة واسعة في المنطقة الشرقية وينقاد له ضباط وجنود ومقاتلون مدنيون وتناصره قبائل كبيرة ونخب مؤثرة ونجح في ضم أطراف فاعلة من النظام السابق خاصة أفراد الأمن الداخلي وبعض عناصر الكتائب الأمنية المدربة تدريبا مميزا، بما يشكل جبهة سياسية واجتماعية وعسكرية كبيرة من الصعب تجاهلها. 

بالمقابل فإن الاعتراف بحفتر ومنحه المكانة التي ترضيه وترضي أنصاره الكُثر ليس محل نقاش أو قبول ورفض بين العديد من الكتائب القوية التي تدعم الاتفاق السياسي وتحمي السراج في العاصمة، بل إن من بين أسباب جنوح بعض هذه الكتائب للاتفاق قطع الطريق على حفتر في أن يتصدر المشهد السياسي أو العسكري في ليبيا. ويشكل هذا الاستقطاب جوهر التحدي الأمني أمام السراج، وإذا أضفنا إليه التحدي الاقتصادي والاجتماعي فإننا سنخلص إلى ما خلصنا إليه في مقالنا السابق من أن أمام السراج وحكومته مشاكل شديدة التعقيد، وكل الخيارات لاحتوائها ذات تداعيات خطيرة.