- نشر موقع "بروجيكت سنديكيت" مقالا للمفوض السامي السابق لشؤون الأمن والسياسة الأوروبية وأمين عام حلف الناتو السابق خافير سولانا، قال فيه: "بعد خمس سنوات من بداية ما يسمى الربيع العربي، فإن الأمل الذي أنيط بتلك الثورات ابتداء تلاشى إلى حد كبير، وفي حالات كثيرة تحولت الثورات إلى صراع داخلي طاحن، ليس له حل في المستقبل المنظور، ووسط هذا الصراع كله فإن المجتمع الدولي لم يعر اهتماما كبيرا لبلدان مثل الجزائر، تم فيها خنق روح الثورة في مهدها، وعاد مصير الجزائر إلى الواجهة الدولية ثانية، وليس هذا سابقا لأوانه".
ويضيف الكاتب أنه "في 7 شباط/ فبراير، قام البرلمان
الجزائري بالمصادقة على حزمة من الإصلاحات الدستورية، التي تحد من فترة حكم الرئيس لدورتين (وقد بقي عبد العزيز
بوتفليقة آخر قيادات حرب التحرير ضد فرنسا في منصبه منذ عام 1999)، بالإضافة إلى مسائل أخرى، منها الاعتراف ببعض الحقوق والحريات الأساسية، والهدف من هذه الخطوات تقوية موقف الجزائر الديمقراطي، لكن يتم انتقادها كونها غير كافية".
ويعلق سولانا قائلا: "مما لا شك فيه أن الإصلاحات تأتي في فترة حساسة، وفي وقت تعاني فيه الجزائر من عدم الوضوح السياسي أو الاقتصادي، كما أن (الإجماع)، الذي يشكل السياسة الجزائرية، قام في الواقع بشل اتخاذ القرار على مدى سنوات طويلة، ولعدم ظهور بوتفليقة في العلن لأكثر من عام، برزت أسئلة مهمة كثيرة، مثل كيف ستتم انتخابات الرئاسة لعام 2019؟ وكانت هناك مجهودات على مدى الأعوام الثلاثة الماضية للحد من قوة الأمن والمخابرات، وتم في أيلول/ سبتمبر إحالة محمد مدين إلى التقاعد، بعد أن شغل منصب رئيس المخابرات منذ عام 1990، وهذا مجرد مصدر واحد للتوتر في السياسة الداخلية".
ويشير الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن التحديات الخارجية فاقمت من وضع الجزائر، خاصة أن
النفط والغاز يشكلان 97% من دخل صادرات الجزائر، وأكد التراجع القوي في أسعار النفط منذ شهر حزيران/ يونيو 2014، بأنه من غير الممكن الإبقاء على النموذج الاقتصادي للبلد.
ويقول سولانا: "كما يعني التراجع في الدخل النفطي أن الحكومة الجزائرية لن تستطيع إبقاء نظام الدعم الواسع، الذي يأتي كونه بلسما اجتماعيا، ويساعد على منع وقوع مظاهرات، وقد اضطرت الحكومة إلى رفع الضرائب، ورفع أسعارالمحروقات والكهرباء والغاز، وإن لم ترتفع أسعار النفط قريبا، فإن زعامات الجزائر ستضطر للقيام بإجراءات أكثر جدية، وقد تؤثر في الاستقرار الاجتماعي".
ويتابع الكاتب قائلا إن "هناك عوامل قد تساعد على إبعاد الاضطرابات الاجتماعية، بالذات ذاكرة المجتمع للحرب الأهلية في تسعينيات القرن الماضي، التي قتل فيها أكثر من 150 ألف إنسان، لكن الذاكرة تتلاشى مع مرور الوقت، وهناك جيل جديد يفتقد إلى التخوف من النضال الاجتماعي، الذي قد يكون لدى آبائهم أو أجدادهم، وفي هذا السياق الاجتماعي، وإن استمرت الصعوبات الاقتصادية فإن الاحتجاجات، وحتى الثورة، لن تكون احتمالا بعيدا".
ويعتقد سولانا أنه إذا أرادت الجزائر تجنب مثل هذه النتيجة، فإن عليها أن تتحرك بسرعة لتنويع اقتصادها، مستدركا بأن مثل هذا العمل المشترك سيكون صعبا في البيئة السياسية الحالية، خاصة باعتبار تركيز الحكومة المتزايد على التحديات الأمنية في المنطقة.
ويرى الكاتب أن القيادات في الجزائر تقدم الأمن الإقليمي، خاصة بعد الثورة في تونس والحرب في ليبيا وتمرد الطوارق في مالي، والأهم من ذلك الهجوم الإرهابي عام 2013 في محطة الغاز في أميناس، ومع أن الدستور يمنع الجزائر من التدخل في بلدان أخرى، إلا أن للجزائر مصلحة واضحة، تعكسها سياستها الخارجية، في التأكد من أن جيرانها في وضع استقرار، وأنهم قادرون على ثني الجماعات المتطرفة، فمثلا شجعت الجزائر على مصالحة شاملة بين القوى كلها في ليبيا.
ويلفت سولانا إلى أن الولايات المتحدة وأوروبا تعترف بقيادة الجزائر وتعاونها ضد الإرهاب في منطقتها، إلا أن تقوية العلاقات مع الجزائر بالنسبة للاتحاد الأوروبي لها أهمية خاصة، خاصة لمصالح الجانبين في استقرار شمال
أفريقيا والساحل، بالإضافة إلى إمكانيات الجزائر في تحسين أمن الطاقة للاتحاد الأوروبي.
ويورد الكاتب أن "إحدى الطرق الرئيسة التي تمكن الجزائر من أداء دور في تحسين التعاون الأمني في منطقتها، هي إعادة علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب، صحيح أن البلدين مختلفان منذ 40 عاما؛ بسبب اختلافهما على السيادة على الصحراء "المغربية"، لكن الفوائد التي يمكن جنيها اقتصاديا وتجاريا وأمنيا، جراء التعاون، ستكون كافية للطرفين لإعادة النظر في موقفهما. وعليه فإن أدرك هذان العملاقان في شمال أفريقيا مصالحهما المشتركة، وأعادا علاقاتهما، فإنهما سيحلان مشكلة العلاقات في المغرب العربي، ومع هذا سيزيد نفوذ الجزائر في أفريقيا".
ويذهب سولانا إلى أن "نفوذ الجزائر في أفريقيا في طريقه إلى التنامي، ويقترح البعض بأن ينتخب مرشح جزائري ليكون رئيسا لمفوضية الاتحاد الأفريقي، عندما تنتهي فترة الرئيس الحالي في تموز/ يوليو، حيث إن الدور الذي تؤديه الجزائر في دعم الاتحاد الأفريقي، والتزامها بالأمن الإقليمي، كما ظهر في دورها في اتفاقية السلام في مالي، واستضافتها للمحادثات الليبية، سيشهد لصالحها، وإن وقع هذا الاختيار فإن الجزائر ستكون أول بلد شمال أفريقي يقود الاتحاد الأفريقي".
وينوه الكاتب إلى أن التحدي القوي الذي تسبب به التراجع في أسعار النفط والسياق المتقلب إقليميا هما دليلان على الحاجة الملحة للتغيير في الجزائر.
ويختم سولانا بالقول إنه في حال "أقدمت الحكومة على كسر الجمود في النظام السياسي، وتنويع الاقتصاد، وتكثيف الجهود الدبلوماسية، فإنه يمكن للجزائر أن تخرج أكثر قوة وأكثر تأثيرا من أي وقت مضى".