قضايا وآراء

كل الطرق تؤدي إلى ثورة

1300x600
أينما وجهت وجهك فثمة ما يقول هي ثورة لن تبقي ولن تذر، لن تستمر تلك المسرحية البغيضة المقيتة التي تحياها مصر اليوم طويلا. سيسقط بيت العنكبوت الخرب العفن يوما، قريبا كان أو بعيدا، لكن الغريب في الأمر أنك تكاد تلمس بأن أولئك القائمين على أمور تلك المسماة "دولة" يستعجلون ذلك ويتعجلونه، بل ويدفعونك دفعا نحو الانفجار، يستفزون فيك الكرامة، يستهينون بكل ما يمكن أن يمثل لك مقدسا، يتعمدون أن يئدوا أحلام شباب 25 يناير خاصة، ويُقبّحوا حاضره ومستقبله، يقصدون أن يُنكّسوا رؤوس ذاك الشباب الشامخ الذي أبى أن يُغتال مستقبله، ورفض بأن يكون الطغاة والمتجبرون قدرا يرضخون ويسلّمون له. رفض ذاك الشباب الحر أن يكون بخنوع شيوخ الصبر على بلاء و ابتلاء الحكام.

مثير جدا أن ترى تلك الدولة تبذل قصارى جهدها، قصدا، أو غباء، أو دفعا من قوى أخرى، لتقتل روح التحدي في ذاك الشباب الذي خرج من بين ركام الإقصاء والدونية والإهمال والإذلال. تحاول دولة الظلم والقهر قصارى جهدها لقتل تلك الروح الثائرة الوثابة المتوقدة؛ لأنها توقن أن تلك الروح تؤمن يقينا أنها وإن خسرت جولة في معركة الحرية وتقرير المصير، إلا أنها حتما ستحسم المعركة النهائية بانتصار باهر مبين يشفي صدور قوم مؤمنين.

عندما ترى وجه فرعون تلك الدولة باسما ضاحكا في الكنيسة المصرية، يوجه كلمات المحبة والصداقة والإخاء لأبناء مصر من الأقباط في ذكرى ميلاد السيد المسيح، وهو ما لا يزعج أحدا، فهم مواطنون مصريون لهم كل الحقوق وعليهم كل الواجبات...

عندما ترى ذات الوجه، وجه ذلك الفرعون متمعرا مقطبا حاجبيه عابسا نكدا أشد سوادا على سواده، لكن أين؟ في ذكرى المولد النبوي الشريف وهو يخاطب المسلمين بلسان الكراهة والتنفير والتنكيل، محملهم مسؤولية كل الجرائم والفظائع، واصفا إياهم بكل صفات العدائية والحقد والكره للآخر، وكأنهم أعداء الإنسانية الذين أتوا ليقضوا على أحلام المساكين من أصحاب الديانات الأخرى...

عندما ترشح لجنة القصة بالمجلس الأعلى للثقافة إسلام البحيري - وهو من هو في القدح بأصول وثوابت السنة والكتب الصحاح - لجائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام، وفي الوقت ذاته ترشح سيد القمني، الذي يفخر ويرقص قلبه طربا حينما يتحدث مع ملحد، للجائزة نفسها في مجال الدراسات الإسلامية...

عندما يتولى مرتضى منصور، رئيس نادي الزمالك، والمستشار المشهور بلسانه السليط وتهديدات "السي دي" لكل مخالفيه... عندما يتولى مرتضى منصور، نائب الدقهلية، لجنة حقوق الإنسان في مجلس النواب، ويعلق على سخرية بعض نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي على اختياره قائلا: (أنا لا أعترف بـ"البكابورت" اللي اسمه "سوشيال ميديا" واللي مش عاجبه "يشرب من الخرارة")...

عندما يتم تعيين قاسم فرج ابن السبعين "ربيعا" رئيسا للجنة الشباب بمجلس النواب، ليكون ممثلا لأحلام الشباب وطموحاته.. عندما تعود وجوه دولة مبارك بكامل عتادها وقضها وقضيضها تسيطر على جميع مفاصل وأركان الدولة المصرية.. عندما تسخر صحيفة حكومية من مرض المرشد العام للإخوان المسلمين بتصدير صورته على غلاف الصفحة الأولى بـ"مانشت" (المرشد اتفتق)... عندما ترى الدموع والقهر في عيون زوجات المعتقلين عند لقاء أزواجهن الذين حرموا من مجرد اللقاء بهن.. عندما تعلم بأن طفلة مريضة بورم في المخ طالبت برؤية أبيها المعتقل لبضع دقائق، لكن داخلية الانقلاب رفضت طلبها فماتت قبل أن تودع أبيها. ماتت قبل أن يحتضنها "الإرهابي" الذي هدد عرش الفرعون!!!!!...

عندما تقرأ عن رسائل التوسل من أمهات المعتقلين للتخفيف عن أبنائهم.. عندما تسمع عن الرشاوى التي تدفع لزبانية الانقلاب لتخفيف شروط الاعتقال عن المساجين والمعذبين.. عندما ترى اعتقال أسرة بأكملها لإجبار ابنها المطارد على أن يسلم نفسه للاعتقال والموت...

عندما تسمع عن حالات القتل تحت التعذيب، والاختفاء القسري، ووضع اليد على الممتلكات والأموال والمؤسسات دون وجه حق، أو حتى حكم محكمة "صوري"...

عندما ينهار الاقتصاد وتتوسل مصر ماء نيلها من إثيوبيا... عندما تقف مصر على أبواب الدول تمد يدها وترتمي في أحضان من يدفع أكثر...

عندما تخنق مصر غزة وتعتقل أبناءها وتقتل اللائذين بها.. عندما تغلق المعبر وتدمر أنفاق الحياة...

وقبل ذلك كله، عندما تتراءى أمام ناظريك "رابعة" وشبابها وأطفالها وشيوخها ونساؤها.. عندما تستحضر استغفال واستخفاف العسكر الخائن بجموع الشعب المصري.. عندما ترى كيف أطاح بخيار الشعب وأمله في ديمقراطية تجلب له حرية وكرامة وعيشا كريما.. عندما تستحضر جبروت وظلم العسكر واستغباءه للشعب واستغفاله واستغلاله لفئة مغيبة منه، بإعلام مأجور فاسد... عندما وعندما وعندما...

عندما تستحضر كل ذلك يأتيك اليقين الذي لا يقبل الشك بأن ثورة لا محالة قادمة، لتعصف بذلك الخبث والفساد والظلم والقهر الذي جثى على صدر الكنانة دهرا... ثورة ستعصف بكل تلك الذكريات المريرة القاتمة، لتلقي بها في غياهب بئر لا نريد أن نرى قعره.

نعم كل الطرق تؤدي إلى ثورة، ثورة حتمية لا مناص ولا بديل عنها، ثورة يؤمها جموع الشعب المصري الحر ليرفع عن كاهليه نير العبودية ويحيى حياة الكرامة والعدالة والحرية.