قضايا وآراء

لا تلومُن إلا أنفسكم

1300x600
تتداعى على الانقلاب كل عوامل سقوطه، بدءا من تخلي مناصريه دوليا وإقليميا عنه لأسباب متعددة، وانتهاء بانفضاح أكاذيبه لمؤيديه الذين ظنوا فيه (سذاجة) أنه المنقذ. ولأي متابع جيد للأحداث الداخلية والخارجية، يستطيع أن يتنبأ بقرب نهاية هذا النظام الفاشي، أو على الأقل استحاله بقائه لفترات اعتادت عليها الشعوب المنكوبة في منطقتنا.

وهنا يطرح نفسه؛ السؤال الأكثر إلحاحا في الفترة الأخيرة، وهو: "ماذا بعد"؟

الحقيقة أن هذا السؤال الجديد القديم هو ما حاولنا الإجابة عليه منذ بداية الانقلاب في يوليو 2013، وانطلاقا منه بدأنا في الإعداد لفكرة الاصطفاف لقوى الثورة مرة أخرى، وأن بدا الطرح غير واقعي آنذاك، لأن الكثير منها كان ما زال تحت تأثير مخدر أن العسكر وسيلة فقط لتحقيق أهداف يناير ولا يرغب في السلطة!!

إذن، ففكرة الاصطفاف ليست وليدة هذه الأيام وإنما مرت بمراحل متعددة، تعثرت في معظمها، ولكن كانت كلها مفيدة لنضوج الرؤية حول مطالب توحد ولا تفرق. وفي هذا الوقت تحديدا بدأت عمليه تشويه ممنهجة وبصورة مبالغ فيها، ومع الأسف كانت محسوبة أكثر على الجبهة التي لطالما نادت ودعت للوحدة! وقد كنت وما زلت أحد دعاة هذا الاصطفاف، وحاولت قدر المستطاع تقريب وجهات النظر بين الفرقاء. 

لم يزعجني كثيرا مهووسو المؤامرة، والذين أصبحت لغتهم لا تختلف كثيرا عن لغة إعلام الانقلاب العكاشي، فهم في الأساس لم يكونوا منتمين لأي فريق! ولكن ربما باحثين عن شهرة حصلوا عليها بالصدفة وتزداد كلما ازداد خطابهم العنتري الزائف، أو أن وراءهم أهدافا لا نعلم مصدرها، وإن كنا نرى أن المستفيد الوحيد منها هو الانقلاب.

ولكن ما أزعجني حقا هو الطرف الذي بات واضحا له أنه كان مخدوعا بمعسكر الانقلاب، وأبدى تفهما لعودة روح يناير والوحدة مرة أخرى. وهنا أقصد رفقاء الثورة من غير الإسلام السياسي. فبعد أن وافقوا على الحوار ورأوا فيه سبيلا لتقارب وجهات النظر، عادوا أدراجهم مرة أخرى وكأنهم إما متخوفين على شعبيتهم (وهو ما أكده لي بعضهم) أو في انتظار حدث جلل يدفعهم للحركة!

أما عن الإسلام السياسي، فتقهقر هو الآخر أمام حملات التجريح والتشويه، الصادرة ممن سمح لهم بأن يتزعموا خطابه الإعلامي، وبالطبع نجحوا في أن يؤثروا على جمهوره!!

إذن، نحن أمام أزمة حقيقية لمعارضة لا تستطع أن تقود فكريا، ولكنها تُقاد شعبيا! وخطورة هذا الوضع أنك تترك الجماهير لمن يستطيع أن يتلاعب بالخطاب التعبوي أكثر من الخطاب الفكري، والذي من خلاله تستطيع أن تقود ثورة إلى اتجاهها الصحيح في تحقيق أهداف بناء دوله ديمقراطية حديثة.

والأخطر من ذلك، أن الفريقين أصبحا في انتظار سيناريو مخيف، يعلمون جيدا أنه الوحيد الذي سينجح في حاله جمود الطرفين واستسلامهم للابتزاز السياسي والأمني.

نعم نحن أمام حالة حُبلي بانفجار قادم لا محالة، وإن لم يجد مشروعا وطنيا شاملا تلتف حوله الجماعة الوطنية بأكثريتها، سيتحول إلى فوضي عارمة، وواهم هو آنذاك من يظن أنه سيتدخل في الوقت المناسب، لاحتوائها أو حتى السيطرة عليها! ويكون بذلك قد فشل مرة أخرى في تقدير الموقف، وستدفع الفوضى أجيال قادمة ثمنا باهظا لهذه المغامرات العقيمة. 

ولذلك دعوت، وما زلت أدعو، بل وأرجو من جميع فرقاء الثورة الوطنيين والمؤمنين بالحرية والديمقراطية في كافة الاتجاهات الأيديولوجية، أن نستمع لبعضنا البعض بعيدا عن لغة التخوين والسباب واجترار المرارات السابقة، وأن نجتمع على كلمة سواء، ألا وهي سقوط دولة العسكر، والاتفاق على مشروع وطني عادل، يُطرح على الشعب المصري الباحث عن رؤية واضحة للمجهول القادم. هذا إذا أردنا أن نحفظ وطننا من دعاة الدم، أو تجار الحروب، سواء كانوا في الداخل أو الخارج. أما إذا استمر هذا العناد والضعف أمام الحناجر، فالكل خاسر، ولا تلومُن إلا أنفسكم. 
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع