وسائل الإعلام التركية والأجنبية ما زالت تتناول حادثة إسقاط المقاتلة الروسية قبل ثمانية أيام بالقرب من الحدود السورية التركية بعد اختراقها للمجال الجوي التركي، وتنشر تصريحات القادة الأتراك والروس، وآراء المحللين حول الأزمة ومستقبل العلاقات بين روسيا وتركيا.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، منذ إسقاط المقاتلة يقوم بالتصعيد من خلال تصريحاته وقراراته، ويحاول النيل من تركيا انتقاما لكبريائه، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: "إلى أي مدى يمكن أن تذهب روسيا في معاقبة تركيا؟".
المجتمع التركي - باستثناء بعض الأصوات الشاذة - يجمع على أن تركيا يحق لها إسقاط المقاتلة التي اخترقت أجواءها. وهذا ما أكَّده أيضا رئيس حزب الحركة القومية دولت باهتشلي الذي قال أمس الثلاثاء في كلمته أمام كتلة حزبه البرلمانية إن "من حق تركيا حماية حدودها البرية والبحرية والجوية"، وأضاف أن "روسيا في إقدامها على اختراق الأجواء التركية كانت مخطئة وتكشف عن نواياها الخبيثة".
الشارع التركي لا يخاف من تهديدات روسيا وعقوباتها الاقتصادية، ويرى أن تركيا يجب أن لا تعتذر لروسيا مهما كان الثمن، لأنها لم تفعل شيئا يستوجب الاعتذار. وفي استطلاع لآراء المواطنين قامت به إحدى القنوات التلفزيونية في مدينة أرضروم التركية، فقد رفض الجميع فكرة اعتذار تركيا لروسيا بسبب إسقاط المقاتلة. وردا على سؤال المراسل: "وماذا عن احتمال قطع روسيا تصدير الغاز إلى تركيا؟"، قالوا إنهم يمكن أن يحرقوا الفحم أو روث الحيوانات للتدفئة كما كانوا يفعلون قبل استخدام الغاز. وأما السؤال عن العقوبات الاقتصادية على المنتجات التركية فأجاب أحدهم بمثل وقال: "إن كان لدي العيران فالذباب يأتي من بغداد"، في إشارة إلى أسواق أخرى يمكن تصدير المنتجات التركية إليها.
الحكومة الروسية صادقت مساء أمس على قائمة العقوبات الاقتصادية على تركيا وقائمة المنتجات الزراعية والمواد الغذائية والخام التركية الممنوعة من دخول روسيا ابتداء من الأول من يناير من العام المقبل. ولكن رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو أشار، في برنامج تلفزيوني شارك فيه مساء الاثنين، إلى وجود أسواق بديلة لتصدير المنتجات التركية، وقال إن تركيا لا تعاني من قلة الأسواق الراغبة في بضائعها. وأعلن وزير السياسة الزراعية والغذاء الأوكراني أوليكسي باولينكو استعداد بلاده لتخفيف آثار العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الحكومة الروسية على تركيا. ولعل أكثر من فرح بهذه العقوبات هو المواطن التركي الذي يأمل في أن يحصل على الفواكه والخضروات في هذا الشتاء بأسعار رخيصة.
الردود الروسية حتى الآن هي: التضييق على المواطنين والطلاب الأتراك في روسيا، والعقوبات الاقتصادية على بعض المنتجات التركية، وقطع الاتصالات العسكرية مع تركيا، ودعوة المواطنين الروس لعدم الذهاب إلى تركيا للسياحة، وإنهاء التعاون مع الجامعات التركية، وحظر تعاقد الأندية الرياضية الروسية مع اللاعبين الأتراك. ولكن كل هذه الخطوات لا يتوقع أن تكون آثارها السلبية على اقتصاد تركيا وتعليمها ورياضتها كبيرة. وأما الغاز الطبيعي الذي تصدره روسيا إلى تركيا فسبق أن أعلن نائب وزير الطاقة الروسي أناتولي يانوفسكي مواصلة تزويد تركيا بالغاز الطبيعي الروسي بحسب الالتزامات التعاقدية، كما أن وزير الاقتصاد الروسي أليكسي أوليوكاييف لفت إلى أن المشاريع الكبيرة المشتركة مع تركيا مثل "السيل التركي" و"إنشاء محطة آكويو النووية" لن يتم تجميدها، لأن روسيا تدرك أن استخدام ورقة الغاز ضد تركيا يضر بها أكثر مما يضر يتركيا، لأن أنقرة يمكن أن تتجه نحو البدائل مثل غاز كردستان العراق والغاز القطري وغيرهما، ولكن روسيا بحاجة ماسة إلى الأموال التي تحصل عليها من تصدير الغاز إلى تركيا.
هناك خطوة انتقامية أخرى تقدمت بها روسيا منذ إسقاط طائرتها، وهي تكثيف الطيران الروسي قصف الأهداف المدنية والمخابز وشاحنات المساعدات وصوامع الحبوب، مع ارتكاب مزيد من المجازر في سوريا. وهذا الجنون يجب أن يقف ضده العالم الحر بأكمله وليست تركيا وحدها. وإضافة إلى كل ما تقدم، فقد تحاول روسيا "القيصر" إثارة الإرهاب والقلاقل في تركيا، ولكن الأخيرة يمكن أن ترد عليها بالمثل بناء على قاعدة "العين بالعين والسن بالسن والبادئ أظلم".