نشرت صحيفة المانيفستو الإيطالية افتتاحية حول الإجراءات
الأمنية والقرارات التي تم اتخاذها في أوروبا بعد هجمات
باريس، وقالت إن هذه الإجراءات تحد من
الحريات والحقوق الفردية، ولذلك فإن مقاربة "نصف حرية في مقابل الأمن" هي مقاربة مرفوضة، لأنها تحول الدولة إلى دكتاتورية.
واعتبرت الصحيفة، في افتتاحيتها التي ترجمتها "عربي21"، أن الحكومة الفرنسية جردت مواطنيها من حقوقهم الأساسية، من خلال إعلانها عن قانون
الطوارئ. فرغم أن القيام بإجراءات أمنية هو أمر ضروري في الوضع الراهن، فإنه لا يمكن بأي حال من الأحوال قبول نصف حرية في مقابل الأمن.
وأضافت الصحيفة أن شوارع العاصمة البلجيكية بروكسل أصبحت خالية بعد هجمات باريس، وهو ما يبين أن حياة الناس تأثرت بشكل سلبي جدا، بسبب التعليمات والإجراءات الأمنية التي اتخذتها الحكومة البلجيكية.
وفي فرنسا التي قامت في يوم 20 تشرين الثاني/ نوفمبر بتمديد حالة الطوارئ، بعد إعلانها في 14 من الشهر ذاته، ينكب المشرعون على تعديل قانون سنة 1955، الذي ينظم حالة الطوارئ.
وبالتالي فإن الأشهر الثلاثة القادمة ستشهد تضييقات كبيرة على الحقوق والحريات، وسيتم إطلاق يد الأجهزة الأمنية والسلطات، لاتخاذ كل الإجراءات التي تراها مناسبة، دون أي تدخل من القضاء، كما تقول الصحيفة الإيطالية.
وعبرت الصحيفة عن استيائها الشديد من الحالة التي وصلت إليها فرنسا، حيث إن وزارة الداخلية، وتحت ذريعة فرض الاستقرار والحفاظ على الأمن، أعطت لنفسها الحق في اقتحام منازل الناس والقبض عليهم واحتجازهم، ووضعهم تحت المراقبة، وحرمانهم من التواصل مع غيرهم، وسحب جوازات سفرهم ومنعهم من قيادة السيارات ومن التواجد قرب التجمعات، كما أعطت لنفسها الحق في حل كل الجمعيات والمنظمات، وكل هذا تحت ذريعة مكافحة الإرهاب.
كما عبرت الصحيفة عن استغرابها الشديد من سكوت القضاء الفرنسي على هذه الترسانة من الإجراءات، التي تتنافى كلها مع قيم الدستور الفرنسي، إذ إن كل هذه الإجراءات تستند على القانون الصادر في سنة 1955، الذي كان قد لقي معارضة شديدة من قبل الكثيرين، بسبب عدم تطابقه مع فصول الدستور، وقد اشترطت المعارضة حينها أن يتم اعتماده فقط إذا كانت الدولة تحت حصار قوى أجنبية. ولكن المجلس الدستوري في سنة 1985 أعطى الضوء الأخضر لهذا القانون وترك حرية تطبيقه لتقدير الحكومة.
كما حذرت الصحيفة من أن الوضع الحالي يفتح الباب أيضا أمام تفتيش المنازل في أي وقت من النهار أو الليل، وفي أي منطقة، حتى في ظل غياب أي ذريعة مقنعة لهذا الإجراء، فيكفي أن يكون أحد أقاربك أو أصدقائك مشتبها به، أو أن تكون قد نشرت تعليقا على وسائل التواصل الاجتماعي حتى تصبح مشتبها بك ويتم اقتحام منزلك. والأماكن الوحيدة المستثناة من إمكانية اقتحامها دون إذن قضائي هي مكاتب المحامين والقضاة والصحفيين.
كما يتيح القانون للشرطة احتجاز كل الوثائق المهنية والشخصية وأجهزة الحاسوب والهاتف، وكل شيء يمكن أن يحتوي على معلومات.
واعتبرت الصحيفة أن هذا يذكر برواية "بيغ براذر" (الأخ الأكبر)، التي تتحدث عن سيطرة الدولة على حياة الأفراد وتجسسها عليهم وانتهاكها لخصوصيتهم، تحت ذريعة الحفاظ على الأمن.
ولاحظت الصحيفة أن فرنسا كانت قد مررت إثر هجمات شارلي إيبدو؛ مجموعة من القوانين التي تحد من حرية تبادل المعلومات، على غرار القانون 912 الذي تمت الموافقة عليه في 24 تموز/ يوليو 2015، والذي يسمح للسلطات بالتجسس على المكالمات الهاتفية، ومراقبة مواقع الإنترنت، وزرع برمجيات التجسس في بعض الحواسيب، دون رقابة قضائية.
ولكن هذا القرار كان قد تعرض لانتقاد شديد؛ لأنه حسب رأي معارضيه لا يهدف فقط لمحاربة الإرهاب، بل لخدمة مصالح أخرى للسلطة من بينها التجسس على الناس وتجميع معلومات حولهم، وهو ما يذكر بقانون "باتريوت أكت" المثير للجدل، الذي تم اعتماده في الولايات المتحدة للسماح للاستخبارات الأمريكية بالتجسس على المواطنين بطريقة مبالغ فيها ومخالفة للدستور.
ولاحظت الصحيفة أن القوانين الجديدة التي يتم تمريرها، على غرار قانون الطوارئ، تتضمن انتهاكات عديدة ونقاطا غير منطقية، ورغم ذلك يتم تمريرها في كنف الصمت، ولا تتعرض لأي انتقادات تذكر، كما أنها تحظى بدعم شعبي كبير، وكل ذلك تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، وهو ما يعكس استعدادا للتضحية بالحرية من أجل الأمن.
وحذرت الصحيفة من أن رياح السياسات الأمنية بدأت تهب أيضا على إيطاليا وبقية دول أوروبا والولايات المتحدة، إذ إن عددا متزايدا من المواطنين أصبح مستعدا لمبادلة حقوقه وحريته بالأمن، وهو ما يعد أمرا خطيرا جدا؛ لأنه يسمح للدولة بالسيطرة على حياة الناس وحرمانهم من حقوقهم وحرياتهم تحت ذريعة حمايتهم، كما تقول الصحيفة.