كل المؤشرات الاقتصادية في
مصر تشير إلى أننا بدأنا مرحلة انهيار اقتصادي حقيقي ستدفع ثمنه مصر لسنوات طويلة وسيتأثر به القطاع الأكبر من الشعب.
مؤشرات البورصة تخسر ما يقارب الـ30% خلال عامين، وتخسر 27 مليار جينه فقط في أسبوعين، ويتوقع أن تواصل بورصة مصر الهشة الانهيار اعتباراً من اليوم الاثنين (16 نوفمبر) الذي قد يكون بداية لموجة هبوط في الأسواق العالمية.
الاحتياطي النقدي في مصر وصل أسوأ معدلاته بعدما وصل لمصر ما يقرب من 50 مليار دولار منذ الانقلاب الأسود في يوليو 2013، ورغم ذلك تم تضييع كل هذه المبالغ ولم يبق في الاحتياطي إلا قرابة الـ16.4 مليار دولار، وهي لا تكفي لتغطية استيراد المنتجات الأساسية لمدة شهرين.
عبد الفتاح السيسي -قائد الانقلاب الخائن- يحتاج شهريا لمعونات تصل إلى 1.5 مليار دولار حتى يستطيع أن يستمر، والظروف الاقتصادية العالمية تجعل هذا أمراً شاقاً على الدول الداعمة، ولذا فإن استمرت هذه الدول في الدعم بحده الأدنى فإنه لن يوقف ذلك الانهيار الاقتصادي الذي بدأ يلمسه المواطن في مصر.
التصدير انخفص بنسبة تصل إلى 25%، أما المنتجات البترولية فانخفض تصديرها بنسبة 19% مقارنة بما كانت عليه في نفس الفترة من العام الماضي، وهذا لا يحدث إلا في حالة وجود فشل حقيقي ومحاربة من السلطة للقطاع الخاص الحر، فضلا عن استئثارها بكل العقود الحكومية وغلق باب العمل تماما على صغار المقاولين.
لم تكتفِ السلطة المستبدة طوال أكثر من عامين بذلك، بل حاربت كل أنشطة الاقتصاد الموازي الذي كان يمثل قرابة الـ30% من حجم الاقتصاد، وجاءت هذه المحاربة بأشكال عدة لدفعهم في الدخول في السوق الرسمي للحصول على ضرائب من هذه الورش الصغيرة وما يماثلها من أنشطة صغيرة غير رسمية، وأدى هذا إلى فقدان عشرات الآلاف من الوظائف الموسمية التي كانت تخدم قرابة الخمسة ملايين شخص في مصر.
قطاع الأعمال في مصر ويعمل فيه أكثر من 300 ألف مصري، يواجه أسوأ حالاته. وهو قطاع مريض؛ فإما أنه عانى من انقطاعات للكهرباء أو تقليل من نسبة الغاز الطبيعي أو عدم الموافقة على تمويل له في تجديد بعض الماكينات والمعدات اللازمة.. وبالتالي فقد أصبح القطاع من سيئ إلى أسوأ في خطة فاسدة من الحكومة الانقلابية للتفريط بهذه الشركات الحيوية للاستفادة من رخصها أو الأراضي التي تمتلكها، ومثال ذلك واضح في الحديد والصلب ومصنع ألومونيوم نجع حمادي وغزل المحلة.
نحن على أعتاب انهيار حقيقي للجنيه بعدما فقد 20% من قيمته خلال العامين الماضيين، والحكومة الفاسدة تصر على جمع أموال المصريين، إما بمشاريع فاشلة كمشروع توسعة المجرى المائي لقناة السويس أو برفع الفائدة على شهادات ادخارية لتصل إلى 12.5%، وربما تزيد في المستقبل. لذا، فإنه يجب على كل عاقل أن ينأى بنفسه عن استغلال من هذه الحكومات الفاسدة لنظام كاره للوطن مستبد بمقدراته.
أما عن المشروعات التي ادعت حكومات الانقلاب أنها مشروعات عملاقة، فجميعها بلا استثناء إما تم إلغاؤها أو فشلت، وعلى سبيل المثال لا الحصر مشروع توسعة قناة السويس الذي جُمع من أجله 8 مليارات دولار من المواطنين ولزاما عليه أن يدفع ما يقارب المليار دولار سنويا فوائد لهذه الودائع، أضف إلى ذلك خسارة القناة 9.7% من إيراداتها نظرا لتأثر التجارة العالمية سلبا في الآونة الأخيرة. إذن، فمشروع قناة السويس سيكون دخله السنوي بداية من هذا العام 3.5 مليار دولار فقط بعدما كان خمسة مليارات دولار سنوياً في السابق.
لا يمكن أن يكون هذا الفشل كله بمعزل عن استبداد آخر في ظل غياب تام لأي منطومة تشريعية أو نظام محاسبة، فقائد الانقلاب الخائن قام بشراء أسلحة بما يقارب الـ8 مليارات دولار بعضها مدعومة بدول إقليمية والآخر دفعه آجل سيدفعه المواطن سواء من ضرائب جديدة سيتم فرضها أم خصما من دعم كان يجب أن يصل إليه.
أما قطاع السياحة فهو الآخر بدأ انهيارا آخر بعد فشل منظومة الانقلاب في حماية السياحة.. فتارة تقتل 12 مكسيكيا بالطائرات وتارة أخرى يقتل أكثر من 220 سائحا في تحطم الطائرة الروسية في اختراق أمني واضح، وبداية وقف تام للسياحة في أهم مكان في مصر وفي أهم توقيت وهو موسم السياحة الرئيس في العام. هذا القطاع الذي يعمل في قرابة مليوني مصري بشكل مباشر وغير مباشر سيؤثر خلال الأيام القادمة على أكثر من 8 ملايين مواطن في ظل فشل الحكومة الانقلابية ورئيسها الفاشل في إنقاذ هذا القطاع الهام.
أخيرا.. المنظومة البنكية أصبحت لا تستطيع حفظ أموال الشعب الآن، في ظل غياب كامل لاستقلالية أو شفافية البنك المركزي الذي سيحاسب يقينا رئيسه السابق على إخفائه لعشرات المليارات التي وصلت لمصر فضلا عن منعه من نشر بيانات صادقة عن الاحتياطي النقدي في موعده، وتعمده التضليل.
لن يستطيع أحد إنقاذ هذا النظام المتهاوي الذي أضاع ثروات البلاد فضلا عن مدخرات المواطنين الكادحين.
* وزير الاستثمار المصري الأسبق.