بورتريه

هل علم بان كي مون بفضيحة ليون وسكت عنها؟! (بورتريه)

برناردينو ليون- علاء اللقطة
"يمكنني أن أساعد وأسيطر على العملية طالما أنني موجود في منصبي".. هكذا كتب في رسالة إلكترونية إلى الزبون الوحيد الذي كان يعمل لديه بشكل تقني وحرفي، وهو دولة الإمارات العربية المتحدة.

أجندته الوحيدة في منصبه الأممي كانت تنفيذ أجندة دولة متورطة مباشرة في النزاع  في ليبيا، التي هي بالضرورة معادية لكل ما هو إسلامي في البلاد، وأثبتت لجميع المتابعين للشأن الليبي أن قراره  كان بيد أبو ظبي لا بيده هو.

هل كان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون مثل الزوج المخدوع آخر من يعلم، وأن الماء كان يجري من تحته دون أن يحس أو أن يدري، أم أنه كان على علم بكل ما يجري من تحت الطاولة، وغض الطرف كنوع من الحياء  وسترا للعورة.

يلخص نشطاء عرب على "تويتر" إنجازه الوحيد في ليبيا بقدرته الفائقة على تحسين شروط عقد عمله لدى الإمارات وليس إنهاء الأزمة الليبية.

ووفقا لصحيفة "الغارديان" فهو سيحصل على راتب شهري مقداره 35 ألف جنيه إسترليني، لتدريب الدبلوماسيين الإماراتيين، ودعم السياسة الخارجية الإماراتية، وذلك بعد تعيينه مديرا لأكاديمية الإمارات الدبلوماسية.

وكانت الأكاديمية الدبلوماسية الإماراتية، التي يتولى وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، منصب رئيس مجلس أمنائها، أعلنت أن برناردينو ليون، وهو دبلوماسي إسباني شغل منصب المبعوث الأممي إلى ليبيا، سيتولى منصب مديرها العام في كانون الأول/ ديسمبر المقبل.

ونقل بيان الأكاديمية على موقعها الإلكتروني عن وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله، قوله إن "الخبرة المعمّقة والتجربة الغنية والفهم الشامل للجغرافيا السياسية العالمية للسيد ليون سوف تكون مصدرا غنيا لتنمية وصقل قدرات ومعارف الجيل الجديد من الدبلوماسيين" الإماراتيين.

ولد برناردينو ليون عام 1964 بمدينة مالقة الإسبانية، وحصل على الماجستير في القانون من جامعة مالقة، كما حصل على درجة الماجستير في العلاقات الدولية من مركز الدراسات الدولية في برشلونة.

بدأ العمل في السلك الدبلوماسي في إسبانيا عام 1990، حيث تقلد مناصب في السفارة الإسبانية في ليبيريا والجزائر، وفي الممثلية الدائمة للاتحاد الأوروبي في بلجيكا.

شغل في عام 1998 منصب مستشار المبعوث الخاص للاتحاد الأوروبي لمنطقة الشرق الأوسط.

ترأس عام 2001 مؤسسة مغربية إسبانية للحوار والتفاهم المتبادل بين مختلف الثقافات والأديان في البحر الأبيض المتوسط، وعين عام 2004 وزير دولة في وزارة الشؤون الخارجية الإسبانية مكلفا بالعلاقة مع جنوب أميركا، وتولى عام 2008 منصب كبير المستشارين لدى رئيس الوزراء الإسباني للشؤون السياسية، عين بعدها وزير دولة للشؤون الخارجية.

تولى ليون في تموز/ يوليو عام 2011 منصب الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي لشؤون جنوب البحر الأبيض المتوسط، وفي آب/ أغسطس عام 2014 عين ممثلا للأمين العام للأمم المتحدة ورئيس بعثتها إلى ليبيا خلفا للبناني طارق متري لدعم الحل السياسي، وللعمل على جمع الأطراف الليبية على مائدة الحوار ومعالجة أزمة البلاد بحل سياسي بعيدا عن لغة السلاح والقوة.

أعلن ليون أنه لا يمكن لليبيا أن تتجاوز مشاكلها إلا عبر الحوار، وأن مهمة الأمم المتحدة هي العمل على توفير الظروف الملائمة له، وحاول جمع الأطراف في أكثر من مكان وعلى أكثر من مسار.

 بدأت المفاوضات في جنيف السويسرية، حيث عقد المتحاورون جلستين في كانون الثاني/ يناير عام 2015، ثم انتقل برلمانيون وممثلون من المجتمع المدني إلى مدينة الصخيرات بالمغرب مطلع آذار/ مارس 2015، حيث أجرى ممثلو الأطراف الليبية المتصارعة جولات حوار غير مباشر برعاية ليون، بالموازاة مع حوار آخر بالجزائر في سبيل إخراج ليبيا من أزمتها.

لكن ليون عاد ليكون في واجهة الحدث ليس لإنجازاته على الأرض وإنما لما كشف عنه من أنباء هي أقرب إلى الفضيحة السياسية مع قرب تسليم موقعه لشخص أخر.

ووفقا لما كشفت عنه رسالة بريد إلكتروني اطلعت عليها صحيفة "الميدل إيست آي" كان ليون يعمل سرا مع دولة الإمارات العربية المتحدة لدعم أحد أطراف الحرب الأهلية الدائرة في ليبيا، أثناء عمله مبعوثا للأمم المتحدة، وفي خضم محاولاته للتوسط لإنهاء الصراع في البلاد.

في كانون الأول/ ديسمبر العام الماضي، أرسل ليون بريدا إلكترونيا إلى وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان، عبر وسيط الإماراتي لأسباب أمنية، أوضح فيه بأنه كان يعمل بناء على طلبات أبو ظبي في دوره كوسيط للأمم المتحدة.

"جميع تحركاتي ومقترحاتي تم التشاور بها (وفي كثير من الحالات تصميمها) مع مجلس نواب طبرق وعارف نايض ومحمود جبريل (الذي أتحدت معه بشكل يومي) وذلك بناء على طلبكم"، كتب ليون في رسالة البريد الإلكتروني، الموجهة إلى عبد الله بن زايد في أبو ظبي.

محمود جبريل هو سياسي ليبي يعيش في دولة الإمارات العربية المتحدة، شغل سابقا منصب رئيس الوزراء المؤقت في ليبيا أثناء الثورة المدعومة من حلف الناتو عام 2011 والتي أطاحت بمعمر القذافي، وعارف نايض هو سفير مجلس نواب طبرق إلى دولة الإمارات العربية المتحدة.

وأشار ليون في أكثر من موضع من البريد الإلكتروني إلى المحادثات السابقة مع عبد الله بن زايد، وإلى الطرق التي أطّر فيها خطته لكي تستفيد منها الإمارات العربية المتحدة، وفي إحدى المواضع أشار ليون إلى أن "الأمم المتحدة لا تشكل اليوم مشكلة بالنسبة لمصالح البلاد التي ناقشناها"، ويقصد هنا مصلحة الإمارات، وأردف قائلا: "ولكن من الواضح بأنني لا أعرف ما الذي يمكن أن يحدث في المستقبل".

وتتضمن خطة ليون، على النحو المبين في البريد، التوفيق بين حفتر ومليشيات مصراتة، و"إزالة" المؤتمر الوطني العام الذي يهمين عليه "الإخوان المسلمين".

ويعترف المجتمع الدولي بمجلس نواب طبرق على أنه البرلمان الليبي الشرعي، ولكن مع ذلك، تشهد هذه الشرعية تنافسا حامي الوطيس على الجبهة الداخلية؛ فالمحكمة العليا، التي يقع مقرها في طرابلس ضمن نطاق سيطرة فجر ليبيا، أصدرت حكما في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي ينزع الشرعية عن مجلس نواب طبرق.

وأن المؤتمر الوطني العام يسيطر عليه أعضاء "حزب العدالة والبناء"، وهو فرع جماعة "الإخوان المسلمين" في ليبيا، وهي الجماعة التي حظرتها الإمارات المتحدة واعتبرتها جماعة "إرهابية"، ولاحقت أعضائها بلا هوادة في الداخل والخارج الإماراتي منذ عام 2011.

بغية تجنب عقد مؤتمر للسلام يُعامل ضمنه المشاركون بطريقة متساوية، أخبر ليون وزير خارجية دولة الإمارات العربية المتحدة عن خططه حول "وضع إستراتيجية، أنا متأكد من أنها ستنجح، لنزع الشرعية تماما عن المؤتمر الوطني العام".

كانت خطة ليون تتمثل بتوحيد مجلس نواب طبرق، في الوقت الذي كانت يعاني منه المجلس من اقتتال داخلي، والحصول على دعم دولي لحفتر، بالتزامن مع العمل على "إزالة" المؤتمر الوطني العام، من خلال تقدير فيما إذا كان السياسيون "المعتدلون" في مصراتة على استعداد للانشقاق عن برلمان طرابلس.

بعد حوالي العام من إرسال رسالة البريد الإلكتروني، تبدو عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة في ليبيا بحالة من الفوضى؛ ففي أواخر أيلول/ سبتمبر أعلن ليون أن خطة السلام الليبية قد تم استكمالها، وأن مشروع الاتفاق عُرض على الأطراف للتناقش فيه.

ولكن تبعا لتهميشه للمؤتمر الوطني العام من خلال حصر دوره بالجانب الاستشاري بدلا من تفويضه بصنع القرار، تم رفض الاتفاق في طرابلس، وتضاربت التقارير حول ما إذا كان مجلس طبرق، والذي خضع لضغوطات متزايدة مع انتهاء فترة ولايته الأولى في تشرين الأول/ أكتوبر، قد وافق على مشروع الاتفاق أم لا.

على الأرض، أشعل مشروع الاتفاق غضب المتظاهرين من كلا الجانبين، الذين ركبوا شوارع ليبيا للتعبير عن احتجاجهم، بما في ذلك مظاهرة سلمية في بنغازي أسفرت عن مقتل وجرح العشرات جراء إطلاق صواريخ على التجمع الذي يقدر بالآلاف.

أشار المشاركون والمراقبون المطلعون على عملية التفاوض لصحيفة "ميدل إيست آي" ، بأن كشف علاقة ليون مع الإمارات العربية المتحدة لم تكن حدثا مفاجئا بالنسبة لهم، يقول باسم "حزب العدالة والبناء" حمد عبد الملك، المتحدث الأوروبي: "هذه المسألة ليست جديدة، وهناك علامة استفهام عن السبب الذي يقف خلف الكشف عن هذه العلاقة في هذا الوقت، الذي يتزامن مع اللحظات الأخيرة لترك ليون لمنصبه وتسليمه لشخص آخر".

الكشوفات التي تظهرها رسالة البريد الإلكتروني لا تثير تساؤلات حول ما تعرفه الأمم المتحدة عن هذا الموضوع فحسب، بل إنها تشكك أيضا بالدور الوسيط للأمم المتحدة، وحتى بوساطة المجتمع الدولي، للمضي قدما في عملية السلام الليبية.

تقول رئيس قسم الأبحاث لأوروبا والشرق الأوسط في مؤسسة فرايد الفكرية التي تقع بمدريد، كريستينا كوش، معلقة على وظيفة ليون الجديدة مديرا لأكاديمية الإمارات الدبلوماسية: "بغض النظر عن آرائنا بالاختيار الشخصي للسيد ليون، أعتقد بأن المشكلة الكبرى بالنسبة للأمم المتحدة تتمثل بالتوظيف الفوري للسيد ليون، بعد انتهاء مهمته، لدى طرف يتدخل بالنزاع بصورة مباشرة، وذلك من الناحية المؤسساتية". 

وفي السياق ذاته، عقد ليون مؤتمرا صحفيا في مقر الأمم المتحدة بنيويورك، أوضح فيه بأنه "ملتزم بالإجراءات" فيما يخص عمله الجديد في دولة الإمارات العربية المتحدة، واعترف بأنه كان قادرا على القيام بمهمته بليبيا بشكل مختلف، ولكنه دافع عن محاولاته الحثيثية للتوصل إلى اتفاق سلام بين الأطراف المتنازعة في ليبيا. وأردف: "هل من العدل أن نقول الآن بأن نتيجة كل هذا العمل كانت منحازة؟".

مراقبون يتخوفون من أن ما كشف عنه هو رأس جبل الفساد وتضارب المصالح وبأن الأمر لا يقتصر على ما تم كشفه فحسب.

 الباحث الأكاديمي والناشط الليبي في طبرق  محمد الجراح، يقول معلقا: "الأمر أكبر من ذلك بكثير، فهناك الكثير من الأمور الأخرى التي يمارسها الكثير من اللاعبين الآخرين، والتي تعمل على تعقيد المشكلة الليبية، في الوقت الذي لا ينبغي أن تكون فيه المشكلة الليبية معقدة لهذه الدرجة".

وليون لا يحاول ستر عورته بعد الكشف عنها ويتمادى في اعترافاته حول عمله مع الإمارات فيما يدير حوار سياسيا بين أطراف النزاع في ليبيا، فيما يطبق الصمت الرهيب في أروقة الأمم المتحدة بنيويورك التي تلتزم صمت القبور في مواجهة "إنجازات ليون "التي لا يعرف أحد ما هي باستثنائه هو ومن يوظفه!!!!