مقالات مختارة

ما سنفعله بعد إزالة المنطقة الخضراء

1300x600
كتب علي حسين: كان يفترض، وفقا لبيان رئاسة الجمهورية، أن تنطلق المصالحة الوطنية من مكتب رئيس الجمهورية، لكن على بعد مئات الأمتار من مقر الرئيس، كان مكتب رئيس الوزراء يعلن بصريح العبارة أن المصالحة الوطنية هي من اختصاص السيد حيدر العبادي حصرا، وكنت مثلكم قد سمعت وشاهدت وقرأت أن السيد سليم الجبوري سيقدم مشروعا متكاملا للمصالحة وأخبرتنا "المستشارة" وحدة الجميلي أن المصالحة يجب أن لاتخرج إلا من غرفة رئيس مجلس النواب وحصرا مرة أخرى. 

لكن الأمريكان يخبروننا أن المكان هذه المرة لن يكون المنطقة الخضراء، ولا قصر السلام ولا قبة البرلمان، هذه المرة تنزانيا هي الحل. هل هذا مشهد كوميدي؟ ربما البعض من ساستنا يريد أن ينافس برامج "التوك شو" فقرر أن يجعل من السياسة برنامجا ساخرا.

إذا كان هناك من يشك في أن تنجح النسخة العراقية الكوميدية، فقد كنت بين المشككين ايضا، لكنني ما أن قرأت توضيح مكتب رئيس الوزراء حول المقصود بعبارة "القائد الضرورة" حتى أيقنت أننا نسير بخطى ثابتة لترسيخ مفهموم "هزليات الساسية".

السياسي العراقي لايقبل المزاح، وإلا فإن كل حديث عن نهب المال العام والقتل على الهوية وأرقام المهجرين يعرض الأمن الوطني والسلامة العامة للخطر، ويعيق ساسة البلاد والدولة عن إتمام أعمالهم "العظيمة". 

لاحِظ جنابك الكريم أن من بين أبرز أخبارنا افتتاح شارع واحد في المنطقة الخضراء، يا سادة "شارع في الخضراء هذا أقصى ما تتمناه الحكومة، وأقصى ما نفرح به هذا الشعب الذي لايزال يحتل المراتب الاولى في البؤس والخوف والتشرد، وأضيف لها رقم جديد حملته لنا هذه المرة صحيفة وول ستريت جورنال التي أكدت أن هذه البلاد أسوأ مكان في العالم يمكن للمرء أن يلقى حتفه فيه من حيث العناية الطبية وتوفر الأمن والأمان. 

كل يوم أحلم، بمصالحة وطنية على طريقة نيلسون مانديلا، لا على طريقة عامر الخزاعي، طريقة الرجل الذي خرج من السجن، ليطرد من حوله الضغينة والبغضاء والثأر وإقصاء الآخر. 
ياسادة نحن في حاجة الى سياسيين شجعان يصنعون المصالحات الحقيقية، هنا في بغداد حصرا، نحن في حاجة الى شجعان يفتحون اذرعهم للصفح، لسنا في حاجة الى افتتاح شارع مظلم في المنطقة الخضراء، نحن في حاجة الى ان نفعل ما فعله الالمان بعد اسقاط جدار برلين، حين حولوا بغضاء الماضي الى مجرد ذكريات مضت.. في مذكراته يكتب موحد المانيا هلمت كول: "أعيدوا قراءة التاريخ بهدوء، القضية الكبرى ليست ما فعله الجدار بنا، المسألة الاهم ما سنفعله بعد ازالة الجدار".

(عن صحيفة المدى العراقية- 8 تشرين الأول/ أكتوبر 2015)