في معركة خطب رؤساء دول العالم خلال الدورة الـ70 للجمعية العامة بالأمم المتحدة، هيمن خطاب
الإرهاب على مجمل الكلمات، وفي مهمة مستحيلة جهد الجميع في فك الارتباط بين الإسلام والإرهاب، إلا أن فحوى الخطابات تقر بمسلمة الإرهاب الإسلامي، وانفراد الدين الإسلامي بالعنف والتطرف. فمنذ أحداث 11 سبتمبر حدثت بعض خطوط الانفلات كما يطلق عليها دولوز، خلقت حالة من الاضطراب والبلبلة في حقل المتصوّرات والمقولات السّياسيّة الأساسيّة، فبحسب الفيلسوف والمحلّل النّفسي السّلوفيني زلافوي تجيجاك لم يعد من الممكن بعد 11 سبتمبر الإحاطة بمعقوليّة هذا الحدث وتبعاته المتلاحقة ما لم نعتبره قرينة أو أمارة انتقال من السّياسة إلى البيوسياسة.
لقد ارتبط الإرهاب السّياسيّ منذ 11 سبتمبر 2001 آليّا في وعي الغرب، والوعي الأمريكيّ تحديدا، بالإسلام، بحيث أضحى المسلم منتميا بحكم ذلك إلى فئة "هؤلاء النّاس الّذين يسمّمون الوجود"، أو ممثّلا لهذه "الذّات السّامّة" الّتي يشمل نعتها بالسّامّة عدّة مجالات طبيعيّة وثقافيّة ونفسيّة وسياسيّة، كوّنت معا سجلاّ جامعا يضمّ المهاجر الّذي يحمل مرضا فتّاكا يقتضي عزله، أو الإرهابيّ الّذي ينبغي وضعه في غواتانامو، أو الإيديولوجيا الأصوليّة الّتي تنشر الحقد والكراهية، خصوصا "المسلم الأخير" الّذي مثّله الإرهابيّ بوجوهه الكثيرة المنتثرة جغرافيّا هنا وهناك بين محاربي طالبان، ومساجين غواتانانمو، والمقاومين الفلسطينيّين، وأعضاء القاعدة، وغيرهم، وإذا كانت هوية الإرهابي ذاتية غير موضوعية نظرا لكون الإرهاب مفهوم مفروض غير مفترض تفرضه سلطة الفرض الاعتباطية، فقد بات المسلم الأخير إرهابيا بالضرورة، ولا جدوى من خطابات المسلم المعتدل.
لكن ماهي النسبة المئوية للهجمات الإرهابية التي يرتكبها المسلمون في الولايات المتحدة وأوروبا؟، لا شك بأنها ضئيلة جدا بحسب الإحصاءات الرسمية الموثوقة، لكن ذلك لا ينفي صفة الإرهابي عن المسلم، فبحسب العبارة الشائعة لدى المعلقين الغربيين" ليس كل المسلمين إرهابيين، ولكن كل الإرهابيين مسلمون"، الأمر الذي يتلازم مع متلازمة سؤال المسلمة الإنكارية: و"لماذا لا نرى إرهابيين مسيحيين، أو بوذيين، أو يهود؟"، وهو سؤال تولد عن إزاحة حدث 11 سبتمبر الاستراتيجية المقصودة التي روجت لها وسائل الإعلام المضللة، والتي حجبت حقيقة أن الغالبية الساحقة من أولئك الذين ارتكبوا الهجمات الإرهابية في الولايات المتحدة وأوروبا ليسوا مسلمين.
لقد بلغت نسبة الهجمات الإرهابية التي ارتكبت في أمريكا وأوروبا من قبل المسلمين على مدى السنوات الخمس الماضية أقل من 2 في المئة، كما أشارت يوروبول، وهي وكالة إنفاذ القانون في الاتحاد الاوروبي، في تقريرها الذي صدر في العام الماضي؛ وبأن الغالبية العظمى من الهجمات الإرهابية في
أوروبا ارتكبت من قبل الجماعات الانفصالية، وعلى سبيل المثال، في عام 2013، كان هناك 152 هجوما إرهابيا في أوروبا، اثنين منهم فقط "ذات دوافع دينية"، بينما كانت 84 من الدوافع مبنية على العرقية والقومية أو الانفصالية.
جماعات مثل (FLNC) فرنسا، التي تنادي بدولة مستقلة في جزيرة كورسيكا، قام إرهابيوها في ديسمبر 2013 بهجمات صاروخية متزامنة ضد مراكز الشرطة في مدينتين فرنسيتين. وفي اليونان قامت الحركة اليسارية المتشددة والمعروفة باسم القوات الثورية الشعبية في أواخر عام 2013 بقتل اثنين من اليمينيين من أعضاء حزب سياسي يدعى الفجر الذهبي. بينما في إيطاليا، هناك مجموعة (FAI) الفوضوية التي تورطت في هجمات إرهابية عديدة بما في ذلك إرسال قنبلة لأحد الصحفيين، والقوائم لا تنتهي، ولكن دون الإشارة إليها وتغطيتها، لا في الغرب ولا في العالم العربي والإسلامي فهي ليست إسلامية.
لا تبدو عملية الربط بين الإسلام والإرهاب اعتباطية، وإنما تشير إلى استراتيجية للهيمنة ترتبط بالتجربة التاريخية الصراعية بين الشرق والغرب، والتي باتت راسخة في العقل الغربي باعتبار الإسلام ينطوي على عنف بنيوي، فقد سارعت التقارير الإخبارية التي صدرت عقب تفجير أوكلاهوما سيتي في الولايات المتحدة في 19 نيسان/ إيريل 1995، والذي قام به تيموثي ماكفي وأسفرت عن مقتل 168 شخصا، إلى ربطه بالإرهاب الإسلامي، وتبرع "الخبراء" بالادعاء أن الهجمات تحمل بصمات الإرهاب "الشرق أوسطي" و"الإسلامي"، وعندما كشفت هوية ماكفي كمنفذ للعملية، لم يربط الإعلام الأمريكي "مسيحيته" بالهجمات، بذات الطريقة التي أدين بها "الإسلام" عقب الهجوم، بل جرى التعمية على هويته الدينية والإيديولوجية، وتم التركيز على حالة الإحباط النفسية المرتبطة بخدمته العسكرية وميوله وشكواه السياسية باعتبارها الأسباب الجذرية وراء العنف، وبما أن
المسيحية هي الديانة الأوسع انتشاراً في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، فقد تفهم معظم الأمريكيين والأوروبيين وجود نوع من المسيحية التي يدّعيها ماكفي تستند إلى تفسير متطرف ومسيّس لا علاقة لها بالتيار المسيحي الرئيس في الغرب.
وعندما نفذ أندريس بيرنغ بريفيك هجوما على مبان حكومية في وسط مدينة أوسلو، وعلى المخيم الصيفي لحزب العمال، في 22 تموز/ يوليو 2011 والتي أسفرت عن مقتل 85 شخصا وإصابة المئات، سارعت التقارير الإخبارية على ربط الهجمات بالإرهاب الإسلامي، وعلى الرغم من أن بريفيك مسيحي متطرف كان يصف نفسه بأنه "صليبي يقف في وجه مد إسلامي وأنه أصولي مسيحي معاد للإسلام والمهاجرين"، إلا أن وسائل الإعلام لم تصفه بــ"الإرهابي" وجرت التعمية على مسيحيته كما حدث مع ماكفي واعتبر فعله فرديا ويرتبط بتفسير متطرف للمسيحية يناهض التيار المسيحي الرئيس في الغرب.
مسلمة الإرهاب الإسلامي تقوم على عمليات تغطية تحجب الحقيقة، إذ لا نكاد نسمع عن البوذية سوى كونها ديانة انسانية مسالمة، ولا نظفر بأخبار عن إرهابيين بوذيين مثلا، مع أن المتطرفين البوذيين قتلوا العديد من المدنيين المسلمين المسالمين في بورما، وسريلانكا، وغيرها بأبشع الطرق من الذبح والحرق، أما الإرهاب الصهيوني واليهودي فالحديث عنه محرم خشية الملاحقة بتهمة اللاسامية، إذ لا تحلم بأن تسمع في وسائل الإعلام عن الإرهابيين اليهود، على الرغم من توفر تقارير رسمية موثوقة، ففي تقرير وزارة الخارجية الأمريكية 2013 عن الإرهاب، كان هناك 399 من الأعمال الإرهابية التي ارتكبت من قبل المستوطنين الإسرائيليين ضد الفلسطينييين، وهؤلاء الإرهابيون اليهود هاجموا المدنيين الفلسطينيين مما تسبب في إصابات جسدية لـ 93 منهم، بالإضافة إلى تخريب عشرات المساجد والكنائس المسيحية، أما الجرائم الإرهابية لجيش الاحتلال الإسرائيلي وقتله لآلاف الفلسطينيين، فيقع في عرف وسائل الإعلام باعتباره دفاعا عن النفس.
في الولايات المتحدة، نسبة الهجمات الإرهابية التي ارتكبها مسلمون ضئيلة كما هو الحال في أوروبا، فقد كشفت دراسة أجراها مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI حول الأعمال الإرهابية التي ارتكبت على الاراضي الأمريكية بين عامي 1980ـــ 2005م ، أن 94% من الهجمات الإرهابية ارتكبتها أشخاص غير مسلمين. والواقع، 42? من الهجمات الإرهابية نفذت من قبل مجموعات ذات صلة بأمريكا اللاتينية، تليها 24% ارتكبها ناشطون من اليسار المتطرف، كما كشفت دراسة أجرتها جامعة ولاية كارولينا الشمالية عام 2014، أنه منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001م، فإن الأعمال الإرهابية ذات الصلة بالمسلمين أودت بحياة 37 شخص من الأمريكيين، فيما بلغ وخلال تلك الفترة الزمنية نفسها، قتل أكثر من 190 ألف من الأمريكيين.
خلاصة القول بأن الإرهاب الإسلامي بات مسلمة لا تحتاج إلى نظر واستدلال، وهي مسلمة تفتقر إلى الحقيقة ولا تستند إلى الوقائع، إلا أنها تبدو فاعلة مع وجود طائفة واسعة من الدكتاتوريين المسلمين الذين يصرون على وصف فئات وقطاعات واسعة من مواطنيهم وشعوبهم بالإرهابيين الإسلاميين، وذلك تماهيا مع رغبات رعاتهم الإمبرياليين الغربيين، أولئك الإمبرياليون الذين يقتلون المسلمين في طول العالم وعرضه، هل نحتاج إلى التذكير بآلاف القتلى من الإرهابيين الإسلاميين على يد الرئيس المؤمن بشار الأسد، أو على يد الولي السيسي، أو الإمام المالكي، وبقية القائمة تعرفونها، لكن أولئك الأئمة المسالمون للإمبريالية لا يكتفون بقتل شعوبهم من الإرهابيين المسلمين، بل يستدعون إلى حفلاتهم السادية من هي ودب من أوباش العالم، لتخليصهم من المسلم الأخير.