أعرب مبعوث الأمم المتحدة لليبيا، برننادينو ليون، عن أمنيته أن تكون الجولة الحوارية الجارية الآن في صخيرات المغرب هي الأخيرة، وعبر ليون مرات عن هذه الأمنية مؤخرا. ونتساءل في هذه السانحة: هل تمنياته واقعية، ومبرراته كافية لإقناع وطمأنة الرأي العام الليبي بأن هذه الجولة الحوارية يمكن أن تكون الأخيرة؟
كثير من المراقبين يرون أن ليون يتصرف تحت ضغوط ويتحرك وفق دوافع بعضها لا علاقة لها بالحوار الدائر بين الفرقاء الليبيين. فمن ينتقدون ليون بشدة يدللون على مواقفهم بأخطاء عديدة ارتكبها المبعوث الأممي، جعلتهم يخلُصون إلى نتيجة مفادها أن التركيز الأكبر لليون هو على مستقبله السياسي في مدريد، وأن عجلة الحياة السياسية في اسبانيا والتي يبحث لنفسه فيها عن موقع متقدم تجعله يقع في مطبات فيما يتعلق بالملف الليبي، وكأنه في سباق مع الزمن خارج الجغرافيا السياسية الليبية.
استمعت إلى كلام بعض النشطاء الليبيين، خلاصته أن ليون يتعمد "الجري" بأطراف النزاع بِنية سوداء، والغرض من ذلك تأزيم علاقة الأطراف المتحاورة، ودفع البلاد باتجاه الهاوية خدمة لأجندة خارجية مشبوهة، ومستندهم هو التخبط الملحوظ والإنقلاب المتكرر على المواقف والتصريحات، والذي لا يمكن تفسيره فقط بتعقيدات الوضع الليبي وبضغوط تقع على المبعوث الأممي. وقد يكون في هذا الموقف بعض من المبالغة، ولكن الخبط العشوائي يمنة ويسرة يفسح المجال لمثل هذه التفسيرات.
تتهم أطراف النزاع "ليون" مرات عديدة بأنه لا يثبت على موقف ولا يلتزم بتعهد، ومما لا شك فيه أن ليون ارتبك واضطرب وتخبط بشكل كبير في الجولات الأخيرة، وعند صياغة المسودتين الرابعة والخامسة.
وقد فاجأ "ليون" وفد المؤتمر الوطني العام بمسودة، هي الخامسة، تختلف تماما عما تم التوافق عليه، الأمر الذي دفع رئيس وفد المؤتمر للخروج للإعلام غاضبا، كشف فيه عن تغيير جذري في المسودة التي تم تسليمها للوفد، مشيرا في ذات التصريح إلى ضغوط وتهديدات من أطراف دولية راعية أو متابعة للحوار، الأمر الذي حدى بأنصار المؤتمر للتظاهر والحشد، لصالح رفض التوقيع على المسودة، ويبدو أن جهودهم أثمرت.
اجتماع إسطنبول الأسبوع الماضي الذي ضم ليون و 27 عضوا من المؤتمر الوطني، كانت نتائجه مناقضة لما أعلن عنه "ليون" أثناء التوقيع بالأحراف الأولى على المسودة الخامسة، وقوله أنه لا يمكن التعديل على الوثيقة وأن النقاش والتعديل يكون في الملاحق فقط. فقد أعلن ليون أنه أقر سبع نقاط من بين تسع تمثل تحفظات ومطالب المؤتمر الوطني، والتي تشكل في مجموعها خلاصة أسباب رفض المؤتمر للمسودة الخامسة، ووعد بفتح "الشمع الأحمر" وذلك لقاء أن يحضر وفد المؤتمر لجنيف ويكون في الموعد في الصخيرات.
وأعلن المجلس عن موقفه في بيانه الأخير رافضا النقاش حول المسودة الموقع عليها بالأحرف الأولى، ومعلنا عن سقف أعلى في التفاوض القادم مضمونه؛ رفض النقاش حول منصب قائد الجيش، والإصرار على حق التفرد بتعيين رئيس الحكومة التوافقية وأحد نائبيه.
هذه المعطيات التي أضعها بين يدي القارئ كفيلة بنسف أماني ليون، الذي يبدو أنه شعر بصعوبة الموقف، فلوح باستقالته في حال فشلت الجولة الحوارية الحالية، وهي أيضا تؤكد أن الحضور الدولي لرأب الصدع الداخلي أساسي للوصول إلى توافق، لكنه لا يمكن أن ينجح منفردا وبدون جهود محلية تلملم الشعث وترمم مساحة من الخرق.
الهوة بين الفرقاء كبيرة، والمتصلبون لا يبالون باتساعها، ويكشف عن ذلك تصريحاتهم وممارساتهم التي تهدم أي أساس للثقة، وتغيير هذا الموقف ضروري لإنجاح الحوار، وللوصول إلى الأهداف المنشودة منه.
وبالتالي فالمقاربة المثلى للدفع بالحوار إلى الأمام، أن يقترن بجهود محلية وطنية يتصدرها المعروفون بوطنيتهم وببعدهم عن المناكفات، يكون هدفها تعزيز الحوار وجسر جزء من الهوة، وتمهد لقبول خلاصاته والتفاعل الإيجابي معها من قبل كل المكونات السياسية والعسكرية والإجتماعية والمجتمعية في كافة ربوع البلاد.