ملفات وتقارير

ماذا يعني تزويد روسيا لإيران بمنظومة صواريخ "أس-300"؟

تهدد روسيا من خلال صفقتها مع إيران بأن تقوّض المصالح الغربية - أ ف ب
أعلن وزير الدفاع الإيراني العميد حسين دهقان، الشهر الماضي، أن روسيا ستسلم إيران منظومة صواريخ "إس- 300" الحديثة، وتناول معهد واشنطن في تقرير له أبعاد تزويد روسيا لإيران بمنظومة الصواريخ الحديثة هذه، حيث قال إن لعملية نقل هذه الصواريخ تبعات عسكرية بعيدة المدى.

وبحسب التقرير الذي أعده مايكل آيزنشتات، وهو مدير برنامج الدراسات العسكرية والأمنية في معهد واشنطن، بالإضافة إلى أستاذة مساعدة في "مركز الدراسات الأوراسية والروسية والأوروبية الشرقية" في جامعة جورج تاون، بريندا شيفر، فإن هذه العملية تُشكّل "عاملا محتملا يغيّر قواعد اللعبة، ذلك أنّ الدفاعات الجوية الإيرانية الحالية ضعيفة نسبيا، وتعاني فجوات في التغطية والقدرة". 

وأوضح تقرير المعهد أن "من شأن منظومة الـ"أس-300" أن تمثّل تحديثا مهما لقدرات إيران، بيد أن جزءا كبيرا من هذا التحديث يتوقّف على النموذج المُرسَل، وعدد الصواريخ، وكفاءة الطواقم الفنية والتكتيكية". 

أما من الناحية العملياتية، فإن هذه المنظومة "ستُرغِم الطرف المهاجم على تحويل مكامن قوته نحو صدّ الدفاع الجوي، بعيدا عن المهمة الأساسية، مثل ضرب المنشآت النووية" بحسب التقرير. 

وأضاف أن من شأن هذه المنظومة أن تمنح إيران، وللمرّة الأولى، القدرة على اعتراض القذائف الانسيابية مثل "توماهوك"، والصواريخ الباليستية القصيرة ومتوسطة المدى، مثل "أريحا" الإسرائيلية، و"سي إس إس 2" و"سي إس إس 5" السعودية. 

وتخوّف التقرير من أن تُقرّر طهران أيضا نقل بعض صواريخ الـ"أس-300" إلى سوريا، بصورة مماثلة لقيام دمشق بإعطاء طهران صواريخ "سام"، من طراز "بانتسير أس 1/ أس أي-22"، التي كانت سوريا قد تلقّتها عام 2007، على الرغم من أنه في هذه الحالة، كانت إيران قد قدّمت الأموال اللازمة لعملية الشراء الأصلية التي قامت بها سوريا.

ومع ذلك، ذهب التقرير إلى أنه بإمكان عوامل عدة أن تخفّف من أثر عملية نقل الـ"أس-300". فالولايات المتحدة وإسرائيل على علاقة جيدة مع العديد من الدول التي تستخدم الـ"أس-300" مثل اليونان وسلوفاكيا وأوكرانيا، لذا فإنّ أجهزة مخابرات الدولتين هي على دراية بقدرات هذه الصواريخ، ومكامن ضعفها، كما يرجح. 

بالإضافة إلى ذلك، أورد المعهد الأمريكي أنه سيتمّ دمج منظومة الـ"أس-300" الإيرانية مع شبكة الدفاع الجوي التي يتخلّلها الكثير من الحلقات الضعيفة، ما يجعل الصواريخ عرضة للخطر. 

وفي حين أنّ القوات الأمريكية والإسرائيلية قادرة على التعامل مع الـ"أس-300"، إلّا أنّ وجود مثل هذه المنظومة "من شأنه أن يجعل أيّ عملية جوية (على سبيل المثال، توجيه ضربة وقائية ضد البنية التحتية النووية الإيرانية) أكثر تعقيدا ومجازفة، وربما أكثر كلفة"، بحسب ما ذهب إليه الخبيران معدا التقرير. 

وقالا إن هذه الصواريخ قد تشجّع طهران على اتخاذ مخاطر أكبر في مجموعة من المجالات، إيمانا منها بأنّ امتلاك صواريخ "سام" أكثر تطوّرا من شأنه أن يجعل ردّ خصومها أكثر كلفة.

نتاج الاتفاق النووي

واعتبر التقرير أن هذه العملية تمثل إحدى النتائج الأولية للاتفاق النووي مع إيران، حيث إنها أحيت المفاوضات حول بيع صواريخ أرض - جو (صواريخ "سام") الروسية من طراز "أس-300" إلى إيران.

وأشار المعهد الأمريكي إلى أن إيران تحاول منذ فترة طويلة الحصول على صواريخ "أس-300" لتعزيز دفاعاتها الجوية وحماية بنيتها التحتية النووية. 

وقد وقّعت طهران وموسكو في الأصل على عقد بقيمة 800 مليون دولار لشراء الـ"أس-300" في كانون الأول/ ديسمبر 2007، بعد مفاوضات مشحونة وطويلة دامت ثماني سنوات. 

وفي أعقاب اعتماد قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1929 في حزيران/ يونيو 2010، الذي حظّر نقل معظم الأسلحة إلى إيران دون أن يشمل صواريخ "سام"، أعلنت روسيا بعد ثلاثة أشهر أنّها لن تنفّذ العقد، وأعادت إلى إيران دفعتها الأولى التي بلغت 166،8 مليون دولار. 

وبناء على طلب واضح من الولايات المتحدة وإسرائيل، وافقت موسكو على توسيع حظر قرار مجلس الأمن الدولي ليشمل الـ"أس-300" من أجل الضغط على طهران، لكبح برنامجها النووي. 

وبحسب التقرير، فمن المرجّح أن تكون قرارات إسرائيلية عدة سابقة سهّلت إلغاء روسيا للصفقة، من بينها وقف التعاون العسكري مع جمهورية جورجيا، استجابة لطلب الروس في آب/ أغسطس 2008، وبيع المركبات الجوية المتطوّرة دون طيار إلى موسكو في نيسان/ أبريل 2009، وإبرام اتفاق تعاون عسكري مع روسيا في أيلول/ سبتمبر 2010. 

ومن بينها أيضا قرار الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلغاء مدّ نطاق سياسة منظمة "حلف شمالي الأطلسي" ("الناتو") الدرع الواقي من القذائف لبولندا وجمهورية التشيك في أيلول/ سبتمبر 2009. 

لكن، بعد أن أعلنت واشنطن عن الاتفاق النووي الإطاري مع إيران في نيسان/ أبريل الماضي، أصدر مكتب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرسوما رفع بموجبه الحظر المفروض على نقل صواريخ الـ"أس-300". 

ومنذ ذلك الحين أكّد المسؤولون الروس والإيرانيون أنّ عملية النقل ستجري قبل نهاية العام أو في مطلع عام 2016.

العلاقة الإيرانية الروسية

تناول الباحثان الأمريكيان في تقريرهما، الذي نشراه في موقع معهد واشنطن، طبيعة العلاقة بين طهران وموسكو، حيث قالا إن علاقة روسيا بإيران تختلف عن علاقاتها بمعظم الدول الأخرى.

وأوضحا أن الدولتين تتشاركان حدودا بحرية في بحر قزوين، ولكلّ منهما القدرة على الإضرار بالمصالح الحيوية للطرف الآخر. 

وقالا إن العلاقات الثنائية بين البلدين تتأثّر كثيرا في وضع علاقتيهما مع الولايات المتحدة. فعندما تكون العلاقات الأمريكية - الروسية جيّدة، توافق موسكو على الامتناع عن تزويد طهران بالـ"أس-300" وبأسلحة أخرى. أمّا في فترات التوتّر، فتبرز التصريحات أو التقارير الصحفية الروسية حول خطط لتقديم الـ"أس-300".

وبينما تأخذ طهران في عين الاعتبار فرصا جديدة للتعاون مع أوروبا، وربما مع الولايات المتحدة في أعقاب إبرام الاتفاق النووي، سوف تحتاج موسكو إلى صياغة استراتيجية جديدة من أجل حماية مكانتها في إيران. 

فقد يشير إحياء صفقة الـ"أس-300" إلى أنّ روسيا يمكن أن تقوّض المصالح الغربية من خلال عمليات نقل الأسلحة، إذا لم يتم احترام مصالحها الحيوية. 

وقد تكون هذه الخطوة أيضا تذكيرا بأنّ روسيا هي الدولة الوحيدة المستعدّة لتلبية الاحتياجات العسكرية الإيرانية والقادرة على ذلك. 

وأشار تقرير المعهد إلى ما ورد في تقارير وسائل الإعلام، حيث قالت إنّ البلدين يبحثان في إبرام صفقات أسلحة أخرى، على الرغم من أنّه ليس واضحا ما إذا كانت هذه المحادثات جدية أو مجرّد وسيلة لتعزيز نفوذهما في المفاوضات حول الـ"أس-300".

وذكر التقرير أنه في حين أن هناك مصالح استراتيجية تربط بين موسكو وطهران، مثل المعارضة المشتركة للسياسات الأمريكية في المنطقة، إلّا أنّهما خصمان استراتيجيان في عدد من المجالات أيضا، بما في ذلك التنافس على أسواق الغاز الطبيعي، وعلى النفوذ في القوقاز وآسيا الوسطى. 

العقبات المحتملة

وتناول تقرير المعهد الأمريكي عقبات محتملة فنية أو تعاقدية. فعملية تحديث الـ"أس-300" التي كان يستخدمها الجيش الروسي سابقا، من المرجح أن تستغرق بعض الوقت، الأمر الذي يؤجّل تاريخ تسليمها إلى عام 2016 أو بعده. 

وإذا استقرّت إيران في النهاية على شراء الصواريخ من طراز "أنتاي-2500"، فعليها أن تنتظر دورها، إذ أفادت بعض التقارير بأنّ مصر وقّعت عقدها الخاص لشراء هذه المنظومة من الصواريخ. 
وعلاوة على ذلك، واجهت محاولات وضع اللمسات الأخيرة على العقد مع إيران بعض المشكلات. 

فقد أصرّت روسيا على أن تسحب طهران الدعوى القضائية ضدّ شركة "روسوبورون إكسبورت" قبل توقيع العقد، بينما أعلنت إيران أنّها لن تفعل ذلك إلى أن يتم تسليم الصواريخ. 

ووفقا لما أفادته التقارير، فإن الخلافات بشأن الشروط أخّرت التوقيع أيضا، كما حصل قبل أكثر من عقد من الزمن. 

وبحسب التقرير، فإن من المفارقة أنّ التأخير المستمرّ قد يناسب روسيا. فموسكو تنظر إلى إيران بعين الريبة العميقة، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى قدرتها على تهديد المصالح الروسية في القوقاز وآسيا الوسطى، والسخط بسبب صعوبة المفاوضات السابقة، لذلك يبدو أنّ الكرملين راض باستخدام صفقة بيع الـ"أس-300" المحتملة ورقة ضغط على الولايات المتحدة وإسرائيل. 

فعلى سبيل المثال، تريد روسيا الضغط على أمريكا وإسرائيل لكي تمتنعا عن نقل الأسلحة إلى أوكرانيا. 

ومن منظور سياسي، تعدّ إمكانية عملية البيع صفقة ذات قِيمة أكبر بالنسبة إلى روسيا من إتمام العملية، ولذلك قد تكون هناك مصلحة لموسكو في تعزيز ميل إيران لإطالة المفاوضات.

أهداف أخرى

وذهب تقرير معهد واشنطن إلى أن عملية نقل صواريخ الـ"أس-300" إلى إيران تبدو بعيدة عن أن تكون أمرا محتوما، مشيرا إلى أن آخر محاولة روسية لإحياء المفاوضات حول المنظومة الصاروخية قد تكون ببساطة محاولة أخرى لاستخدام التهديد بنقل الأسلحة لتحقيق أهداف أخرى. 

وأضاف أنه على الرغم من إمكانية إتمام الصفقة في النهاية، إلّا أنّه من المستبعد حصول ذلك بسرعة. فإن أخْذ الولايات المتحدة وحلفائها مصالح موسكو الحيوية على مختلف الساحات بعين الاعتبار قد يكون أفضل وسيلة لتأخير الصفقة أكثر وأكثر، وهي لا تزال تواجه عقبات فنية -عسكرية واستراتيجية كبيرة، ليس آخرها ميل طهران إلى إثارة سخط الشركاء المحتملين من خلال تأدية دور أكبر من ثقلها في المفاوضات.

وأشار المعهد إلى أنه إذا عُقدت الصفقة في المرحلة القادمة، فليس من الواضح أيّ طراز صاروخي ستتضمّنه، حيث إن الـ"أس-300" تنتمي في الواقع إلى عائلة صواريخ "سام" التي يُنتجها مكتبا تصميم مختلفين. 

وزاد المسؤولون الروس الأمور اضطرابا بالإيحاء بأنّ إيران اشترت في الأصل نسخة لم تعد في خط الإنتاج (صواريخ الـ"أس-300" من طراز "ألماز بي أم يو-1/2"، المعروفة في الغرب باسم صواريخ "أس أي-10 غرومبل"/ "أس أي-20 غارغويل")، "ما يعني أنّ موسكو ستضطرّ إمّا إلى تحديث هذه النسخة المتقادمة، أو استبدالها بمنظومة أقلّ قدرة تردّد أن طهران لا تريد شراءها، وهي منظومة "أنتاي-2500" (المعروفة في الغرب باسم صواريخ "أس أي-12 أي غلادياتور" و "أس أي-12 جاينت"). 

ويُعدّ كلا طرازي "أس-300" نسخة تصديرية عن المنظومات الروسية الأكثر تقدّما.