"من مزايا ترسيم رأس
السنة الأمازيغية هو الاحتفال بها من طرف المؤسسات التعليمية، عبر تخصيص أنشطة لترسيخ هذه المناسبة، وربط جيل المستقبل بأرضه وأجداده.." بهذه العبارة، أعرب عدد من نشطاء مختلف مواقع التواصل الاجتماعي بالمغرب، عن أمانيه بالعام الجديد.
وفيما تتواصل الاحتفالات بعدد من المناطق
المغربية، بحلول السنة الأمازيغية الجديدة، المعروفة بـ"إيض ن يناير"، للعام الثاني، بعد اعتمادها "عطلة وطنية رسمية بقرار من الملك
محمد السادس" بتاريخ 03 آيار/ مايو 2023، يتجدّد النّقاش بخصوص مُكتسبات الحركات الأمازيغية بعد سنوات من النضال.
في هذا التقرير، ترصد "عربي21" جُملة من مظاهر الاحتفال بالسنة الأمازيغية في المغرب، مع تسليط الضوء على استمرار مطالب الحركات الأمازيغية بتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، من قبيل: استعمالها في الإدارات العمومية والوثائق الرسمية.
مسلسل نضالي
محطات كثيرة، سبقت اعتماد "السنة الأمازيغية"
مناسبة وطنية وعطلة مؤدى عنها، بينها "ترسيم اللغة الأمازيغية" بغية: "النهوض بها وجعلها لغة رسمية في البلاد باعتبارها أحد أركان الهوية المغربية المتعددة الروافد"، وذلك ضمن تاريخ طويل من النضال، قادته الحركة الثقافية الأمازيغية.
وبحسب ما رصدت "عربي21" من منشورات مختلفة، لنشطاء أمازيغ، عبر مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، فإن: ما تحقّق من مكتسبات، لحدود اللّحظة، يظل دون انتظاراتهم؛ إذ يجددون مطالبهم بـ"تنزيل كافة المشاريع القانونية المتعلقة بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية".
وكان المغرب يشدّد على "العربية" فقط، كلغة رسمية وحيدة للبلاد، دون غيرها من اللغات أو اللهجات الأخرى المشكلة للثقافة والهوية المغربية. إلى غاية سنة 1994، حيث أعلن الملك الراحل الحسن الثاني عن تخصيص نشرة إخبارية يومية باللهجات الأمازيغية الثلاث (تاريفيت،
تامازيغت وتاشلحيت) لأول مرة في التلفزيون العمومي.
ومع تولي الملك محمد السادس للحكم سنة 1999، بدأ المغرب، يولي أهمية أكبر للغة الأمازيغية. انطلاقا من: "خطاب أجدير" خلال الزيارة الملكية إلى إقليم خنيفرة، بتاريخ 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2001، والذي دعا فيه الملك محمد السادس إلى النهوض بالثقافة الأمازيغية وترسيخها.
إلى ذلك، باشر المغرب إجراءات لتنزيل مضامين الخطاب الملكي، عبر تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية سنة 2002، قبل أن يتقرّر خلال السنة الموالية 2003 إدراج اللغة الأمازيغية وتدريسها ضمن المناهج الدراسية الخاصّة بالمرحلة الابتدائية.
بعد تسع سنوات على "خطاب أجدير" تمّ إطلاق القناة التلفزيونية الثامنة "أمازيغت" خلال سنة 2010، لتبرز أكثر على المستوى الإعلامي. فيما بات النقاش يتجدّد أكثر، بخصوص مكتسبات "الأمازيغ" في المغرب، وكذا مطالبهم الملحّة مع حلول كل سنة أمازيغية.
الأمازيغية في الدستور
على الرغم من جُملة المكتسبات المتوالية، سنة تلو الأخرى، ظلّت مكتسبات الحركات الأمازيغية توصف من طرفهم بـ"الباهتة ودون المستوى المنشود"، مطالبين بـ"دسترة اللغة الأمازيغية، كلغة رسمية للبلاد إلى جانب اللغة العربية".
إلى ذلك، أتى دستور سنة 2011 ليلبّي المطالب الملحّة للشارع المغربي، المتزامنة مع ما يطلق عليه إعلاميا بـ"رياح الربيع العربي"؛ إذ استجاب الملك محمد السادس للمطلب.
وينص الفصل الخامس من الدستور على أن "تظل العربية اللغة الرسمية للدولة. وتعمل الدولة على حمايتها وتطويرها، وتنمية استعمالها. تعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء..".
وأبرز الفصل نفسه: "أن يحدد قانون تنظيمي مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكيفيات إدماجها في مجال التعليم، وفي مجال الحياة العامة ذات الأولوية، لكي تتمكن من القيام مستقبلا بوظيفتها بصفتها لغة رسمية".
"وجود تأخر كبير"
مُكتسبات مهمة، وتاريخ طويل من النضال توّج بما هو ملموس على أرض الواقع، غير أن مطالب الحركات الأمازيغية، لا تزال مستمرّة، والسبب هو وصفهم بأن: "تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، لا زال يواجه العديد من التحديات التي تحول دون استكماله، منها استعمالها في الإدارات العمومية والوثائق الرسمية".
وعبر بيان لها، أوضحت مجموعة الوفاء للبديل الأمازيغي، أنّ: "الاعتراف بفاتح السنة الأمازيغية الجديدة 2975 المعروف بـ"ايض ن إينّاير" يوم 14 يناير 2025، كعيد وطني ويوم عطلة رسمية مؤدى عنه لجميع المغاربة، يُعد مكسبا تاريخيا كبيرا نتيجة لتضحيات جسام ولنضال مرير من قبل أجيال الحركة الأمازيغية داخل الوطن وخارجه".
ودعت المجموعة، عبر البيان الذي وصل "عربي21" نسخة منه، لـ"ضرورة تجدير قيم الاحتفال الحضارية والثقافية لإيض ن إينّاير وتشييع قيم التضامن والانتماء والتشبث بروح الأرض والاعتزاز بالذات، وجعلها زخما وطنيا متناغما يوازي بين مظاهر الفرجة والاحتفال ومبادئ النقاش الفكري والثقافي والسياسي داخل المجتمع ومؤسسات الدولة..".
كذلك، اعتبرت المجموعة أنّ: "هذه المناسبة تعد فرصة لتقييم مسار تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية"، مبرزة "وجود تأخر كبير وغير مفهوم في تفعيل وتنزيل مضامين القانون التنظيمي 26/16 المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية".
"غياب إرادة سياسية لدى الحكومة في تفعيل حقيقي للترسيم الدستوري للأمازيغية وعدم وجود رؤية مندمجة واضحة لإدماج الأمازيغية في جميع مؤسسات الدولة والقطاعات العمومية ذات الأولوية أفقيا وعموديا" بحسب المصدر نفسه.
إلى ذلك، سجلت المجموعة أيضا: "ترسيخا لمنطق التراجعات والإهمال في ورش تدريس اللغة الأمازيغية، وعدم الوفاء بما هو منصوص عليه في القانون التنظيمي وعدم احترام الآجال القانونية في مسلسل إدماج الأمازيغية داخل المنظومة التربوية، بما في ذلك عدم تعميمها وعدم إدماج تدريسها في بعض الأسلاك التعليمية".
كذلك، وجّهت جُملة انتقادات إلى "تجميد وضعية اللغة الأمازيغية في الإعلام العمومي؛ وذلك يتم في خرق واضح لمبادئ الدستور في تدبير التعدد اللغوي والثقافي".
وختمت المجموعة، بيانها بالقول: "الأمازيغية محرومة من حقوقها في الميزانية العامة للدولة، ما ينعكس على مكانتها المحدودة جدا في السياسات العمومية للدولة"، مردفة أن: "تخصيص صندوق خاص بالأمازيغية، ليس سوى محاولة لتغطية الحكومة لهذا التهميش كما أنه يؤكد تخبطها في مسارات التفعيل وعدم جديتها في ذلك".