كتاب عربي 21

المجد للمناخير اللبنانية !!

1300x600
لم يتحمل اللبنانيون 6 أسابيع، قبل أن يثوروا على النفايات في بلادهم، مرة واحدة تصير الأغاني واقعا، لا مخدرا، "لبنان الكرامة والشعب العنيد"، في لبنان، وهذا لقاريء مصري: أزمة النفايات تعني أن الأماكن المخصصة لوضع أكياس الزبالة امتلأت عن آخرها، فاضت بحمولتها، صارت أكواما، ولكن في أماكن بعينها، ولقاريء غير مصري: أكوام النفايات في مصر في كل مكان، في الأماكن "الاستثنائية" لوضع القمامة، التي تتميز بها الأحياء الراقية، وفي غيرها، على جانبي الطريق، على الرصيف الضيق الذي يقسم بعض الشوارع الرئيسة، ذهاب وعودة، كل مكان لا تزينه من الخارج لافتة (منطقة عسكرية ممنوع الاقتراب أو التصوير)، فهو مقلب محتمل للزبالة، أما المناطق العسكرية فلديها حصانة أمنية، واكتفاء ذاتي !!

هذا هو واقع الحياة في مصر منذ 60 عاما، باستثناء بعض الأحياء الراقية، سيما التي يتركز فيها العسكريون، وإن شهدت بعض المحطات المؤسفة من الإهمال، ووصلت إلى حالة تتفوق فيها على النفايات الشامية، بمراحل، مدينة نصر نموذجا.

أسأله في العام الماضي: لماذا لا يثور اللبنانيون؟ فيجيبني الكاتب الصحفي الكبير حازم صاغية: لبنان لا يعرف الثورات، بلد طائفي، يحكمه ممثلو الطوائف، تلك التي تتناحر فيما بينها على لا شيء، أهون عليهم أن يلقوا العنت من أن ينتصروا لحقوق طائفة أخرى، تبدو المرارة في كلمات "صاغية"، رأيتها إجابة لرجل يتمنى على المستقبل أن يكذبه، وقد كان.

المجد للمناخير اللبنانية، تلك التي أدركت ما يقوله صاغية، وانتظرت فرصة يتجمع فيها الناس حول مطلب جماعي، مشروع، وحقيقي، كي تحوله من ثورة شعبية، على "كل" النفايات، السياسية، والاجتماعية، والطائفية، ثورة على لبنان الذي أراده السياسيون، فيما مل الناس منه، أرادوها بقرتهم الحلوب، فيما لم يردها اللبنانيون سوى خيمتهم، بيروت خيمتنا.

شركة النظافة "سوكلين"، عقدها انتهى، كان من المفترض أن تكون الحكومة مستعدة بالبديل، إلا أن ذلك لم يحدث، ما حدث هو تنافس ورثة النفايات: سعد الحريري، وليد جنبلاط، ميشال عون، نبيه بري، على العقد الجديد، تدوير طن الزبالة في لبنان ثمنه ضعف ثمن تدويرها في أي مكان بالعالم، مكاسب خرافية، سبوبة، فليحترق الشعب، لكن يجب على طرف أن يحسم المعركة أولا، الشعب قرر أن يحرقهم هم بنفاياتهم، وملأ الشوارع، وطورت نخبته، غير الطائفية، المطلب الجماعي، من ضرور حل مشكل النفايات إلى استقالة الحكومة، واسقاط النظام، واجراء انتخابات نيابية، ومحاسبة وزيري الداخلية والبيئة، وكل رجل أمن امتدت يده بالقمع على الشعب اللبناني.

جولة جديدة من الربيع العربي، أكثر ذكاءا و"أنفة"، يقوم بها شعب غير مؤهل للثورات من وجهة نظر حكامه، وما أورثوه من يأس واحباط لنخبته، هنا والآن، نخبة جديدة، شباب جديد، شباب الربيع العربي، يفكك هذه الرجعيات، ويصنع تاريخا أكثر احتراما للشعوب، وانسانيتها، وقيم التعايش، والاختلاف، والحرية، ويطور من أدواته، في لبنان، تحرك الشباب من الثوري إلى السياسي في ذكاء يليق ببلد "مسيس" بطبعه، مطالب واضحة، وحراك لا ينال منه إلى الآن، التطييف.

ما اتمناه، كواحد من أصحاب التجارب الفاشلة في إزاحة أنظمة الاستبداد "العميقة" هو "اتفاق" أصحاب الحق، في مواجهة أصحاب النفايات، على قيادة ثورية، محل ثقة واعتبار، وعدم الاغترار بمقولات الشعب هو القائد، وميزة هذا الحراك أنه شعبي، منزه عن الأغراض السياسية، الثورات بلا خطة وقائد، كالحرث في الماء، تمنيناها ثورة فكانت، لتكن ناجحة، ولو مرة، بالإمكان، فقط لو اتفقتم، إنه رهانكم، اكسبوه الآن.


للتواصل مع الكاتب عبر موقع فيس بوك:
https://www.facebook.com/mohamed.t.radwan
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع