أمس كانت "ليلة الدخلة"، واليوم "الصباحية" وفي العُرف تكون التهنئة بـ "صباحية مباركة يا عريس". فعندما تنشر هذه السطور، يكون مهرجان "تفريعة" قناة السويس، قد انفض، والضيوف في طريقهم لمطار القاهرة، بعد يوم صاخب، لتتحقق في المصريين الذين قرروا أن يفرحوا، اتساقا مع الشعار المرفوع "مصر بتفرح"، القول الشعبي المأثور: "العروسة للعريس والجري للمتاعيس"!.
رسميا، فإن العريس هو "عبد الفتاح السيسي"، الذي يعوض فشله في البر والبحر بالمهرجانات، إلى أن وصلنا للمهرجان الأخير، على الأقل لهذا العام، وقد كانت مهرجاناته السابقة، وآخرها مهرجان المؤتمر الاقتصادي، تنتهي بمجرد عودة "المعازيم" إلى ديارهم، وظل الأمل معقودا في المهرجان الأهم، كما بشر به وهو افتتاح "قناة السويس الجديدة" كما يقول إعلامه.
وتبدو الأزمة هنا أن العروس التي زينوها لبعلها، لم تكن على النحو الذي جرى تسويقها به، فالتفريعة ليست أكثر من سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء، وكما قيل إن "الجائع يحلم بسوق الخبز"، فإن المصريين الذين سايروا الدعوة للفرح، لن يجدوا على النار هدى، فليس ما جرى الترويج له عن الإيرادات التي ستتحقق بفضل "القناة الجديدة"، سوى الوهم بشحمه ولحمه، ليذكرنا الصخب الإعلامي بدعوة الرئيس السادات المصريين أن ينتظروا "عام الرخاء" الذي لم يأت أبدا. ويبدو أنه صار "مكتوبا علينا قلة الراحة"، كما غنى "فهد بلان"، وما جناه المصريون من وراء المؤتمر الاقتصادي هو ما سيتم جنيه من وراء "التفريعة"!.
لا أستهدف أن أنكد على "بني وطني"، فلم يكن لدي ما يمنع من أن يفرحوا لولا أن تأثير الصخب الإعلامي، مثل تأثير "سيجارة البانجو"، وحسبي أن تأثير الدعاية قد زال الآن بعد أن ذهبت "العروسة للعريس"، ونال السيسي شرعية لحظية هي غاية ما يمكن أن يحلم به من إنجازاته الوهمية، ومؤكد الآن أنه في حكم الذين جروا وقد ذهبت العروس لبيت أبيها، وصار الحديث عن الشرعية يذكر بالرئيس المختطف الدكتور محمد مرسي!.
ولست كذلك أتربص بالسيسي حتى إذا فشل وجدت ما يدعم موقفي الرافض له، فرفضي له ليس مؤسسا على فشله، ولكن لأنه جاء للسلطة بانقلاب عسكري، أطاح فيه بالإرادة الشعبية، وتأييدي لأن يستكمل الرئيس محمد مرسي لدورته، كان انحيازا لمبادئ الديمقراطية، ولم أكن وأنا أتخذ هذا الموقف مبكرا أراه رئيسا ناجحا. بطبيعة الحال لن يعرف قيمة أمه إلا من يتعامل مع زوجة أبيه، ولا يعرف قيمة مرسي إلا من يشاهد السيسي يتخبط في بحر لجي من الفشل.
لو نجح السيسي لما غير هذا من طبيعة موقفي منه، كقائد جيش تمرد على الرئيس الشرعي للبلاد، وجاء للحكم على ظهر دبابة، وفشل السيسي جاء بعد ذلك، وبعد موقفي الرافض له من حيث المبدأ، ولم يمكن لدي مانع في أن ينجح في مشروع أو ملف، فالشرعيات لا تتأسس بنجاح مهما كان حجمه، وإلا لجاز لنا أن نطالب بعودة الاستعمار الفرنسي، وإعلان الولاء لمرحلة الباب العالي ولمرحلة ما قبل ثورة يوليو 1952؛ فحفر قناة السويس، وليس مجرد "تفريعة" اختمرت كفكرة في رأس نابليون بونابرت، وإن كان لم ينفذ في عهده، فقد أقنع به مبعوثه ديليسبس الخديوي سعيد، وحصل على موافقة "الباب العالي" على مشروع الحفر، وهو إنجاز يحسب للمستعمر، ولعهد ما قبل حركة ضباط الجيش، ولم يشفع المشروع على عظمته لمن كانوا خلفه، فكان جلاء المستعمر هدفا وطنيا، ومع هذا الإنجاز فقد أيد المصريون ثورة يوليو وضباطها!.
فقناة السويس، لم تمنح أصحابها شرعية، لتمنح "تفريعة" لها شرعية لعبد الفتاح السيسي!.
ولا نستطيع أن ننكر أن السكك الحديدية التي ربطت جنوب مصر بشمالها، والتي تعد المشروع الأضخم في القرون الثلاثة الماضية، هي من إنجازات الاحتلال البريطاني، ولم يمنح هذا المشروع العملاق شرعية تذكر للاحتلال الإنجليزي، ولم تحل دون نضال المصريين من أجل رحيله، الذي كان هدفا وطنيا لم يخدشه أن المحتل هو من جعل من مصر هي ثاني بلد في العالم بعد إنجلترا تنشأ بها خطوط السكك الحديدية.
المعنى، لم أكن لأمانع في أن تكون "التفريعة" مشروعا ناجحا، فمن الطبيعي أن ينجح أي حاكم - على فشله - في أي ملف، فحتى مبارك له نجاحات تذكر له، لكن لا تمنع من إسقاط الشعب لشرعيته، ولم تمنع من تقديمه للمحاكمة بقوة الدفع الثوري، قبل أن تتدخل الثورة المضادة وتفرج عنه!
بيد أن الحقيقة المرة، أن مشروع "التفريعة" رغم ما أنفق عليه، لا يمثل إنجازا يُذكر وليس له مردود اقتصادي مهم، ولهذا كانت تصريحات المسؤولين في حكم السيسي متضاربة، فمن إيرادات سنوية تصل إلى مائة مليار دولار، إلى ارتفاع في إيرادات القناة مع حلول عام 2023، إلى 13 مليار دولار.. "موت يا حمار"!
ولهذا كان من الطبيعي أن يتم سد الفراغ في الحديث عن الجدوى الاقتصادية، بأن يتحول الفريق مميش المسؤول عن قناة السويس إلى "متعهد حفلات"، فيقول إن الاحتفال بافتتاح قناة السويس الجديدة سيكون أسطوريا، كما لو كان قد أصبح مسؤولا عن حفلات "ليالي التلفزيون" التي توقفت منذ عدة سنوات!.
لقد قالت أهم وأضخم وكالة أنباء اقتصادية في العالم "بلومبيرغ" إن هذا المشروع لا يحتاجه العالم، ولن يكون له جدوى اقتصادية، ولن يرفع من إيرادات القناة ولا الحركة فيها، فالحركة فيها ليست مزدحمة بما يستدعي التوسعة!.
وإذا كان الجري للمتاعيس بعد أن تذهب "العروسة للعريس"، فمؤكد أن العريس الآن قد انضم لفيلق المتاعيس، بعد أن غادرت العروس لبيت والدها، لأن الجماهير التي شاركت في الزفة، ولم تلتفت لكلام الخبراء عن عدم جدوى المشروع، ستنتظر ما وعدت به، وقد بدأ الحساب من لحظة انفضاض السامر، وانتهاء المولد، لتكون على موعد مع اليأس، وكما قيل فإن الرجاء عبد واليأس حر!.
يذهلني حقيقة هذا الفشل الذي صار نتيجة حتمية لكل أداء يقوم به عبد الفتاح السيسي، فلم ينجح في مشروع واحد، ولم يتساو حتى بحسني مبارك، وهو فشل مذهل صار صاحبه معه ككل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير.
كأن ساحرا صنع له "عملا سفليا" على ذيل حوت، وألقى بالحوت في قناة السويس، في انتظار من يصطاده ليفك العمل ويبطل السحر!.
لا بأس، فصباحية مباركة يا عريس.. كلكم "عرسان"!
azouz1966@gmail.com
رسميا، فإن العريس هو "عبد الفتاح السيسي"، الذي يعوض فشله في البر والبحر بالمهرجانات، إلى أن وصلنا للمهرجان الأخير، على الأقل لهذا العام، وقد كانت مهرجاناته السابقة، وآخرها مهرجان المؤتمر الاقتصادي، تنتهي بمجرد عودة "المعازيم" إلى ديارهم، وظل الأمل معقودا في المهرجان الأهم، كما بشر به وهو افتتاح "قناة السويس الجديدة" كما يقول إعلامه.
وتبدو الأزمة هنا أن العروس التي زينوها لبعلها، لم تكن على النحو الذي جرى تسويقها به، فالتفريعة ليست أكثر من سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء، وكما قيل إن "الجائع يحلم بسوق الخبز"، فإن المصريين الذين سايروا الدعوة للفرح، لن يجدوا على النار هدى، فليس ما جرى الترويج له عن الإيرادات التي ستتحقق بفضل "القناة الجديدة"، سوى الوهم بشحمه ولحمه، ليذكرنا الصخب الإعلامي بدعوة الرئيس السادات المصريين أن ينتظروا "عام الرخاء" الذي لم يأت أبدا. ويبدو أنه صار "مكتوبا علينا قلة الراحة"، كما غنى "فهد بلان"، وما جناه المصريون من وراء المؤتمر الاقتصادي هو ما سيتم جنيه من وراء "التفريعة"!.
لا أستهدف أن أنكد على "بني وطني"، فلم يكن لدي ما يمنع من أن يفرحوا لولا أن تأثير الصخب الإعلامي، مثل تأثير "سيجارة البانجو"، وحسبي أن تأثير الدعاية قد زال الآن بعد أن ذهبت "العروسة للعريس"، ونال السيسي شرعية لحظية هي غاية ما يمكن أن يحلم به من إنجازاته الوهمية، ومؤكد الآن أنه في حكم الذين جروا وقد ذهبت العروس لبيت أبيها، وصار الحديث عن الشرعية يذكر بالرئيس المختطف الدكتور محمد مرسي!.
ولست كذلك أتربص بالسيسي حتى إذا فشل وجدت ما يدعم موقفي الرافض له، فرفضي له ليس مؤسسا على فشله، ولكن لأنه جاء للسلطة بانقلاب عسكري، أطاح فيه بالإرادة الشعبية، وتأييدي لأن يستكمل الرئيس محمد مرسي لدورته، كان انحيازا لمبادئ الديمقراطية، ولم أكن وأنا أتخذ هذا الموقف مبكرا أراه رئيسا ناجحا. بطبيعة الحال لن يعرف قيمة أمه إلا من يتعامل مع زوجة أبيه، ولا يعرف قيمة مرسي إلا من يشاهد السيسي يتخبط في بحر لجي من الفشل.
لو نجح السيسي لما غير هذا من طبيعة موقفي منه، كقائد جيش تمرد على الرئيس الشرعي للبلاد، وجاء للحكم على ظهر دبابة، وفشل السيسي جاء بعد ذلك، وبعد موقفي الرافض له من حيث المبدأ، ولم يمكن لدي مانع في أن ينجح في مشروع أو ملف، فالشرعيات لا تتأسس بنجاح مهما كان حجمه، وإلا لجاز لنا أن نطالب بعودة الاستعمار الفرنسي، وإعلان الولاء لمرحلة الباب العالي ولمرحلة ما قبل ثورة يوليو 1952؛ فحفر قناة السويس، وليس مجرد "تفريعة" اختمرت كفكرة في رأس نابليون بونابرت، وإن كان لم ينفذ في عهده، فقد أقنع به مبعوثه ديليسبس الخديوي سعيد، وحصل على موافقة "الباب العالي" على مشروع الحفر، وهو إنجاز يحسب للمستعمر، ولعهد ما قبل حركة ضباط الجيش، ولم يشفع المشروع على عظمته لمن كانوا خلفه، فكان جلاء المستعمر هدفا وطنيا، ومع هذا الإنجاز فقد أيد المصريون ثورة يوليو وضباطها!.
فقناة السويس، لم تمنح أصحابها شرعية، لتمنح "تفريعة" لها شرعية لعبد الفتاح السيسي!.
ولا نستطيع أن ننكر أن السكك الحديدية التي ربطت جنوب مصر بشمالها، والتي تعد المشروع الأضخم في القرون الثلاثة الماضية، هي من إنجازات الاحتلال البريطاني، ولم يمنح هذا المشروع العملاق شرعية تذكر للاحتلال الإنجليزي، ولم تحل دون نضال المصريين من أجل رحيله، الذي كان هدفا وطنيا لم يخدشه أن المحتل هو من جعل من مصر هي ثاني بلد في العالم بعد إنجلترا تنشأ بها خطوط السكك الحديدية.
المعنى، لم أكن لأمانع في أن تكون "التفريعة" مشروعا ناجحا، فمن الطبيعي أن ينجح أي حاكم - على فشله - في أي ملف، فحتى مبارك له نجاحات تذكر له، لكن لا تمنع من إسقاط الشعب لشرعيته، ولم تمنع من تقديمه للمحاكمة بقوة الدفع الثوري، قبل أن تتدخل الثورة المضادة وتفرج عنه!
بيد أن الحقيقة المرة، أن مشروع "التفريعة" رغم ما أنفق عليه، لا يمثل إنجازا يُذكر وليس له مردود اقتصادي مهم، ولهذا كانت تصريحات المسؤولين في حكم السيسي متضاربة، فمن إيرادات سنوية تصل إلى مائة مليار دولار، إلى ارتفاع في إيرادات القناة مع حلول عام 2023، إلى 13 مليار دولار.. "موت يا حمار"!
ولهذا كان من الطبيعي أن يتم سد الفراغ في الحديث عن الجدوى الاقتصادية، بأن يتحول الفريق مميش المسؤول عن قناة السويس إلى "متعهد حفلات"، فيقول إن الاحتفال بافتتاح قناة السويس الجديدة سيكون أسطوريا، كما لو كان قد أصبح مسؤولا عن حفلات "ليالي التلفزيون" التي توقفت منذ عدة سنوات!.
لقد قالت أهم وأضخم وكالة أنباء اقتصادية في العالم "بلومبيرغ" إن هذا المشروع لا يحتاجه العالم، ولن يكون له جدوى اقتصادية، ولن يرفع من إيرادات القناة ولا الحركة فيها، فالحركة فيها ليست مزدحمة بما يستدعي التوسعة!.
وإذا كان الجري للمتاعيس بعد أن تذهب "العروسة للعريس"، فمؤكد أن العريس الآن قد انضم لفيلق المتاعيس، بعد أن غادرت العروس لبيت والدها، لأن الجماهير التي شاركت في الزفة، ولم تلتفت لكلام الخبراء عن عدم جدوى المشروع، ستنتظر ما وعدت به، وقد بدأ الحساب من لحظة انفضاض السامر، وانتهاء المولد، لتكون على موعد مع اليأس، وكما قيل فإن الرجاء عبد واليأس حر!.
يذهلني حقيقة هذا الفشل الذي صار نتيجة حتمية لكل أداء يقوم به عبد الفتاح السيسي، فلم ينجح في مشروع واحد، ولم يتساو حتى بحسني مبارك، وهو فشل مذهل صار صاحبه معه ككل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير.
كأن ساحرا صنع له "عملا سفليا" على ذيل حوت، وألقى بالحوت في قناة السويس، في انتظار من يصطاده ليفك العمل ويبطل السحر!.
لا بأس، فصباحية مباركة يا عريس.. كلكم "عرسان"!
azouz1966@gmail.com
شارك
المزيد حول هذا الموضوع
المزيد من هذا الكاتب
