كتاب عربي 21

مصر "حرّة" والليبيون "برّه"

1300x600
كان حوارا حول "الفتور" أو "التوتر" في العلاقات السعودية المصرية، ناقشه سياسي سعودي وأكاديمي مصري في برنامج على إحدى القنوات العربية المعروفة، حيث طوف الضيفان حول الجدل السعودي المصري واجتهدا بحذر في انتقاء العبارات لوصف ما يجري وأسبابه ومستقبل العلاقة بين البلدين في ظل "اختلاف" وجهات النظر كما آثر المشاركون الوصف.

ما لفت انتباهي هو غياب أدنى درجات الحذر والكياسة في كلام الضيف المصري عند تناوله الشأن الليبي. فقد جزم الضيف المصري بأن الأزمة الليبية "ملف مصري" بامتياز وذلك في الرد على سؤال للمُحاوِرة من أن مظاهر الخلاف بين البلدين تبرز في ملفات عدة منها الملف السوري واليمني والملف الليبي.

وما أدري من أين للضيف المصري هذه الثقة المطلقة والجزم القاطع ليستثني الملف الليبي من حزمة الخلافات بين مصر والسعودية ليكون شأنا مصريا أصيلا وبالتالي لا دخل للسعودية فيه.

بالتأكيد ليس الاعتراض على إبعاد السعودية عن الشأن الليبي، فالوضع في ليبيا هو شأن داخلي ولا يحق لا للسعودية ولا لمصر ولا لغيرهما التدخل فيه، لكن التحفظ الكبير الذي أسجله هو حول اللغة والثقة التي تحدث بها الضيف المصري والتي تعطي انطباعا بأن مصر وصية على ليبيا ولها أن تستأثر لوحدها بالملف اللليبي وتديره كيفما ما تشاء وبالتالي فإن إدخال أطراف إقليمية أخرى هو تعد على الحق المصري؟!

لم يكن كلام ضيف مصر في الحلقة الحوارية هو الأول أو الأكثر جرأة في تحديد بعض ملامح توجه النخبة المصرية تجاه ليبيا، وبالتأكيد ثقته وجزمه إنما يعودان إلى قناعات مترسخة ومنتشرة لدى بعض النخبة المصرية الفاعلة، فلقد سبق كلام الإكاديمي المصري "تخرُّصات" لصحفي معروف تثير الاستغراب الشديد، وتحدث رسميون بنفس الخطاب، أحدهم أعلن في مؤتمر صحفي أن مصر حرمت من ثروة ليبيا طيلة أربعة عقود زمن حكم القذافي وقد آن الآوان لأن تنعم بهذه الثروة. هكذا بأسلوب منزوع منه الدبلوماسية والحصافة، وبجرأة يحسد عليها.

لقد حق لمثل هؤلاء أن يقولوا ما شاءوا وأن يفعلوا ما يحلو لهم، وما وصل هؤلاء لهذه الجرأة في الخطاب إلا لضعف الإرادة الليبية وتنازع الفرقاء الليبيين وشططهم في مقاربات احتواء الأزمة الداخلية لدرجة أن يبرر مبرَّزين منهم الوصاية المصرية على ليبيا بقولهم "التدخل المصري في ليبيا مقبول حتى لو كان ضد مصلحة البلاد".  

خطورة المقاربة المصرية للشأن الليبي وفق ما سبق عرضه في أنها يمكن أن ترهن القرار الليبي للقصر الحاكم في القاهرة وذلك مع استمرار الصراع الداخلي والركون غير المنضبط لمصر، وبالتالي ستدفع إلى مزيد من التصلب والتطرف والتشدد في أواسط مجاميع سياسية وأخرى مسلحة متشددة وحتى غير متشددة تجاه النظام المصري، وهي من جهة ثالثة تعزز من الأنفة وربما الكراهية عند قطاع من الليبيين تجاه مصر والمصريين، لا يمكن القبول بها أو تبريرها، لكنها بلا شك ستتعاظم في ظل خطاب الوصاية الذي يتحدث به بعض النخبة المصرية النافذة سياسيا وإعلاميا.

فمصر، وفق هذا الخطاب الاستعلائي، الوصية على "القاصرين" الليبيين وحرة في أن تفعل ما تشاء وعلى الليبيين أن يكونوا خارج اللعبة في ما يتعلق بمصريهم ومطلوب منهم فقط أن يخضعوا للمقاربة المصرية حتى وإن صادمت المصلحة الوطنية.

هذا النوع من الخطاب مرفوض وينبغي أن يتغير ومن مقومات تغييره إعادة ترتيب البيت الليبي بشكل يعزز من سيادة الدولة ويمكنها من فرض إرادتها واحترامها على القاصي والداني.