قضايا وآراء

العداء مع الله وألوان الطيف السبعة

1300x600
قال نيتشه في كتابه هكذا تكلم زرادشت "صادف زرادشت وهو يهبط إلى أسفل الجبل شيخا ناسكا أخذ يحدثه عن الله، فتعجب زرادشت في نفسه كيف أن هذا الناسك لم يسمع وهو في غابته أن الله قد مات وماتت معه جميع الآلهة". و قال الدكتور الراحل عبد الوهاب المسيري "إن الفلسفة المادية تتعامل مع الإنسان من خلال قانون الجاذبية، ومن السهل على الإنسان أن يسقط في الوحل على أن يصعد إلى النجوم أو حتى يتطلع إليها". بين هاتين العبارتين ظهر أصحاب ألوان الطيف السبعة.

قال نيتشه قولته في إطار كرهه الشديد "هو وغيره" لنمط الحكم الكنسي والاستبداد الديني الذي برعت الكنيسة فيه؛ وكانت تلك الفترة هي فترة الانقلاب الكامل علي الكنيسة والتي انتزع الغرب فيها نفسه من الكنيسة وبالتبعية من الله؛ فالكنيسة هي ظل الله في الأرض؛ وتحول العداء مع الكنيسة إلى العداء مع الله. 

إن أي رؤية للعالم لابد أن تشتمل علي تحديد العلاقات بين الإنسان مع نفسه والإنسان مع المجتمع والإنسان مع الله؛ أسقطت الحداثة العلاقة مع الله تماما وأصبحت رؤيتهم مقتصرة على علاقة الإنسان بالمجتمع وأصبح العقل هو المحدد لشكل هذه العلاقات.

بسقوط الكنيسة من الفكر الغربي انتهت فكرة وجود الإله سواءا بموته كما قال نيتشه أو بعدم جدواه وأصبح العقل هو المتحكم؛ وجاء العداء من هذه اللحظة.

وأصبحت هناك رغبة ملحة من الملحدين الرافضين لوجود الله في إخفاء أي مظهر من مظاهر التعبير عن وجود الله سواء في المسيحية أو غيرها وخاصة الأديان التوحيدية؛ يقول ريتشارد دوكنز في كتابه الصادر عام 2006 وهم الإله ص 39 "أكبر شر يمنع ذكره في حضارتنا هو ديانات التوحيد؛ وقد بدأ بكتاب من العصر البرونزي البربري يسمي العهد القديم؛ انبثقت ثلاث ديانات حاقدة علي البشرية اليهودية و المسيحية والإسلام، هذه ديانات إله السماء"، من هذه الرؤية أصبح الزي المرتبط بالتوحيد وإظهار الانتماء لله محل عداء شديد؛ فالعالم لا ينقصه العري ولكن القضية ليست في زيادة مساحته ولكنها في تقليل مساحة ظهور الله في الأرض.

 وينبغي ذكر أن عدم وجود عداء مع الأديان الأخري كالبوذية والكونفوشوسية راجع لأنهم يعتبرونها فلسفات أكثر منها أديان؛ فهي إذا نتاجا لعقل بشري تخرج الإله المتجاوز من المعادلة حتى لو اخترعت لها إلها مرافقا ولكنه ليس كإله الموحدين المتجاوز للعقل البشري.

وهناك معركة حامية الوطيس في تلك الأيام وهي امتداد لمعارك كثيرة ارتبطت بألوان الطيف السبعة وهي صورة أخري من صور الرغبة الملحة في رفض كل ما له علاقة بأنماط التوحيد؛ وكسر كل القواعد التي بنيت علي تلك الأفكار؛ إلا أن لنا نظرة أخرى.

هناك محددات للقيم تأتي من المرجعية المتجاوزة؛ فالحرية وغيرها من القيم ليست مطلقة؛ وفكرة أن حريتك تقف عند حدود حرية الآخرين فكرة صحيحة جزئيا ولكن أصحاب الديانات التوحيدية يضيفون عليها عاملا آخر هاما ألا وهو المحددات العامة التي تأتي بها القواعد الثابتة التي استقر الشرع عليها ؛ فحريتك هي ما تقف عند حدود حرية الآخرين وتقف عند المحددات المستقر عليها.

فقضية ألوان الطيف السبعة هي أحد جولات الصراع لترسيخ مشهد غياب الله من العالم وترسيخ لمشهد سيطرة العقل والعقل فقط علي كافة التقييمات الأخلاقية والاجتماعية ؛ وهذا ما لا يمكن قبوله في وجود أطر أخرى لا يؤمن بها أصحاب ألوان الطيف السبعة ومؤيديهم ممن لا يريدوا ظهورا لله إطلاقا على هذا الكوكب 

إن الفرد حر بينه وبين الله يؤمن أو يكفر فسيحاسبه الله على ذلك؛ وهو حر بينه وبين نفسه في غرفه المغلقة فهناك إله مطلع عليه سواءا آمن بذلك أم لم يؤمن؛ ولكن المجتمع له حقوق في أن يحافظ علي بنيته وقيمه ومبادئه التي هي انعكاس لوجود الله في كل مظاهره؛ ومن حقه أن يتمسك بذلك بل ويناضل من أجله.

إن قبول المجتمع أي مجتمع الاعتراف بتلك الظاهرة هي قبول بالعداء مع الله وقبول بتفكيك قيمه لصالح نماذج أخرى؛ ونقاش البعض لهذه القضية علي أنها جزء من قضية الحرية هو خلل كبير في مفهوم الحرية داخل إطار الأديان التوحيدية؛ فهو دون أن يدري يخرج الله من المعادلة ويعتقد أنه يرسخ لمفاهيم "تقدمية"؛ إنها ليست كذلك ولكنها دفعة كبيرة لإخراج ما تبقي من قيم ومفاهيم ومعايير أخلاقية خارج المجتمع ودفعة كبيرة كما يريد الكثير لاحتلال العقل مكان الله.