استضافت فضائية الغد العربي "المنيل بواحد وستين نيلة"، بشفاعة فضائيات رباعيات الأرجل، نائب رئيس تحرير جريدة الأهرام السيد صلاح سالم، ليقدم ملخصا لكتابه "الأساطير المؤسسة للإسلام السياسي" الذي اقتبس عنوانه من عنوان كتاب شهير لروجيه غارودي عن الدولة الصهيونية! وذلك في برنامج "ساعة من مصر"، وهو عنوان برامج كثيرة على فضائيات عربية تخصص "ساعة بقرب الحبيب".
الحبيب هو السيسي، والساعة، أوميغا، وهي "أحلى أمل في الحياة". كانت الفضائية تصدر عناوين مسبوقة بلقب المؤلف، حتى حسبت أن لقب الرجل شهير مثل علامات أديداس ونايك وهيكل التجارية!... يحاول المؤلف الذي كان يتكئ على يده في أثناء مدة البرنامج، راحة أو ارتباكا، تفكيك هذه "الأسطورة"، باعتبارها من أساطير الأولين. "سنسمه على الخرطوم" إن شاء الله، في هذه السطور، فهذه القراءة غير منصفة، وغير موضوعية، وشامخة مثل أحكام القضاء المصري. وواضح أنّ المؤلف يستبدل الدولة الصهيونية بالإسلام.. السياسي! قل لي من هو عدوك، أقل لك من أنت.
يقول "صلاح غارودي" أنّ الإسلام السياسي قام على منطق اختزالي، بينما إسلام دولة العسكر والمعكرونة قائم على فلسفة عميقة تجسدها صيحة طرزان ربيب القرود: "تحيا مصر". المؤلف ينزع قدسية المقدس الإسلامي لصالح المدنس الانقلابي العسكري، ويستخدم لغتين معاصرة حداثية، وأخرى قديمة مثل تعبير "عالم الشهادة "، ويصل إلى أنّ المقدس ما أن يحط على الأرض، حتى يتعطل، ربما يقصد أنّ مصيره السجن والإعدام على يد القضاء الشامخ الحداثي العلماني التكنولوجي العلمي.
والعكس صحيح فالأرضي ما أن يطير في طائرة، أو يركب دبابة حتى يصير نبيا مرسلا!
يزعم الرجل المتكئ على يد.. العسكر، أنّ الإسلام السياسي اختزالي، ويتوهم يوتوبيا مثالية، بينما يوتوبيا العسكر واقعية، وتظهر في صور السيسي، وهو يهدد واقفا مع فرقة "حسب الله بعضيشي" بالزي العسكري، أو مع نخبة من الممثلين، أو في أغاني مثل "شبرة خير"، وأغنيات وطنية أخرى تصور محصول القطن "طويل التيلة" والجمل بسنام واحد، وهو يحوم بالسائحين حول كعبة الأهرام!
يتهم المؤلف الإسلام السياسي بأنّه مصاب بالحنين الاغترابي إلى زمن الخلافة ويتغافل عن العسكر السياسي، الذي يمارس الحنين إلى زمن عبد الناصر ويعيشه بالقوة. الخلافة العسكرية أيضا مرحلة زمنية مقدسة عند السلفيين العسكريين. والسيسي بعد السادات ومبارك هو ثالث الخلفاء.. الفاسدين.
يحاول "سالم كومبوني ليمتد" دحض أسطورة الخلافة الشرعية، ونقض "وهم الخلافة" وهو برأيه مفهوم يستعلي على "الوتن" كما في أغنية المفكرة أليسا. الوطن هو الوثن المعبود في الواقع، والذي يقتل باسم قدسيته الشعب. الوطن هو الدولة الحديثة التي نراها في مصر مجسدة في ثلاث أقانيم هي: القضاء الشامخ والجيش مسافة السكة والسيما. يزعم المؤلف أن ّ وهم الخلافة يتجاهل العقل الذي نرى مثاله المقتدى في عقلانية عبد العاطي، وتوفيق عكاشة، وأحمد عكاشة، وعبد الفتاح عكاشة. وهم الخلافة المقدس برأيه لا يحترم التجربة والتاريخ الذي يعيه ويفقهه العسكر. "كان عندك دين.. وراح".
يتوقف المؤلف المتكئ على الدبابة عند أسطورة الإسلام السياسي الثانية، وهي (هويته المغلقة الزائفة)، التي تتضمن عدم الثقة بالعقل الإنساني الذي نرى ثماره في عقلانية علي كفتة وصافيناز وليلى علوي وإلهام شاهين.. وارتهانه الكامل للنص الديني. الكاتب عند الحديث عن النص الديني لا يفرق بين القرآن والحديث والتفسير، فكله عند العسكر صابون أو معكرونة. ثم يندد بإهدار نصوص عصور التنوير المقدسة والصناعة والحداثة التي قطعت مع الموروث المسيحي الأرثوذكسي، الأمر الذي لم يفعله الإسلام السياسي.. يعني: هيا بنا نسلّف الغرب، ونجعلهم أباء وأجدادا، ومنارات للهدى. النتيجة برأيه، هي أنّ الإسلام السياسي مفصول تماما عن تيار الحضارة السياسية الذي يتصل به العسكر اتصال روميو بجولييت. المؤلف لا يفرق بين تيارات الإسلام السياسي، مثل معلمه عبد الفتاح، فجمعيها في سلة حديدية واحدة، هي الزنزانة أو الإعدام الفكري أو.. الفعلي.
الأسطورة الرابعة التي يتهم بها "غارودي الأهرام" الإسلام السياسي، هي وهم أسطورة المؤامرة الغربية على الإسلام، فهي بدورها ثمرة لهويته المنغلقة والمكتفي بذاتها، وفرق كبير بين الحلزون والثعلب العسكري المنفتح على العالم، فمشير الثعالب يعيش مسافرا تقريبا من أجل المراسيم الرئاسية التي تسبغ عليه الشرعية.. فمصافحة رؤساء العالم ومغازلة قيمهم، وشتم قيم الإسلام ستأتي بالغلال الوفيرة والحرية والديمقراطية و.. الرز.
أما الأسطورة الرابعة التي يحاول المؤلف معالجتها في جهاز معالجة الإيدز والكبد الوبائي فهي أسطورة الجهاد العسكري لدن الإسلام السياسي، ويزعم المؤلف أنّها تتأسس على فهم لا تاريخي لمفهوم الجهاد الإسلامي، والذي يطبقه العسكر، بواقعية وعلمية حسب معادلة ماكنة "اتود" للسرعة والتسارع: مسافة السكة حسب فواتير الرز.
الإسلام السياسي يمنح الكفاح الجسدي الدور المركزي، بينما يمنح الإسلام العسكري الأزهري الكفتجي الدور اللازم للكفاح العقلي. الإسلام السياسي يهمل روح العصر، كالعلم والحرية و...الرقص والغناء، التي يعيها العسكر بدليل رعاية العلماء الذين يفرون إلى أوربا زرافات ووحدانا، وبدليل حبس 25 أستاذا جامعيا، ودفع مئات الكفاءات للهرب إلى الغرب..! وكانت قامات مصر العلمية مثل توفيق عكاشة، و رولا وخرسا، وعمرو أديب قد تهكموا على نبوغ الإخوان المسلمين في الكليات العلمية، واعتبروها نقصا في الموهبة الإنسانية، فالموهبة العلمية هي في الوسط والأرداف، وليس في العقل.
يزعم نابغة الأهرام أنّ الإسلام السياسي يجهل كيف يحيا في سبيل الإسلام وأنّ كان يعرف كيف يموت في سجون التنوير العسكري، ومقاصل القضاء الشامخ، وبرصاص الشرطة والعسكر المسالمين المحبين " للعلم والتكنولوجيا".. فالإسلام السياسي لا يفقه معنى الاستخلاف على حقيقته التي يعيها العسكر، فهي قيم "العلم والتكنولوجيا" والتقدم بخطى واثقة نحو قيم العمران الذي نرى مثاله في طور سيناء، والعشوائيات التي قامت في عهود السلفية العسكرية. كان بالنتيجة أنّ الإسلام السياسي تحول إلى ظاهرة دموية، ضد التنويريين الفاضلين، وضد العالم الغربي المسيحي المتحضر الذي يغازله السيسي ليل نهار، زائرا مطأطئا. يخلص المؤلف إلى أنّ الإسلام السياسي يتبنى مفهوما ذكوريا، وإن لم تكن النساء تحبل بنجم رموزه.
المؤلف يستشهد أكثر من مرة في لقائه بما يسميه روحانية الإسلام التي يزكيّها، وهو يفاخر بمصطلحات "التكنولوجيا والصناعة"، ويرتلها بقدسية، ويعرّض بأخوة المهاجرين والأنصار المثالية لصالح أخوة: المهرجين والأنذال الواقعية العقلانية.
هذا هو ملخص كتاب فيلسوف الأهرام، الذي يستأنس ضمنا إسرائيل، ويبرئها من العدوان، ويخلعه على الإسلام السياسي. الكتاب لا يخلو من بعض الصحة، فيما يتعلق ببعض الجماعات الجهادية، التي لها تحليل آخر. لكن من المؤكد أنّ الاستبداد العربي المعاصر، الذي كان دوما استبداد عسكر، يمشي على أربع حوافر هي: الغرور سلوكا، والبطش سياسة، والفن دينا، والتبعية منهجا.. الحافر الرابع يمكن أن يكون ذيلا.. فثور الاستبداد أعرج دائما.