وجدت تعبير الرجل
السندريلا، أول ما وجدت، في فيلم هيرو (داستن
هوفمان وآندي جارسيا)، وقد عُرض في المملكة المتحدة بعنوان "بطل بالمصادفة"،
وهو من أفلامي المفضلة التي أنصح بمشاهدتها لفهم العقل الأمريكي العجيب، وسبب إعجابي
بالفيلم هو تفسيره لمعنى البطولة في أمريكا، وهو علاوة على ذلك مشوق وماتع. وثمة
أفلام أخرى عن الرجل السندريلا أقل جودة، لكن هذا الفيلم يدلل على شرف النعل في
الثقافة الغربية. النعل في الغرب هو العقل. وهو تاج أيضا، المرء تاجه نعله، دليلي:
السرعة، الغرب يعشق السرعة. يقول المسيري في مذاكرته إنه رسب في أول امتحان
أمريكي، وقال لمعلميه في الجامعة: أنتم تختبرون سرعة الطالب لا عقله فأجروا له
اختبارا ثانيا، "فداس بنزين" وفاز بالسرعة أيضا.
أما النعل في الثقافة العربية فمركوب ليس غير. لن تجد
سوى
الحكاية الطريفة عن أبي القاسم الطنبوري ونعله المشؤوم. وثمة مثال عربي آخر هو
حُنين الذي ضرب به المثل في الخسران والحبط، فقيل فيه؛ عاد بخفي حنين، تعبيرا عن
شدة الكلّب وقلة السَلَب، أو في قول الزير: بؤ (ارجع) بشسع نعل كليب.
أصل حكاية السندريلا أنَّ صبية يتيمة عانت من زوجة أبيها
وأختيها، وإنها حلمت بحضور حفلة الأمير التي سيختار فيها عروسه، فخرجت لها ساحرة
أخذتها إلى الحفلة فرقصت مع الأمير فأحبها، فنسيت فردة نعلها فيها، فأصحبت أميرة
القصر بفضل تلك الفردة.
السندريلا هي حكاية امرأة بلغت السعادة والمجد بفضل نعلها،
أما سندريلا السينما العربية فهي سعاد حسني وليس في سيرتها وترجمتها نعال سوى
خاتمتها فقد قضت قتلا، ولكنها راقصة جيدة، وإنّ فاتن حمامة أولى باللقب خاصة في
فيلم "أفواه وأرانب"، عندما مثلت دور نعمت وهي امرأة ذات عقل ورأي، وإن
جميع السندريلات العربيات هن سندريلات بيان وفصاحة ورأي، ليسن بينهن واحدة خلب
نعلها أو رقصها قلب الأمير ولبّه.
نذكر على سبيل المثال السندريلا اعتماد الرميكية. يروي
الرواة أن المعتمد كان يتنزه مع وزيره ابن عمار، على ضفاف نهر، فأنشد قائلا: نثر
الجو على الأرض برد وسأل وزيره ابن عمار، الشاعر، أن يجيزه، فأرتج عليه، وكانت على
شاطئ النهر جوارٍ، أجازته إحداهن، وقد سمعت قوله، فقالت: أيُّ درٍ لنحور لو جمد،
فأعجب المعتمد بذكائها وجمالها، فاشتراها من سيدها وأعتقها ثم تزوجها، وجعلها سيدة
الأندلس.
السندريلا حسب القافّة والنسابين، امرأة صينية،
فالصينيون يعشقون المرأة صغيرة القدم، واليابانيون يحبون ذات السيقان المقوسة، أما
العرب فيحبون التي "تدفي الضجيع وتروي الرضيع". وفي أسطورة طروادة كان مقتل
أخيل في قدمه. وفي بريطانيا يقيسون المسافة بالقدم، أما العرب فيقيسونها بآلات
القياس المعروفة؛ المتر والذراع والشبر وسواها، العرب أهل عقل ويد لا أهل نعل
وقدم.
القدم من أهون الأعضاء عند العرب، ويستخدمون النعل للشتم
والإهانة، ومن أقوالهم السائرة "َأدْنَأُ مِنَ الشِّسْعِ". ونذكر قدم
أوديب في الأسطورة الإغريقية الشهيرة. وهناك مبنى في برلين رصّعت واجهته بمئات
النعال. ومن أخبار الأحذية أنّ الفنانة اليابانية سلين دون حسدت زوجة الرئيس
الفلبيني السابق املدا ماركوس على نعالها وكان لها ثلاثة آلاف نعل، فاحتازت 500
نعل استباقا لها!
وما أكثر اللوحات الغربية عن الحذاء؛ إن أشهر لوحة للفنان
الألماني فان غوغ هي لوحة "حذاء فلاح"، وأصبحت حجّة للتأمّل الفلسفي عند
هايدغر، في كتابه "أصل العمل الفني"، نجد نصا يشبه القصيدة! نذكر جائزة
القدم الذهبية وهي جائزة كرة قدم، تقدّم في كل سنة لهدّاف أوروبي بعد أن صارت كرة
القدم ديانة العصر، فاختُصر اللاعب إلى قدم. ونذكر سليم بركات أنه قبل ثلاثة عقود كتب
مقالا ساخرا بعنوان "محاضرة بالقدمين"، يسخر فيها من حديث لماردونا
"ذي القدم المقدسة"، كانت بلاغته في قدمه!
المرء عند العرب بأصغريه لسانه وقلبه، وقديما قال زهير
بن أبي سلمى:
لِسَانُ الفَتَى نِصْفٌ وَنِصْفٌ فُـؤَادُهُ فَلَمْ
يَبْـقَ إلا صُورَةُ اللَّحْمِ وَالـدَّمِ
اشتق العرب من القدم الإقدام، ونجد نوادر وملحا في
الأخبار العربية منها أن امرئ القيس مدح امرأته فوصفها بأنها: هَضيمَ الكَشحِ رَيّا
الْمُخلخَلِ، أي كثيرة لحم الساقين، فلم ينزل.
وقالت العرب "زَلَّةُ الرَّأُيِ تُنْسيِ زَلَّةَ
القَدَمِ"، يُضرب في السَّقْطَةِ تحصل من العاقل الحازم. وقالوا:
"عَثَرَةُ القَدَمِ أسْلَمُ مِنْ عَثْرَةِ الِّلسانِ"، وقالوا: "وفي
الخَيْرِ لَهُ قَدَمٌ". ونجد صورا كوميدية في الأفلام العربية عن النعال، مثل
جمع بسام كوسا لنعال حبيبته في فيلم "كمبارس" فهل كانت تروح حافية إلى
البيت؟
هذه ديباجة للقول إنَّ باحثا غربيا قال: إن المدرسة
العربية تخرّج عقولا في الطب والهندسة والاقتصاد يصيرون جميعا خدما لأغبى الطلاب
وأكسلهم، يلبس جزمة العسكر فيركعون لها ويقولون طاعة!
وشهير مديح ترامب لنعل الرئيس "المكسيسي"،
وحسده له على حذائه، ولا أظنه كان يقصد إهانته، كما فعل منتظر الزيدي مع بوش فقذفه
بالجزمة، فصار بطلا مشهورا مبرورا، حتى أخذه وزير الإعلام السوري بالأحضان، وكان
قد وفد إلى دمشق بطائرة خاصة!
يمكن الحديث عن الدول السندريلا، دول الجزمة: وهي
بالعشرات، ومنها دول عربية نضرب عنها صفحا، ونذكر أخرى مثل: إسرائيل، سنغافورة،
وهي دول تحرس بوابات البحر والمضائق المائية. أما سبب تذكرنا للسندريلا فهي أن القوم
لم يجدوا ما يعيبون به الشهيد السنوار وزوجته سوى أن يتهموه بحيازة مبلغ قدره
ثلاثة ملايين دولار، يسرقه أقل رئيس بلدية شأنا، في دولة عربية، في بناء جسر ساقط،
وزعموا أن أم إبراهيم التي فرت من الاحتلال كما فرّ أصحاب الرقيم بدينهم إلى
الكهف، كانت ترتدي حذاء فاخرا، لتختال به في الأنفاق المظلمة على عمق خمسين مترا
تحت الأرض.
أولاد ستين جزمة، إن يقولون إلا كذبا.
x.com/OmarImaromar