كتب ديفيد بلير في صحيفة "ديلي تلغراف"، عن قمة الرئيس باراك
أوباما في
كامب ديفيد مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي، وكيف أن الولايات المتحدة خسرت حلفاءها في المنطقة بسبب هوس الرئيس أوباما بإيران.
ويقول بلير: "هناك زعيم في الشرق الأوسط على خلاف صريح مع الرئيس باراك أوباما، وآخر تجنب بشكل تكتيكي لقاءه. فيما اختار زعيم عربي حضور سباق الخيول في ويندسور، بدلا من قبول ضيافة القائد الأعلى للدولة العظمى، التي تضمن أمنه وعرشه. وفي الوقت ذاته هناك وزير خارجية من المنطقة يقضي وقتا طويلا مع وزير الخارجية الأمريكي، أكثر من أي مبعوث في العالم".
ويضيف الكاتب في تقريره، الذي اطلعت عليه "
عربي21"، أن "هوية وجنسية هذه الشخصيات تحكي الكثير عن الهزة الأرضية الجيوسياسية التي تهز منطقة الشرق الأوسط. وباختصار فإن القادة الذين لا يطيقون الحديث مع أوباما هم حلفاء الولايات المتحدة التقليديون في المنطقة. أما المبعوث الأجنبي الذي يقضي ساعات طويلة مع جون كيري فهو الشخصية غير المتوقعة وزير الخارجية
الإيراني محمد جواد ظريف".
ويشير التقرير إلى أن السياسة الأمريكية أصبحت متشابكة إلى درجة أصبحت فيها تقضي أياما وأوقاتا في محادثات ثنائية مع نظرائها من طهران، حيث يتم شجب الولايات المتحدة وبشكل روتيني باعتبارها الشيطان الأكبر، فيما يتم التهرب من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض.
وتبين الصحيفة أن الملك سلمان ملك السعودية، حليفة الولايات المتحدة منذ 70 عاما، هو من قرر البقاء بعيدا عن قمة "كامب ديفيد"، التي انعقدت الخميس. أما الزعيم العربي الذي فضل مشاهدة الخيول الأصيلة في "ويندسور" بدلا من رؤية باراك أوباما، فقد كان الملك حمد ملك البحرين، الذي تستضيف بلده الأسطول الأمريكي الخامس.
ويذكر بلير أن الأمور أصبحت معقدة إلى درجة وجدت فيه هذه الدول العربية نفسها في تحالف مصلحة مثير مع إسرائيل، وهي البلد الذي لا يعترفون به، ولا يستطيع قادتها التلفظ باسمه، ولا يزالون يشيرون إليه بـ "الكيان الصهيوني".
ويتساءل الكاتب عن التغيير وسببه، ومن الرابح والخاسر فيه؟
ويرى بلير أن إجابة السؤال واضحة؛ فالتحالفات القديمة تعرضت لضغوط بسبب تقارب الولايات المتحدة مع إيران، واقترابهما من التوقيع على اتفاقية قد تنهي حالة المواجهة بشأن الملف النوي الإيراني، الذي يشكل عقبة أمام استئناف العلاقات بين عدوين لدودين. ومن المتوقع أن يتم توقيع الاتفاق في نهاية حزيران/ يونيو المقبل، إلا إذا حدث أمر غير متوقع.
ويقول الكاتب: "نعرف هذا كله؛ لأنه بعد سنوات من الدبلوماسية المكثفة، التي عقد فيها كيري وظريف اللقاءات كلها، فقد تم التوصل إلى الاتفاق المبدئي في سويسرا الشهر الماضي".
ويتابع بلير بأنه "بعبارات مبسطة فستتخلى إيران عن ثلثي أجهزة الطرد المركزي، واليورانيوم المخصب كله، ما يعني تأخير علماء الذرة الإيرانيين عاما كاملا، وحرمانهم من الوسائل التي تمكنهم من الحصول على القنبلة النووية، ومقابل هذا كله فسيتم رفع العقوبات التي شلت إيران".
ويصف أوباما الاتفاق بأنه "فرصة واحدة في العمر"، من أجل جعل الشرق الأوسط مكانا آمنا، ومنع إيران من الحصول على السلاح النووي. وقال الشهر الماضي إنه "لا توجد صيغة، وليس هناك خيار لمنع إيران من الحصول على السلاح النووي، أنجع من المبادرة الدبلوماسية والإطار الذي تقدمنا به"، بحسب الصحيفة.
وتلفت الصحيفة إلى تأكيد الدبلوماسية الأمريكية في أحاديثها الخاصة أن الاتفاق سيخدم مصالح حلفائها في المنطقة أكثر من أي طرف آخر.
ويستدرك التقرير بأن إسرائيل والسعودية ودول الخليج الأخرى لا تزال غير مقتنعة، فهي مختلفة مع الولايات المتحدة حول شروط العقد التي ظهرت حتى الآن، فعندما تدمر إيران أجهزة الطرد المركزي، أو تبيع ما تبقى لديها من يورانيوم مخصب كله، فسيكون أمامها عام من أجل صناعة المواد الكافية للقنبلة النووية.
ويوضح الكاتب أن إسرائيل والدول العربية تشعر أن الولايات المتحدة قد خانتها، من خلال السماح لإيران بالحفاظ على قدراتها للتخصيب. فالحقيقة التي لا يمكن تجنبها هي أن دولة لديها الآلاف من أجهزة الطرد المركزي، دائما ما تحتفظ بالقدرات لإنتاج أسلحة تحتوي على اليورانيوم. ولهذا السبب أقنعت الولايات المتحدة مجلس الأمن لتمرير ستة قرارات تطالب إيران بالتوقف عن تخصيب اليورانيوم.
ويرى بلير أنه نظريا، فإن هذه القرارات تظل فاعلة، ولكن في الحقيقة سيتم تجاوزها، من خلال الدبلوماسية التي تجري بين واشنطن وإيران.
وتورد الصحيفة أنه بناء على الاتفاق المتوقع، فإن إسرائيل وشركاءها الاستراتيجيين غير المتوقعين يقولون إنه يمكن التراجع عن كل خطوة. ومن حيث المبدأ ستتم إعادة كل جهاز طرد مركزي وضع في المخزن، واستعادة كل طن من اليورانيوم، وإصلاح كل منشأة نووية.
وينوه التقرير إلى أنه نتيجة لهذا الأمر فقد هددت السعودية بتبني سياسة بسيطة، ويلخصها مدير المخابرات السعودي السابق الأمير تركي الفيصل بالقول إن "أي شي سيحصل عليه الإيرانيون سنحصل عليه". وفي حالة سمح لإيران بالحصول على وسائل لتصنيع القنبلة النووية، فستضع المملكة نفسها في الموقع ذاته.
ويناقش الكاتب موقف أمريكا، الذي يستند على أن صفقة منع إيران من الحصول على القنبلة النووية، ستؤدي إلى وقف سباق التسلح النووي في الشرق الأوسط. مشيرا إلى أن الاتفاق المحتمل قد يؤدي إلى دفعة من أجل بناء الأسلحة في المنطقة، ولكن أن "تكون بعيدا عن تصنيع القنبلة النووية عاما واحدا، فإن السباق سيكون سهلا".
وترى الصحيفة أن الطريقة التي تنظر بها إيران لنفسها هي في قلب التصادم بين الولايات المتحدة وحلفائها، وليس البنود والتفاصيل في الاتفاق النووي.
وبحسب التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، فإن أوباما يعتقد أن حكام الجمهورية الإسلامية هم رجال عقلانيون، ويمكن إقناعهم بالتخلي عن البرنامج النووي، لأن ذلك في مصلحة تخليص البلاد من العقوبات المفروضة عليه. موضحا أنه عندما يتم التخلص من هذه المشكلة فأنه يمكن لإيران وأمريكا التعاون معا ضد التهديدات المشتركة، التي تبدأ من التنظيم الإرهابي تنظيم الدولة.
ويستدرك بلير بأن القوى السنية في الخليج لا تشارك الرئيس رأيه، ففي الوقت الذي يرى أوباما في صناع القرار في طهران قادة يعملون من أجل مصالحهم القومية، مثل حكام أي دولة أخرى، فإن حكام العرب يرون في أعمدة الدولة الدينية الشيعية العزم في البحث عن وسائل لتصدير ثورتهم عبر المنطقة.
وتذهب الصحيفة إلى أنه في الوقت الذي يرى فيه أوباما إيران شريكا محتملا ضد العدو المشترك، ترى
دول الخليج في إيران خصما عنيدا مصمما على إحياء الهيمنة القديمة على الشرق الأوسط.
ويفيد التقرير بأن دول الخليج تراقب باستهجان اللقاءات المستمرة بين الوفود الإيرانية والأمريكية، وتجدها إشارة ليست طيبة ولا تعبر عن دبلوماسية متنورة، ولكنها دليل عن قوة قديمة مراوغة تقوم بمخادعة طرف مخدوع وساذج.
ويعتقد الكاتب أن مظاهر القلق عميقة إلى درجة تجعل الدول العربية تشترك، وإن بشكل تكتيكي، مع إسرائيل في رأيها حول إيران. وعليه فإن الكتلة السنية ضد إيران لديها عضو شرفي في جانب المتوسط.
ويلفت الكاتب إلى أن هذا الأمر يقود إلى السؤال الآتي: هل لدى هذه الكتلة من الحلفاء القلقين مشكلة مع أوباما؟ وهل سيتم رأب الصدع بعد مغادرة الرئيس في كانون الثاني/ يناير 2017؟
ويخلص بلير إلى أن "هذا يعد من أكثر التحولات الأساسية، فقد ارتبطت أمريكا ولسنوات طويلة مع ملكيات الخليج، من خلال حاجتها للنفط. واليوم ومقارنة مع هذا وصلت أمريكا إلى حالة من الاستقلال في مجال الطاقة. وإحدى منافع هذا الأمر هي أن الولايات المتحدة باتت قادرة على اتخاذ القرارات دون أن تهتم كثيرا بردود فعل أصدقائها. فاليوم أصبحت أمريكا حرة لمتابعة مصالحها الاستراتيجية، وهذا لن يتغير أيا كان ساكن البيت الأبيض القادم".