صحافة دولية

مصير عائدات النفط الليبية الضخمة في خضم الفوضى السائدة

النفط
نشرت صحيفة لوموند تقريرا حول الصندوق السيادي الليبي الذي يدير احتياطيا ضخما قدره 67 مليار دولار، متسائلة إذا كانت الآن تحت سيطرة المجموعة التي فرت من طرابلس إلى شرق ليبيا أو وزير النفط الذي يشتبه في قربه من الجماعات الإسلامية.

وقالت الصحيفة، في هذا التقرير الذي اطلعت عليه "عربي21"، إن صراعا شرسا يدور الآن في لندن عبر مكاتب محاماة ووكالات اتصال للفوز بإدارة المؤسسة الليبية للاستثمار، ما يعكس حجم الحرب الأهلية التي تعصف بليبيا، حيث تتنازع حكومتان متوازيتان حول مسار البلد ومصير ثروته البترولية التي تقدر بمليارات الدولارات.

وفي هذا السياق، أحالت الصحيفة إلى ما شهدته ليبيا سنة 2007 من عودة تدريجية لمعمر القذافي إلى الساحة الدولية وتحرير للبترودولار، مما شجع بنوك الاستثمار الغربية للإقبال بكثافة على ليبيا، بنك ليبرز غولدمان ساكس الأمريكي، ومؤسسة سوسيتيه جنرال الفرنسية على الساحة، ببيعهما منتجات مالية تقدر بمليارات الدولارات للمؤسسة الليبية للاستثمار، الأمر الذي در عليهما أرباحا انقلبت إلى خسائر فادحة مع اندلاع الأزمة الحالية.

كما أضافت الصحيفة أن إدارة المؤسسة كانت قد قررت مقاضاة كلا البنكين بعد ثورة 2011 التي أدت إلى سقوط الديكتاتور معمر القذافي، حيث رفعت شكواها أمام محكمة تجارية لندنية في آذار/ مارس من سنة 2014 متهمة إياهما باستغلال سذاجة مسيِّري النظام المخلوع الذين كانوا يجهلون تقنيات المالية الدولية.

وذكرت سجلات المحكمة، حسب ما أوردته الصحيفة، لجوء غولدمان ساكس لأساليب ملتوية بقصد "إقناع" موظفي المؤسسة الليبية للاستثمار بشراء المنتوجات المالية المقترحة، في حين اتهمت سوسيتيه جنرال بتقديم رشاوى تقدر بـ58 مليون دولار لأحد المقربين من سيف القذافي، نجل الرئيس الليبي المخلوع.

وأشارت الصحيفة إلى أن الإجراءات العدلية كانت تسير على ما يرام إلى حدود نيسان/ أبريل من هذه السنة، حيث من المتوقع أن تنطلق المحاكمة بحلول 2016، ما يشكل معجزة في ظل الحرب الأهلية الوحشية التي تعصف بليبيا، وهو ما يثبت اضطلاع شخص ما في مكان ما بدفع التكاليف لمكتب المحاماة البريطاني "إنيو لو" الذي يتولى تمثيل المؤسسة الليبية للاستثمار، بحسب الصحيفة.

غير أن المكتب، وفي بادرة مباغتة، أعلن عن تخليه عن الملف في نهاية شهر نيسان/ أبريل دون أن يفصح عن الأسباب، وبالتوازي مع توقف مؤسسة كونسولوم للاتصالات عن الاستجابة للضغوطات والتساؤلات التي حامت حول هذا التحول المفاجئ.

وقالت الصحيفة إن المؤسسة الليبية للاستثمار أعلنت نتيجة لذلك عن تعيينها مكتب محاماة جديد لتمثيلها، وهو "كيستون لو" البريطاني، معلنة أنها تسعى الآن للفصل في مسألة صراع السيطرة على إدارتها. يذكر أن مديرها السابق عبد الرحمن بن يزة، الذي غادر سنة 2014، كان قد عاد لتقلد مسؤولياته، مؤكدا على بقائه فيها وسعيه للفوز في هذه الحرب القضائية، متخيرا مكتب سيفيسون هاروود.

نتيجة لذلك، ذكرت الصحيفة أن الصندوق السيادي الليبي قد وجد نفسه مخيرا بين مكتبي محاماة يتنافسان لتمثيله في سابقة تثير الدهشة، ما يفرض على المحكمة البريطانية الفصل في المسألة في جلسة الاجتماع المقرر عقدها هذا الأسبوع.

هذا وقد نوهت الصحيفة إلى خفايا هذا الصراع الذي تقف خلفه حالة الفوضى المخيمة على البلد، مع تواجد حكومتين متوازيتين تعلن كل منهما تقلدها زمام الأمور، تتواجد إحداهما غربا وهي ائتلاف فجر ليبيا المتكون من مختلف القوى الإسلامية المناوئة للقذافي التي تمكنت من بسط سيطرتها على طرابلس سنة 2014، في حين لجأت الأخرى شرقا إلى منطقة طبرق قرب الحدود المصرية، وتتكون من عدد من الفصائل المعادية للإسلاميين وأخرى موالية لنظام معمر القذافي، يتزعمها رئيس الوزراء عبد الله الثني وتعترف بها كل من الدول الغربية ومنظمة الأمم المتحدة.

وتأتي محاولة الإطاحة بعبد الرحمن بن يزة في هذا السياق، حسب ما ذكرته الصحيفة، حيث سعت حكومة طبرق من خلالها إلى إحكام سيطرتها على الصندوق السيادي إثر تزايد اللغط بشأن قربه من الإسلاميين، ليتم بذلك تعويضه بشخص يدعى حسن بوهادي، وهو المدير الخامس للمؤسسة الليبية للاستثمار خلال أربع سنوات.

كما أشارت الصحيفة إلى فرار قرابة 200 من موظفي المؤسسة إلى مالطا، حيث تتمركز العديد من المصالح الليبية، إثر سيطرة فجر ليبيا على طرابلس سنة 2014. من جهته، أفاد أحد المتحدثين باسم الصندوق بوجود 97 في المئة من الاستثمارات خارج ليبيا، حيث يمكن إدارتها بكل سهولة.

وأشارت الصحيفة إلى أن هذه التطورات تحيل إلى الانقسام التدريجي للهيئات المالية الليبية، سواء منها البنك المركزي أو المؤسسة الوطنية للنفط أو المؤسسة الليبية للاستثمار، حيث تسعى كل حكومة بسط سيطرتها وإحكام نفوذها.

ونقلت الصحيفة إعلان حكومة طبرق في نيسان/ أبريل الماضي عن فتح المؤسسة الوطنية للنفط، ومركزها طرابلس، عن حساب بنكي بالإمارات العربية المتحدة، مطالبة بنقل مدفوعات المبيعات إليه، لتجنب وقوع المال تحت سيطرة الجهة المنافسة ومواجهة بذلك إمكانية عدم التزام المشترين الدوليين بذلك.

وفي الختام، خلصت الصحيفة إلى أنه من الصعب الجزم بنتائج هذا الصراع الثنائي الذي يقاد الآن أمام كبرى المحاكم البريطانية.