نشرت صحيفة سلايت الفرنسية تقريرا حول الحالة النفسية التي يعيشها الشعب
المصري بعد "النتائج المخيبة" لثورة
25 يناير، وقال التقرير إن الكثير من المصريين أصبحوا يشعرون اليوم بضرورة زيارة طبيب نفسي للتعبير عن المعاناة النفسية التي يعيشونها وطلب المساعدة.
ونقلت الصحيفة، في هذا التقرير الذي اطلعت عليه "عربي21"، حالة الشابة وئام البالغة من العمر 21 سنة، التي قالت إنها "في الماضي كانت تنظر للطبيب النفسي على أنه شخصية توجد فقط في الأفلام، حيث يظهر مرتديا اللون الأبيض، ويقول بصوت جدي: تفضل بالدخول، ويحاول إعادة الشخص المجنون إلى رشده".
ولكن بحسب الصحيفة، تقول وئام إنها "بعد 18 يوما من التظاهر خلال ثورة 2011 التي أنهت ثلاثين سنة من حكم حسني مبارك، شعرت بأنها استفاقت، وأصبحت تواكب الأنشطة الثقافية، وانضمت إلى حزب الدستور، وأصبحت مغرمة باللغات الأجنبية، ولكن بعد ذلك أصبحت هذه الطالبة في كلية حقوق بنها تزور عيادة الطبيب النفسي بانتظام".
ونقلت الصحيفة عن وئام قولها: "لقد شعرت بأن مستقبلي يمكن أن يكون أفضل مما عاشه والداي، وكنت فخورة وأنا أقول إن الشعب المصري على غرار الشعوب الأوروبية يملك الحق في أن يحلم".
ورأت الصحيفة أن أحلام وئام وأبناء جيلها من الشباب لم تتحقق، بل تمت مصادرتها من قبل الحكام الجدد بحجّة حفظ الأمن واستعادة النظام.
كما نقلت عن منى حميد، من مؤسسة منظمة "نديم" التي تعنى بمعالجة ضحايا التعذيب، قولها إن الكثير من الذين شاركوا في
الثورة يشعرون اليوم باليأس، وبأن دماء الشهداء ذهبت هدرا، فأغلب هؤلاء الشباب انخرطوا في الحراك الثوري، وكانوا منشغلين جدا، لدرجة أنهم لم ينتبهوا للضرر النفسي الذي لحق بهم، ولكن اليوم يطرح الكثير منهم سؤال "أنا مين؟ أنا فين؟".
ورأت الصحيفة أن هذا السؤال الوجودي انبثق من الفرق الشاسع بين الوعي السياسي المكتسب حديثا لدى هذا الشباب والواقع السياسي المصري.
ونقلت في هذا السياق عن وئام قولها: "الانتخابات الأخيرة التي فاز فيها مرشح الجيش عبد الفتاح السيسي في حزيران/ يونيو 2014 جعلتني أغادر حزب الدستور، لأن الأحزاب السياسية، كما في عهد مبارك، ليس لها أي دور أو وزن في ظل حكم العسكر".
وأفادت الصحيفة بأن هذه الطالبة المحبطة لم تصب بهذه الحالة فقط بسبب المهزلة السياسية، بل أيضا بسبب العنف والقمع الممنهج الذي تمت ممارسته ضد الإخوان المسلمين بعد الانقلاب على الرئيس محمد مرسي في تموز/ يوليو 2013، حيث كانت شاهدة على "عمليات قتل للناس كأنهم حيوانات" خلال فض الاعتصامات السلمية.
وقالت الصحيفة إن العديد من أطباء النفس، على غرار منى حميد، يلاحظون انتشار
الاضطرابات النفسية لدى شباب الثورة، لأن الأحداث الأليمة التي عاشوها لا زالت تسيطر على تفكيرهم إلى الآن.
كما نقلت عن الطبيبة النفسية سالي توما قولها إنها "بعد انتهاء فترة التفاؤل خلال السنتين الأوليين، لاحظت تزايدا في المعاناة النفسية لدى المرضى بسبب الأحداث المأساوية التي شهدوها، فالبعض منهم شاهدوا أعز أصدقائهم يلفظون أنفاسهم الأخيرة أمام أعينهم، وآخرون تعرضوا للتعذيب والاعتداء الجنسي في مراكز الاعتقال".
وأشارت الصحيفة إلى وجود تغيير نفسي هام طرأ على الشعب المصري منذ الثورة، يتمثل في ظهور وعي جماعي وإدراك كبير للوضع العام، حيث إن "الأبواب والحواجز سقطت، والمرضى أصبحوا اليوم يربطون بين معاناتهم الداخلية والوضع السياسي والاقتصادي في بلادهم، وهو أمر كان نادرا في الماضي".
ولكن بحسب الصحيفة، فإن الناس ليسوا جميعا قادرين على تحمل الأعباء النفسية لهذا الوعي، لأن إدراك حقيقة الوضع يسبب حالات من القلق والخوف المتواصل.
وأضافت أن كل شخص يتفاعل بطريقته الخاصة مع هذه المعاناة، إذ يتفاعل بعضهم من خلال الدخول في حالة اكتئاب، وبعضهم من خلال ممارسة العنف، وآخرون يلتجئون لتعاطي المخدرات.
ونقلت عن الطبيب النفسي نبيل كوت قوله إن "الذين يقومون بتعاطي المخدرات هم الأكثر خطرا، فالإدمان على المخدرات انتشر كثيرا بعد الثورة بين مختلف الطبقات والشرائح الاجتماعية، والمادة الأكثر شيوعا هي الترامادول، وهو دواء يستعمل في الأصل لتحسين الأداء المهني أو الجنسي".
وأشار التقرير إلى أن هذا الدواء منتشر في كل مكان، وآثاره الجانبية خطيرة جدا، ومع الوقت يسبب حالة من الاكتئاب، ويصبح الإنسان غير قادر على الإحساس بالفرح أو الحزن.
ورأت الصحيفة أن تزايد تعاطي المخدرات سببه الرئيسي الثورة، حيث إن الاضطرابات السياسية أدت لفتح الحدود وتسهيل تهريب الممنوعات، بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية وارتفاع نسبة البطالة في صفوف الشباب.
وأشارت الصحيفة إلى أن استشارة طبيب نفسي في مصر ليست بالأمر السهل، لأنها ما تزال تعد دخيلة على ثقافة الناس، فبعضهم ما زال حتى اليوم يعتقد أن الاضطرابات النفسية والعقلية سببها "الجان والشياطين". ولهذا يقول مؤمن، وهو شاب من بنها يعمل مترجما، إنه لم يخبر عائلته بتردده على عيادة الطبيب النفسي، لأنها -حسب رأيه- لن تتفهم الأمر.
وقالت إن أغلب مراكز الصحة النفسية توجد في القاهرة والإسكندرية، كما توجد بعض المراكز في مدن أخرى، ولكنها تفتقر للوسائل اللازمة، لأن الميزانية الهزيلة التي تخصصها الدولة للصحة في مصر لا تسمح بافتتاح مؤسسات صحية جديدة أو تغطية نفقات علاج المرضى.
وفي الختام، أكدت الصحيفة أن الأطباء النفسيين كلهم يُجمعون على أن المصريين أصبحوا أكثر تعرضا للمشكلات النفسية، واستعدادا للتعبير عنها وطلب المساعدة، بسبب الأحداث التي عايشوها خلال أربع سنوات بعد الثورة، والحالة السياسية والاقتصادية التي تمر بها بلادهم.