مقالات مختارة

حين تنتظر غزة الانتخابات التركية

1300x600
كتب كمال أوزتورك: حين عبرتُ معبر رفح على الحدود انفجرت أمامي قنبلةٌ بصوتٍ عالٍ جداً، أصابني الدوار من صوتها العالي ومن الغبار الذي تطاير في الهواء فتجمّدت في مكاني، ولكن المسؤول الذي جاء لاستقبالي استقبلني بابتسامةٍ عريضة ووضع يده على كتفي وقال "مرحباً بك في غزة". فركبنا في حافلة كانت في السابق سيارة إسعاف حوّلوها إلى حافلة، وبدأنا بالسير نحو مدينةٍ أوقفت فيها القنابل مسير التاريخ. كنا نتقدّم في طريقٍ ترابيّ وفوقنا أصوات الطائرات بلا طيار مثل النحل، ومن بعيد نسمع أصوات انفجارات، وقد فضّلوا جعل هذا الطريق الذي يربط بينهم وبين العالم ترابياً لكثرة التفجيرات فيه، فحين تسقط فيه قذيفة وتحفر حفرة فإنهم يغلقونها بالتراب بدل الإسفلت.

غزة كانت تنتظر أن يدخلها وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو وباقي وزراء الدول العربية من هذا الطريق تحت القصف في عام 2012، فقد خضعت هذه المدينة التي يسكنها الفلسطينيون للحصار منذ الحرب العالمية الأولى، لكن التاريخ لم يسجّل الكثير عن ذلك الحصار.

"هذا واقعنا"

حين وصلنا إلى ميدانٍ يستخدم الناس فيه الخيول والحمير كوسائل نقلٍ، لم أستطع إخفاء دهشتي وحزني، فقد كانت تشبه في عينيّ قرى القرن الماضي، ومن صنع هذا المنظر إسرائيل التي صرفت مليارات الدولار لتطلق قمراً صناعياً وتستخدم التكنولوجيا العالية. 

قال لي المسؤول وهو ينزل من الحافلة بحزن: "هذا هو واقعنا". كانوا يمسكون أيّ يدٍ تمّد لهم وتنقل مأساتهم وواقعهم إلى العالم، ولهذا كانت زيارة الوزراء مهمة لهم. 

لم توقف إسرائيل تفجيراتها رغم زيارة الـ12 وزيرًا الذين يرأسهم داود أوغلو، وواصلت رمي القنابل على الأماكن التي سيذهبون إليها، ولم يتمكّن أحدٌ من إيقاف حملة إسرائيل الجريئة هذه رغم أن العالم كان يشاهد الأحداث مباشرة. كان هناك أمر رأيته في الشوارع والمقاهي والمستشفيات: لقد كانت غزّة تقاوم ولا تستسلم رغم كل شيء، كانوا أشبه بمتحفٍ حيّ لنسلٍ يموت مقاوماً ويعيش مقاوماً. 
ورأيت حقيقةً أخرى: خلف هذه المقاومة الرائعة كانت تقف تركيا، فقد كانوا يتحدثون باستمرار بإعجابٍ بالغٍ عن داود أوغلو وأردوغان. 

تركيا هي أملهم

لقد كانت أنظار غزة دائماً تتوجّه للأخبار القادمة من تركيا، لأنه لم يكن هناك من يسعى لإيصال صوت غزة للعالم بصدق وحماسة تركيا، فانعكس حبّهم لها بصور أردوغان وأعلام تركيا التي ملأت الشوارع، فتحوّلت تركيا بالنسبة لهم إلى أمل بعد أن مدّت لهم يدها. حينها فهمت أمراً: تركيا ليست وطني الأم وحدي بل وطنهم هم أيضاً، وأردوغان ليس رئيسنا وحدنا بل رئيسهم أيضاً، وداود أوغلو هو رئيس وزرائهم، لقد كنتُ شاهداً على هذا الشعور بنفسي في القدس وحلب والقاهرة أيضا، فقد كنت أرى في كلّ زيارةٍ لي عشرات مدن الشرق الأوسط وآلاف البشر قد ربطوا مصيرهم ببعضهم وتشاركوا القدر نفسه، وكانت تركيا هي المرفأ الذي يلجأون إليه، فكان أي خبر أو بشرى أو أمل يأتي من تركيا ينير الشرق الأوسط بأكمله. 

الانتخابات لن تكون لتركيا وحدها بل للشرق الأوسط كله 

الجميع ينتظر انتخابات 7 حزيران/ يونيو، وغزة تنتظر أكثر، فنتائج انتخابات الدولة التي شاركوها قدرهم منذ مئات السنين تعنيهم هم أيضاً، هذه المدن القديمة المحطّمة من حضارتنا تتابع انتخابات تركيا لأنها جزءٌ من قدرها، فتركيا لم تعد بلدنا نحن وحدنا. وحزب العدالة والتنمية لا يدخل الانتخابات في تركيا فقط بل لديه صندوقٌ في الشرق الأوسط. 

هذه الحقيقة هي مسؤوليةٌ على أكتافنا لا مفرّ منها، فعلينا فهمها والعلم بها والعمل بها.

(صحيفة يني شفق- ترجمة وتحرير: تركيا بوست)