مقالات مختارة

ما هي خلفيات الصراع الأوروبي والتركي؟

1300x600
الكثير من زملائي يتساءلون: "ماذا يحدث بين أوروبا وتركيا؟ التوتر يتصاعد تدريجيا، والعلاقات تسودها المواقف المتصلبة.

وسائل الإعلام الأوروبية القوية تربط سبب الإشكالية في العلاقة بالتطبيقات في تركيا. أحيانا تقوم بعض وسائل الإعلام العربية بنقل تلك الأخبار حرفيا، وتبث تصريحات وتقارير متأثرة بوسائل الإعلام الغربية.

وقد شهدت العلاقات التركية الأوروبية الأسبوع الماضي توترا على خلفية إقرار البرلمان الأوربي الخميس الماضي (24 نوفمبر الجاري)، مشروع قرار غير ملزم، يوصي بتجميد مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي.

ما هو الوضع حقا؟ هذا هو السبب في تأزّم العلاقة؟

1. تزايد كراهية الأجانب في أوروبا، وتأثير العنصرية والإسلاموفوبيا

في الواقع، أوروبا تعاني من أزمة داخلية خطيرة. هناك تصدعات خطيرة تحدث في القيم الأوروبية وعلى رأسها الديمقراطية والليبرالية والعولمة، والتعددية الثقافية. قررت بريطانيا مغادرة الاتحاد الأوروبي، على خلفية تزايد الكراهية ضد الأجانب والفقر والبطالة والإسلاموفوبيا. تسارعت وتيرة التصدعات في أوروبا بعد فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية بالولايات المتحدة. إن ما سبق يؤدي إلى زيادة الكراهية ضد الأجانب جميعهم وليس تركيا فقط.

2. أوروبا تتجه نحو الانتخابات وتجمع الأصوات عن طريق الشعبوية

تستعد دول في الاتحاد الأوروبي مثل النمسا (4 ديسمبر المقبل)، وألمانيا وفرنسا (2017 القادم) لإجراء انتخابات. خسرت ميركل نسبة من أصواتها الانتخابية نتيجة تصريح قالت فيه: "نحن بحاجة إلى تركيا من أجل حل أزمة اللاجئين". وبنفس الطريقة، يحظى السياسيون الذين يظهرون ردود أفعال ضد الأجانب في فرنسا والنمسا بتقدير الناخبين. وفي بريطانيا، فالسياسي العنصري فاراج، كان أول القادة السياسيين الذين اتصلوا لتهنئة ترامب.

المجتمع الغربي يصدر ردود أفعال معادية ضد جميع الأجانب وعلى رأسهم اللاجئون. والسياسيون يتلاءمون مع هذا الوضع، ويزيدون من حدّة الخطاب العنصري للحصول على المزيد من الأصوات، وتركيا بالنسبة لهم أول دولة مرشحة لتوجه الانتقادات إليها، وذلك لأسباب تاريخية. فالأوروبيون ما زالوا يعتقدون في ذاكرتهم الجماعية أن "الأتراك قادمون يوما لاحتلال أوروبا". لقد تم استخدم هذا الشعار بالفعل في الاستفتاء الذي جرى بالمملكة المتحدة.

3. تركيا محبطة

تركيا تشعر أنها تعرضت للخداع من قبل أوروبا، كما تشعر بخيبة أمل نتيجة ثلاث نقاط.

1. منظمة "بي كا كا" الإرهابية تسببت بمقتل أكثر من 900 إنسان في تركيا. أوروبا يحتضن العديد من مقاتلي "بي كا كا" في بلدانها، ولا تتقيد بتنفيذ الاتفاق بشأن التسليم المتبادل للمجرمين.

2. لم تلتزم بأي وعد قطعته حول اللاجئين وسوريا.

3. رغم مقتل 250 شخصا في المحاولة الانقلابية التي وقعت في تركيا يوم 15 يوليو الماضي، إلا أن أوروبا لم تدعم الحكومة التركية بشكل كاف. بل على العكس تماما قدمت حماية لعناصر المنظمة الانقلابية (منظمة فتح الله جولن الإرهابية) ومؤسساتها، وأعطت البعض منهم جنسيات أوروبية.

4. تركيا سئمت من مواقف الاتحاد الأوروبي ولم تحصل على ما تتوقعه من حلف شمال الأطلسي

تركيا تنتظر الدخول إلى الاتحاد الأوروبي منذ 53 عاما. ورغم وفائها بجميع المعايير، واجهت في فترة لاحقة مطالب سياسية من قبيل الاعتراف بالجزء اليوناني والتخلي عن قبرص. وفي النهاية، وصلت تركيا لمرحلة لم تعد فيها ترى الانضمام إلى منظومة الاتحاد الأوروبي المتهاوية على أنها "قضية مهمة". كما أن حلف شمال الأطلسي (الناتو) لم يقدم لتركيا الدعم العسكري الكافي إزاء الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها انطلاقا من سوريا، على يد تنظيمات إرهابية من قبيل "داعش" و"بي كا كا". بل بالعكس قام الناتو بسحب أنظمة الدفاع الجوي. وهو ما خلق خيبة أمل كبيرة.

5. تركيا تمر بأوقات عصيبة، وأوروبا لا تمد يد المساعدة

تعرضت تركيا مؤخرا لمحاولة انقلاب عسكري، كما أنها تخوض عمليات عسكرية عبر الحدود في سوريا والعراق لمكافحة المنظمات الإرهابية، التي شنت عمليات داخل تركيا أدت لمقتل الكثير من المواطنين. لكن أوروبا لا تريد فهم ذلك. تصر على ضرورة إلغاء حالة الطوارئ والإفراج عن السجناء الذين أعلنوا في أكثر من مناسبة دعمهم للإرهاب. علما أن حالة الطوارئ نفسها قد تم تمديدها مؤخرا أيضا في فرنسا وبلجيكا. وهو ما أثار ردود أفعال غاضبة في تركيا.

لكل هذه الأسباب تتصاعد حدّة التوتر بين الجانبين. تركيا قالت من جهتها، أن استمرار الوضع بهذا الشكل، سيدفع بها للانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون الذي تقوده روسيا والصين، وفتح حدودها أمام اللاجئين للعبور إلى أوروبا، وإلغاء اتفاقية "إعادة القبول" بالنسبة للاجئين.

تركيا جادّة جدا في هذا الموضوع. لأنها تخوض معركة وجود كبيرة والرأي العام بشكل عام يقدم دعمه للرئيس أردوغان.