موروثنا الحضاري يتلاشى.
إن الحروب التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، والعالم الإسلامي، تدفع جميع الموارد التي في أيدينا نحو التلاشي ببطء.
باستثناء منطقة آسيا، جميع البلدان الإسلامية من باكستان وحتى المغرب، تعاني من أحداثِ فوضى أو إرهاب أو حرب، أو من تبعات الهجرة الناتجة عمّا سبق.
لا يوجد بلد واحد لم يهدر طاقته، ولم يبدأ الصرف من رأسماله، ولم يخسر أرواح مواطنين فيه، ولم يشعر بأن الضعف بدأ يدخل جسده.
الاقتصادات انكمشت، وانخفض الدخل العام، وتراجعت القوة الشرائية للمواطنين. بالمحصلة أصبحنا أكثرَ فقرا.
في عام 2010 كان الدولار الواحد يعادل 1.4 ليرة تركية، أما اليوم فهو يعادل 3.1 ليرة تركية. تخيلوا إن هذا يحدث في تركيا، البلد صاحب المرتبة 17 ضمن البلدان صاحبة الاقتصادات الأكبر في العالم وأقوى بلد في البلدان الإسلامية. وهنا أود أن أترك لكم تقدير الوضع في بلدان أخرى.
وبنظرة إلى الخلف، نرى أن الخسائر التي أصبنا بها خلال السنوات الخمس الأخيرة كانت هائلة. إن مرحلة الشتاء التي بدأت بعد الربيع العربي جمّدت بيتنا بل حتى موقدنا بشكل تام.
في الوقت الذي كان فيه العالم الإسلامي يتجه نحو قواسم مشتركة قادرة على تقريبه، أصبح اليوم يرزح تحت العداوات.
لعل هذه المرحلة ولّدت خصومات وعداوات تستمر لسنوات عديدة. حيث سفكت الدماء، وتجذرت العداوات، وجوهر بالدعوة للانتقام.
عفت رياح الحرب الطائفية في المنطقة حتى وصلت إلى أبوابنا. نصحنا كثيرا بعدم الانخراط في هذه الحرب لكن أحدا لم يصغِ لنا. فسفك دم الأشقاء، ونهبت أموالهم، ارتفعت صرخات الاستغاثة لتصل العرش.
القاتل والمقتول كانا مسلمين.
إن جميع الإمكانات التي من شأنها التأثير على مستقبلنا، أصبحت هباء منثورا في هذه الحرب، وذاب في المعارك. برأيكم أي دولة إسلامية ستكون في المستقبل بديلا للنظام العالمي الظالم، أو تتمكن من الوقوف بوجه اللا عدالة الدولية؟ أي دولة بإمكانها أن تدعو إلى تغيير هذا النظام الظالم؟
أعتقد أن الجميع يرى تلك القدرة في تركيا. لكن انظروا إلى الأزمات التي تكابدها تركيا. فالجروح التي نشأت بفعل المحاولة الانقلابية الفاشلة لا تزال تنزف.
تركيا دخلت الحرب بشكل فعلي في سوريا. وغدا، أو بعد أيام سنصبح داخل الصراع في العراق. سنخسر الكثير من الدم، وسنشعر أيضا بالألم.
لكن ليس لدينا خيار آخر. في هذه المنطقة، إذا تهربتم أحيانا من مواجهة الألم تجبرون على الدخول في مأساة أكبر. إن لم ندخل سوريا والعراق، سنضطر لمواجهة المزيد من الصعوبات في السنوات اللاحقة.
انتقلت تركيا من مرحلة الانفتاح على العالم، وإيجاد أسواق وعقد تحالفات جديدة، إلى مرحلة الدفاع عن النفس. لذا أقول إذا كان حال تركيا على هذا النحو فما هو حال بقية بلدان العالم الإسلامي. للأسف لم تبق لدينا دولة تملك القدرة على مواجهة النظام العالمي والاعتراض على جوانب الظلم فيه.
لا تنحصر المسألة في وجود دولة إسلامية تعترض على جوانب الظلم في النظام العالمي، بل إن الدول والأنظمة في العالم الإسلامي ستصبح جزءا من هذا النظام الظالم. ستصبح عبارة عن أجرام يدور بعضها في فلك روسيا، والآخر في فلك أمريكا، آخرون في فلك أوروبا. وستصبح تلك الأجرام عبارة عن مخافر متقدمة تستخدم لحماية تلك البلدان.
قد يصل عدد المسلمين الذين قتلوا في المنطقة خلال السنوات الخمس الماضية إلى المليون إنسان! أتساءل كم من الناس أصبحوا بلا مأوى؟ الأرقام في أحسن الحالات تشير إلى نحو 8 ملايين. أي أكثر من عدد سكان بعض البلدان في أوروبا.
كمسلمين، علينا ألا نقنط من رحمة الله، وألا نفقد الأمل. ومع ذلك، فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. الهجمات الخارجية لا تقلقني كثيرا، فالمنطقة شهدت العديد من الحروب والهجمات وتمكّنت من التعامل معها. ما يقلقني جدا، هو تلك الصراعات الداخلية بين الأشقاء، هذه الصراعات تضعفنا جميعا كما يؤكّد القرآن الكريم.
الشرق القطرية