قضايا وآراء

" قمة عربية " .. هل انتهى " موات " النظام العربي ؟!

1300x600
ما لفت انتباه الشعوب العربية بقوة هذه المرة، أنها لاحظت "ارتجاف" جسد النظام العربي معطياً إشارة إلى أن بقية حياة أو حياء ما زالت كامنة فيه .

ظنت الشعوب أن ذلك النظام شبع موتاً فنفضت أيديها منه تماماً، فقد ظل ذلك النظام على مدى سبعين عاماً من عمر الجامعة العربية يوجه طعنات تلو طعنات لمشاعر وآمال الجماهير العربية عبر قرارات ومواقف مخزية، ضيعت الحقوق وطرحت الإرادة والقرار العربي أرضاً تحت هيمنة العدو .. وما أكثرالمواقف من هذا النوع، خاصة فيما يتعلق بالصراع العربي الصهيوني، فقد هيمن العدو الصهيوني بامتياز على قرارت القمم العربية ومنعها من اتخاذ أي قرار فعلي، يوحد الجبهة العربية فعلياً ضد ذلك العدو.. فقط ما كان يصدر عن القمم قرارات آخر مداها الشجب والتنديد، فكانت لا تساوي المداد الذي كتبت .. من يدلني على قرار قمة عربية واحد ينبئنا بمواجهة حقيقية مع العدو الصهيوني، بل العكس فكما امتطى الصهاينة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية وسخروها لخدمة مشروعهم الاستعماري، امتطوا الجامعة العربية لتخرج قرارتها عديمة المفعول .

وقد ارتكب الصهاينة مجازر عديدة في فلسطين ولبنان بدءاً من مجزرة دير ياسين حتى مجزرة غزة في الحرب الأخيرة .. فخبرني بربك بقرار واحد للجامعة العربية ينتصر فعلياً للدماء الفلسطينية، بل إن الموقف العربي خلال الحرب الأخيرة على غزة، كشف عن تيار متصهين داخل النظام العربي قادته دول كبرى أعضاء في الجامعة العربية، تحالف مع الكيان الصهيوني ضد الضحية الفلسطينية. وإذا دققت في البيان الختامي لقمة شرم الشيخ الأخيرة ( رقم 26)، ستجده خالياً من أي مطالبة برفع الحصار عن غزة بل وخلا من عبارة " وعاصمتها القدس الشرقية "، عندما أشار إلى إقامة الدولة الفلسطينية. وعندما نبه أحد الحاضرين المنصة بالخطأ لم تجد بداً من إضافة تلك الفقرة . 

وإذا عدنا بالذاكرة سبعة وخمسين عاماً وراجعنا مداولات الجامعة العربية عام 1948م، سنجد أن قرار الموافقة العربية على الهدنة في حرب 48 جاء تحت ضغوط بريطانية، ومعها تهديد مندوب الأردن في ذلك الوقت بالانسحاب من عضوية الجامعة إذا لم تتم الموافقة على قرار الهدنة، وبالفعل صدر القرار الذي أعطى للصهاينة فرصة لالتقاط أنفاسهم أمام تقدم وهجمات مجاهدي الإخوان – رغم خيبة الجيوش العربية – وحصار المجاهدين لعشرين ألف صهيوني داخل القدس ، قال عنهم مناحم بيجين في مذكراته " لقد ذهبت إلى هناك بتكليف من الحكومة واستطعت دخول القدس، فوجدت المحاصرين يكادون أن يموتوا جوعاً وعطشاً ، ولولا قبلت الجامعة العربية الهدنة لماتوا جوعاً وعطشاً، وكانت فضيحة كبرى لنا " ( جهاد فلسطين في نصف قرن – دراسة ماجستير للأستاذ صالح أبو يصير – ليبي – عام 1965م ).

هل تتذكرون عنتريات عمرو موسى أمين عام الجامعة السابق،  عندما خرج من أحد اجتماعات الجامعة ليعلن بثقة غريبة أن الحصار على قطاع غزة انتهى إلى غير رجعة، وذهبت كلماته أدراج الرياح مع دخان سيجاره الفاخر !

وهكذا يسير تاريخ الجامعة العربية أو القمم العربية مع قضايانا المصيرية، بما ولد إحباطاً قاتلاً للشعوب العربية. 

لكن ما حدث مع قمة شرم الشيخ الأخيرة أحيا بعض الأمل، فقد جاءت قمة مختلفة فيما يخص اليمن واليمن وحده دون غيره من القضايا، حيث تلاقت رغبة الجماهير العربية الجارفة مع تحرك المملكة العربية السعودية للدفاع عن أراضيها التي كانت قاب قوسين أو أدنى من اجتياح حوثي . تلاقت الرغبة الجماهيرية مع التحرك السعودي دفاعاً عن أرض الدولة لردع ذلك العدوان والوقوف بقوة أمام ذلك المد الإيراني الأخطبوطي في المنطقة، فلاقت  قرارات القمة الداعمة لـ" عاصفة الحزم " ترحيب الشعوب العربية الكبير، وإشعارهم بأن النظام العربي فيه بقية من حياة، وسرح بي مع الجماهير الغفيرة الخيال بأن المارد سينتفض وأتمنى ألا أكون واهماً هذه المرة. وأتمنى أن تتواصل يقظة الجامعة بقيادة السعودية لتواصل مواقفها القوية في سوريا والعراق ولبنان، وكل شبر تمدد إليه المشروع الإيراني. 

بيان القمة كشف عن سجال سعودي مصري غير مباشر، فخلو البيان الختامي من أي إدانة للنظام السوري والإشارة فقط للجماعات المتطرفة، ثم تلاوة رسالة من الرئيس الروسي على القمة يشير لمحاولات السيسي مجاملة أصدقائه في سوريا وروسيا .

لكن رد وزير الخارجية السعودي القوي على رسالة الرئيس الروسي  أفسد المحاولة، فقد ندد سعود الفيصل بما جاء في تلك الرسالة واتهم بوتين بالاستخفاف بالقمة، خاصة عندما تحدث عن حل سلمي للأزمات، مطالباً باحترام القانون الدولي وأن روسيا تمد يدها للتعاون مع شعوب المنطقة. وجه الفيصل اتهامات قاسية للموقف الروسي في سوريا بمد النظام السوري بأسلحة فوق طاقته ومحرمة دولية، مؤكداً أن روسيا جزء من المشكلة، وأنها لا تراعي القانون الدولي، وأنها تساهم في إبادة الشعوب ولا تحترمها .

لكن الأخطر – في رأيي – في قرارت القمة هو إقرار تشكيل قوة عربية مشتركة، وأعتقد أن التحالف العربي المشارك في الحملة الدائرة، يمثل طليعة تلك القوة التي يمكن أن تواجه خلال الأيام القليلة القادمة محكاً عسيراً ضد القوات الإيرانية، التي ستظهر في زي الحوثي بكثافة لتهديد الأراضي الأراضي والمصالح السعودية؛ إذ ليس من السهل أن تستسلم إيران للهزيمة في اليمن؛ لأن ذلك معناه أن تلاحقها الهزائم في سوريا والعراق .

وبصرف النظر عن أي اعتبارات، فإن كل عربي وطني بات عليه واجب الدفاع ضد أي تهديد للأراضي السعودية، أو أي دولة عربية من قبل المشروع الإيراني الاستعماري، الذي لا يقل ضراوة عن المشروع الصهيوني .

ويبقى من الأهمية بمكان، وضع نظام ولائحة تحدد آلية تشكيل تلك القوة وأهدافها بالضبط، وحصر مهامها في الدفاع عن أي مهددات لسلامة الأراضي العربية من أي تدخلات أجنبية، وإلا فسوف تكون تلك القوة ذات مهمة فضفاضة، ويمكن أن تستخدم لقمع الشعوب المطالبة بحقوقها، تحت مزاعم الحفاظ على الأمن القومي للدولة وحماية الشرعية و... إلخ . وربما تتحول تلك القوة لقمع أي تحركات جماهيرية ضد العدوان الصهيوني في فلسطين، بزعم الحفاظ على المعاهدات الدولية .

وبعد ..

سمعنا كلمة الحفاظ على الشرعية في كلمات القادة العرب أكثر من واحد وعشرين مرة .. فقلت في نفسي لعل القوم يتذكرن أنهم بالأمس القريب أهدروا أغلى وأهم شرعية عرفتها المنطقة العربية .. شرعية الرئيس المنتخب في مصر .. فيتحركون لردها .. هل تحدث معجزة ؟!