ثلاث قمم جمعت الرئيس التركي، رجب طيب
أردوغان، وأمير
قطر الشيخ،
تميم بن حمد آل ثان، خلال 6 شهور فقط، أحدها كان في العاصمة القطرية الدوحة في أيلول/ سبتمبر الماضي، واثنان منها خلال زيارتين متتاليتين لأمير قطر لأنقرة، بفارق 3 شهور، جرت إحداها أمس والأخرى في كانون أول/ ديسمبر الماضي.
وفيما تعكس تلك القمم المتتالية في وقت قريب وقصير الحرص المتبادل بين الجانبين على التواصل والتباحث وتبادل الرؤى وتنسيق الجهود باستمرار، تعد في الوقت نفسه أحد مظاهر قوة
العلاقات بين الدولتين.
التطور المتواصل في العلاقات التركية القطرية والشراكة الاستراتيجية التي تجمع بين البلدين في مجالات شتى، تم بلورتها سياسياً وتأطيرها مؤسسياً، بإنشاء لجنة عليا للتعاون الاستراتيجي بين البلدين، وثقافياً بتدشين العام الثقافي القطري التركي 2015، وعسكرياً باتفاقية تعاونٍ عسكري تتيح تبادل نشر قوات مشتركة بين البلدين، واقتصادياً بتعاون متواصل بين الجانبين ولا سيما في مجال الطاقة.
وكالة "الأناضول" ترصد ملامح ونتائج وتأثيرات الشراكة الاستراتيجة التركية القطرية:
**القمم التركية القطرية
3 قمم تركية قطرية، كان آخرها أمس، حيث عقد الرئيس التركي، اجتماعاً مع أمير قطر، في العاصمة أنقرة، جرى خلاله بحث تطوير العلاقات الثنائية في مجالي الطاقة والاقتصاد، فضلاً عن بحث الفعاليات المستمرة بمناسبة عام الثقافة التركي - القطري، بحسب مصادر في الرئاسة التركية.
وأشارت المصادر ذاتها إلى أن الرئيس التركي وضيفه القطري تباحثاً أيضاً آخر مستجدات الوضع في سوريا والعراق واليمن وفلسطين.
وتعد هذه الزيارة الثانية لأمير قطر لتركيا خلال 3 شهور، بعد الزيارة التي تم خلالها توقيع البلدين على مذكرة تفاهم بشأن تشكيل تأسيس لجنة للتعاون الاستراتيجي رفيع المستوى يوم 19 كانون أول/ ديسمبر الماضي، على أن تتولى اللجنة دعم التعاون في مجالات السياسة والاقتصاد والتجارة والاستثمار والتعليم والثقافة والعلوم والتكنولوجيا والطاقة والزراعة والاتصالات.
الزيار نفسها، وقّع خلالها وزير الدفاع التركي، عصمت يلماز، ووزير الدولة القطري لشؤون الدفاع، حمد علي العطية، اتفاقاً للتعاون العسكري بين الحكومة التركية والقطرية.
وجاءت زيارة أمير قطر، إلى
تركيا في كانون أول/ ديسمبر الماضي، بعد 3 شهور من زيارة قام بها الرئيس التركي لقطر يومي 14 و15 أيلول/ سبتمبر الماضي، وكانت الزيارة الأولى لدولة عربية منذ تسلمه رئاسة الجمهورية في 28 آب/ أغسطس الماضي، وهي الزيارة الثالثة لأردوغان، على الصعيد الدولي، بعد زيارتين أجراهما إلى جمهورية شمالي قبرص التركية وأذربيجان.
ووقعت تركيا وقطر خلال الزيارة اتفاقية تستورد تركيا بموجبها 1.2 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي من قطر.
وبناءً على الاتفاقية ستتسلم تركيا ما مجموعه 1.2 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، عبر 9 ناقلات نفط، خلال فصل الشتاء 2014-2015. وهو ما سيغطي جزءاً بسيطاً من احتياجات تركيا السنوية من الغاز الطبيعي التي تبلغ 45 مليار متر مكعب، إلا أنه يصب في صالح تنويع مصادر الإمداد بالغاز.
وتمتلك قطر احتياطياً من الغاز الطبيعي يبلغ 885 تريليون متر مكعب، حيث تحتل المرتبة الأولى عالمياً من حيث تصدير الغاز الطبيعي المسال.
وفي تصريح سابق، قال وزير السياحة والثقافة التركي عمر جليك، إن "من الأعراف الدبلوماسية للجمهورية التركية أن يقوم من يتولى منصب رئيس الدولة أو رئيس الحكومة بإجراء أول زيارتين إلى جمهورية شمال قبرص التركية وأذربيجان"، مشيراً إلى أن الزيارة الثالثة للرئيس التركي بعد توليه المنصب إلى قطر تعكس الأهمية التي توليها بلاده لها.
وجاءت زيارة أردوغان للدوحة بعد نحو أسبوعين من زيارة أمير قطر إلى تركيا في 28 آب/ أغسطس الماضي للمشاركة في مراسم تنصيب رجب طيب أردوغان رئيساً لجمهورية تركيا، في مؤشر يعكس المكانة المتبادلة لكلا الجانبين لدى الآخر.
تعاون عسكري واقتصادي وثقافي
القمم المتتالية والعلاقات المتنامية، انعكست على حجم التعاون بين الجانبين في مجالات شتى، فعلى الصعيد العسكري، أعلن رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان التركي، برات جونقار، في 5 آذار/ مارس الجاري أن اللجنة صادقت على عدد من مشاريع القوانين، من بينها "اتفاق تعاونٍ عسكري" بين تركيا وقطر.
وبين أن اتفاقية التعاون العسكري المصادق عليها تتضمن تبادل خبرات التدريب العملياتي، وتطوير الصناعات العسكرية، مع إمكانية تبادل نشر قوات مشتركة بين البلدين إذا اقتضت الحاجة، وإجراء مناورات عسكرية مشتركة، مشيراً إلى أن الاتفاق يهدف إلى تطوير آفاق التعاون، وفقاً للقواعد والأصول النافذة، وتطوير العلاقات الودّية القائمة بين الجانبين، بما يتناسب مع القواعد والتفاهمات الدولية المرعيّة.
على الصعيد الاقتصادي، بلغت استثمارات رجال أعمال أتراك في قطر 15 مليار دولار، في مؤشر يدل على اهتمام الحكومة القطرية بالمستثمرين الأتراك، وهناك رغبة وتوجه لرفع حجم التبادل التجاري بين البلدين البالغ 600 مليون دولار إلى مليارات الدولارات، وكذلك زيادة حجم الاستثمارات القطرية في تركيا، وزيادة حجم قطاع المقاولات التركية في قطر، وزيادة عدد السياح القطريين الذين يزورون تركيا.
على الصعيد الثقافي، انطلق في قطر 5 آذار/ مارس الجاري "العام الثقافي القطري التركي 2015"، بحفل خاص عرض جانباً من الفنون الشعبية والموسيقية التركية.
وأكد وزير السياحة والثقافة التركي، عمر جليك، خلال الافتتاح، على عمق العلاقات بين قطر وتركيا في المجالات كافة، وأن قطر تحظى بمكانة خاصة لدى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وأوضح أن العام الثقافي قطر - تركيا سوف يشهد جملة من الأنشطة التي تعبر عن الثقافة التركية، مؤكداً أن الجانب التركي سوف يقوم بدعم الأنشطة القطرية التي تعرض لديها لخروجها هذا العام بصورة مشرفة، وبما يسمح للشعب التركي التعرف على الثقافة القطرية.
تجانس وتناغم السياسات
وتشهد العلاقات التركية القطرية "تجانساً وتناغماً" في رؤية القضايا الإقليمية، وهناك توافق في الرؤى حيال العديد من الأزمات والقضايا التي تشهدها المنطقة في الوقت الراهن، مثل ثورات الربيع العربي، والأزمات في سوريا وليبيا والوضع بالعراق.
هذا التجانس والتناغم في السياسات، عبر عنه صراحة كل من الرئيس التركي وأمير قطر خلال مؤتمر صحفي مشترك بينهما في 19 كانون أول/ ديسمبر الماضي، حيث قال أردوغان إن تركيا وقطر لم تشهدا حتى اليوم أية خلافات في وجهات النظر، مضيفاً أنهم "وقفوا دائماً متضامنين إلى جانب المظلومين في العالم".
بدوره، أكد أمير قطر أن هناك تطابقاً وتقارباً في وجهات النظر فيما يتعلق بالملفات الخارجية، خاصة في منطقتنا وبالأحداث الراهنة فيها.
التنسيق المشترك بين الجانبين، لا يقتصر على الجوانب السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية، بل يمتد ليشمل الجوانب الإنسانية، وهو ما يظهر جلياً في تسيير قوافل إغاثية مشتركة لصالح اللاجئين السوريين.
وتعود العلاقات الدبلوماسية بين تركيا وقطر إلى القرن الماضي، حيث اعترف البلدان ببعضهما ببعض سنة 1972 بصفة رسمية وتم افتتاح سفارتي البلدين عام 1979.
وشهدت العلاقات التركية القطرية تطورات في شتى الأصعدة، ولا سيما في الآونة الأخيرة.
وتسهم الزيارات المتبادلة بين المسؤولين من الدولتين خلال فترات قصيرة في تعزيز ودعم التعاون بين الجانب.