يقول أليستر سلون في مقال نشره موقع "ميدل إيست مونيتور" (ميمو) إنه قد قتل في الحرب الأوكرانية إلى الآن أكثر من خمسة آلاف مدني، وشرد أكثر من مليون ونصف، وهؤلاء هم ضحايا المواجهة بين الغرب وفلاديمير بوتين في
روسيا.
ويجد الكاتب أنه مع أن الكرملين الروسي يتهم الجماعات المسلحة في أوكرانيا بأنها جزء من "النظام النازي الجديد المدعوم من الغرب" في كييف، لكن مثل أي نظرية مؤامرة فإن هناك بذورا من الحقيقة فيها.
ويشير التقرير إلى أنه منذ نهاية الحرب الباردة يحاول الاتحاد الأوروبي في بروكسل وواشنطن ضم كييف إلى المحور الغربي، من خلال استخدام حوافز اقتصادية سرية. وفي الوقت الذي لم تنته فيه "ثورة الميدان" لصالح بوتين، إلا أن الحكومة في كييف المدعومة من حكومات الاتحاد الأوروبي، وتدير "روسيا الصغيرة" أدت إلى رد عنيف لا تسامح فيه من بوتين.
ويبين الكاتب أن سيطرة روسيا على جزيرة القرم جاءت دون إراقة نقطة من الدم، وبالمقارنة فما حدث في شرق أوكرانيا كشف عن شراسة بوتين، خاصة أنه كان بحاجة إلى إظهار قوته. فقد أدى الغزو الذي شنه إلى هروب المدنيين، فيما وجد الكثيرون، خاصة الكبار في العمر والفقراء، أنفسهم وسط الجهات المتحاربة، وأصبحت المستشفيات تعمل دون كهرباء، ونقصت المواد الغذائية. ويقول سلون إن "روسيا الصغيرة" أصبحت "سوريا مصغرة".
ويلفت الموقع إلى أنه في الشهر الماضي قال مدير الاستخبارات القومية في إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما في جلسة في الكونغرس إنه "يدعم
تسليح الأوكرانيين ضد القوات الانفصالية المدعومة من روسيا". ويقول النقاد إنه من السذاجة بمكان الافتراض أن بوتين سيوقف العمليات العسكرية بسبب السلاح الجيد الذي صار بيد الجيش الأوكراني، هذا إن أخذنا بعين الاعتبار الأهمية التي تمثلها أوكرانيا لروسيا، كتلك الأهمية التي تمثلها المكسيك أو كندا للولايات المتحدة الأمريكية.
ويورد التقرير أن آخرين يشيرون إلى وجود 30 جيشا خاصا تعمل بشكل مستقل عن حكومة كييف وتعارض بوتين، واتهمت بانتهاكات حقوق إنسان، كما وثقت ذلك منظمة "هيومان رايتس ووتش"، وتشمل الاختطاف والتعذيب والقتل الفوري دون محاكمة. وهناك احتمال لوقوع السلاح الذي يزود للجيش الأوكراني بأيدي الانفصاليين. ويحاول الأوروبيون القلقون على أمن أوروبا الشرقية تهدئة واشنطن.
ويستدرك سلون بأن الأمريكيين ولحسن الحظ لديهم حليف مقنع ممثل بالإمارات العربية المتحدة، فتسليح كييف عبر أبو ظبي ممكن، وسيكون أسرع من النقاش السياسي الضروري في واشنطن للموافقة على هذه الخطوة، "وفي الحقيقة هذا ما يحدث الآن".
ويكشف التقرير عن أن مسؤولين في وزارة الدفاع الأمريكية عقدوا اجتماعا مع مسؤولين أوكرانيين في معرض ومؤتمر الدفاع الدولي "إيدكس"، الذي يعد من أكبر معارض السلاح في منطقة الشرق الأوسط، وقد عقد الشهر الماضي في أبو ظبي. وشملت أجندة اللقاء تقييم احتياجات كييف الدفاعية من أجل نقل ما تم في الاجتماع إلى المسؤولين في واشنطن.
ويوضح الموقع أنه في الوقت ذاته التقى ولي العهد
الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان ورئيس الوزراء محمد بن راشد آل مكتوم الرئيس الأوكراني بوترو بوريشنكو، ووقعا معه اتفاقا "للتعاون العسكري والتقني"، وأكد الطرفان، بعد جولة من الصور التذكارية، أن الاتفاق لن يشمل صفقات أسلحة.
ويشير التقرير إلى أن أنطون غيراشينكو، مستشار وزير الداخلية الأوكراني أرسين أفاكوف، قد كتب على صفحته في "فيسبوك" أن التعاون سيضم "تزويد (الإمارات) بأنواع معينة من الأسلحة والمعدات العسكرية لأوكرانيا". وكتب قائلا: "على خلاف الأوروبيين والأمريكيين، فالعرب لا يخشون تهديدات بوتين ببدء حرب عالمية ثالثة بسبب تقديم الأسلحة والذخائر لأوكرانيا". وما هو مثير للتشوش نفي الإمارات أن يكون السلاح جزءا من التعاون العسكري بين البلدين. وهو ما أكده مساعد وزير الخارجية للشؤون الأمنية والعسكرية فارس المزروعي في لقاء مع موقع "الإمارات اليوم" بعد اللقاء بفترة قصيرة، وقال :"لا يتوقع أن يشمل الاتفاق أي صفقات على شحنات أسلحة بين البلدين".
ويرى سلون أنه رغم أن ما يجري في الوقت الحالي بين الإمارات وكييف غامص، إلا أنه من الأفضل لواشنطن أن تجمع ما بين أبو ظبي وكييف، خاصة أن الحكومة الأوكرانية لا يمكنها شراء السلاح الأمريكي. وبالنسبة لأبو ظبي التي تحاول الحصول على حصة في صناعة السلاح، فيمكنها عرض أسعار معقولة مقابل تقديم أسلحة أقل تقدما. ولا يزال النقاش دائرا في واشنطن حول دعم أوكرانيا بالسلاح لمساعدتها على المدى القريب، لكن السلاح رخيص الثمن الوارد من الإمارات يمكن أن يحقق الغاية.
ويجد الكاتب أن التعاون مع أوكرانيا يقدم دليلا جديدا حول الفائدة التي تقدمها الإمارات وبشكل متزايد للولايات المتحدة فيما يتعلق بالقضايا الأمنية. فقد أصبحت الإمارات الشريك الأفضل في شبكتها لمحاربة الإرهاب الدولي، التي أنشئت بعد أيام من الذكرى العاشرة لهجمات 11 / 9، وقام مدربون أمريكيون ومن دول الاتحاد الأوروبي و29 دولة أخرى، بينها 11 دولة مسلمة، بتنسيق الجهود لمكافحة التطرف الإسلامي، وهو التطرف الذي استهدفته الإمارات في أيلول/ سبتمبر في ليبيا.
ويذكر الموقع أنه رغم أن الطرفين يزعمان أنهما لا يتشاوران مع بعضهما، إلا إنه كان من الواضح أن قرار الإمارات القيام بغارات عسكرية يأتي لصالح أمريكا. وفي عام 2013 وافق الكونغرس على بيع معدات عسكرية من صناعات "لوكهيد مارتن" بقيمة خمسة مليارات دولار أمريكي للإمارات، وذلك على شكل 25 مقاتلة "إف-16". كما واشترت الإمارات قنابل "بانكر – باستينغ" بشكل أوصل الصفقة إلى عشرة مليارات دولار أمريكي.
ووصفت صحيفة "واشنطن بوست" الإمارات بـ "أسبرطة الجديدة"، حيث تم تقديم أسلحة متقدمة لها والوثوق بها. ورغم أن تسليح بلد يبدو مستقرا من أجل أن يؤدي دور الشرطي في المنطقة يبدو قرار معقولا، إلا أن علاقة الوكالة بين الإمارات والولايات المتحدة خطيرة جدا؛ فالعلاقة تعطي وهما بالاستقرار على المدى القصير، ولكنه تحالف هش لأنه لا يوجد أحد يمكنه التنبؤ بالمستقبل.
ويفيد التقرير بأن "سي آي إيه" اعتقدت أنها تصرفت بطريقة صائبة عندما سلحت المجاهدين في أفغانستان أثناء الاحتلال السوفييتي، لكن الخطوة ارتدت سلبا. كما حاولت القوة الأمريكية تعزيز هيمنتها في المنطقة من خلال استخدام إسرائيل، وقد ارتدت الخطوة عليها أيضا سلبا، وأضرت بعلاقاتها وبشكل دائم مع شعوب المنطقة.
ويذهب الكاتب إلى أن إسرائيل تحولت إلى دولة عدوانية مخيفة توسعت خارج حدودها بدلا من أن تكون "نقطة للحضارة الغربية في المنطقة"، كما بشر الغرب بها. وفي السياق ذاته، دعمت أمريكا شاه إيران كي يكون وكيلها في المنطقة، حيث إنها دعمته لعقدين حتى جاءت الثورة الإسلامية عام 1979. وقريبا ستكتشف أمريكا أن تسليح السنة في سوريا والمتمردين في أوكرانيا قد يترك تداعيات غير مقصودة.
ويبين التقرير أن أبو ظبي وبقية الأصدقاء قي الخليج قد يبدون في الوقت الحالي شركاء يعيشون استقرارا، ولكن هل تضمن الولايات المتحدة استقرارهم في السنوات العشر المقبلة؟ حيث ستكون هذه الدول مدججة بالسلاح. إنها حالة فقدان "الذاكرة الأمريكية" كما وصفها المفكر المعروف غور فيدال.
ويخلص سلون إلى أن هناك حلا للأزمة الأوكرانية، كما هو الحال بالنسبة للنزاع الإسرائيلي- الفلسطيني، والنزاع في العراق وليبيا. ويتطلب طاولة "من الأفضل أن تكون مستديرة" وكراسي وغالونات من الصبر وخدمات توصيل بيتزا طوال الليل، فيما تنتظر كاميرات التلفزة العالمية في الخارج لتعلن عن التوصل إلى اتفاق سلام. صحيح أن تسليح طرف ثالث ربما كان تفكيرا عقلانيا، ولكنه ليس حلا للأزمة. فعلى المدى البعيد نريد أشخاصا يتحدثون أكثر ويقاتلون أقل.