وقت أن أحتاج إليك وتغلق الباب في وجهي، "وتسكّر الباب"، تظن إني سيقتلني الاشتياق، أو إني سأظل لدى الباب سنين، آهٍ يا باباً مرهوناً بعذاب الأحباب، وما هذه الحياة إلا " مفصلات" أبواب، "شو غُربْ .. شو أصحاب".
هذه ما تبقيه الذاكرة "بتصرف يسير" من أغنية لبنانية تتحدث عن أبواب وقلوب البشر، هذا مع شىيء من "تعريب" الأغنية، أو ردها إلى الفصحى، ورغم "هجراني" الأغاني وعهدها منذ سنوات ليست بالقليلة، إلا أن الكلمات في ثوان تقفز إلى الجزء الواعي من العقل في أحيان ليست بالقليلة.
(1)
الصديق، رغم الاختلاف في مآلات الرؤى والأفكار، محمد عيد إبراهيم، كان أول من حول معنىً بداخلي إلى لغة، قدمها إلي في وعاء سهل يسير الفهم لما قال لي، وكان يريد جذبي إلى العمل في إحدى الهيئات الحكومية الخليجية:
ـ مشكلتي أني لا أحسن الانضواء تحت صفحات أجندة!
وكان يقصد "شلة" متمايزة فكرياً، بحسب رأي أفرادها، وهم يتسامرون فوق "انحطاط" مصالحهم، ودوائر طلباتهم الجهنميّة، وتماسكهم مع مؤسسات الدولة المصرية "الثقافية" من "أعمال" خاصة بالنشر والسفر وما شابه، وهي تتواصل مع "مؤسسات" مماثلة عبر "شلل" أخرى في دول متناهية..والشاهد أنهم يكتبون عن عالم من المثالية المتناهية، ويغوصون حتى النخاع في مستنقع يعلو لفظ الوحل عليه.
رُوِيَ أن أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب، رضي الله عنه قال:
ـ "كلمة الحق لم تبق لي صديقاً"!
اللهم أمتنا على دربه.
(2)
تمضي سنيّ العمر متلاحقة وتُفاجأ بأنه مطلوب منك الوقوف لدى الأبواب كما في الأغنية "الشامية"، دون سند من البشر كما في مفكرة صديقي المفتقدة على الدوام، ومن قبل "المثابرة" التي خلق الله بها بعض "خلقه" على قول "كلمة الحق" في "وجوه" الآخرين وما يجره الأمر على الدوام.
مطلوب منك، يا عزيزي، الآن بوضوح أن تعود لارتداء البذلة الكاملة، التي اخترعها الغرب لإشعار مواطنيه أنهم ضخام الجسد بما يكفي لإخافة المخلوقات الأخرى، التي ليست بشراً فقط منك، فالرداء ذو القطع أحياناً ورباط العنق لكي يكتمل، يحتويك ليبرزك مرة ونصف المرة، جسدياً، تقريباً، لديك الآن أكتاف عالية، و"جاكيت" يداري بروز جزء من جسدك أسفل الصدر.. تنبه الغرب إلى أهمية ألا يبرز منذ عشرات السنوات.
مطلوب منك أن تعمل على تحديث "أدق" نسخة من سيرتك الشخصية، بحيث تحتوي مهاراتك وخبراتك، وتبدي شيئاً من رحيق نفسك للآخرين، كما عليك أن تتجهز لسلسلة من "سخافات" الآخرين غير المحدودة، ولتهديدك حيال بعضها بمغادرة المكان، وأحياناً "غلقك الباب بقوة خلفك" فيما الآخرين كانوا يظنون أنك ستلبث خلفه "سنين".
(3)
أولئك الذين تظن أنك تقف معهم في خندق واحد ..!
في أوقات الأزمات كما الانفراجات، يفاجئك واحد منهم بما هو بعيد كل البعد عن خيالك، ولمعرفتك بالمئات من المُخلصبن منهم، وتفاجأ بأن الحياة البشرية، لديه، ليست مبنية على القاعدة التي حفظتها صغيراً:
ـ لكل فعل رد فعل مساوٍ له في القوة، مضاد له في الاتجاه.
صارت القاعدة لما "ارتطمت" بالحياة العملية:
ـ لكل فعل رد فعل "مضاد" له في الاتجاه، مضاعف القوة على "من أقدرك" الله عليهم..
وهل "للنقص" البشري حدود؟
وما دامت الأمور "تجري بمقادير،" فلماذا "التعزز" عن البوح بها، و"الوهن" في منافحة "أدواء" البعض على الأقل؟
(4)
بكامل هيئتك قبل الخروج كل مرة تنصحك النفس الواعظة المدعية الحكمة:
ـ صلّ قبل ارتداء "البذلة" لكيلا "تتهدل أكثر".
ـ بل لا تحلو الصلاة إلا بها.
والوقوف أمام الملك الجبار، تزدان كلمة المتكبر لما تنسب إلى رب العزة وحده، الله أكبر تفتح، تلقائياً، أمام عينيك جميع الأبواب المغلقة، إنك ما جئت الحياة لتقف أمام باب إنسان، يقارن قدراتك بقدراته، ولا يهتدي إلى كون "ثغره" المكلف بحراسته منها غير ثغرك، فإمكاناته مختلفة عما أودعك الله من نعم، وفي النهاية ستجد نعمك مساوية لما استودعه الله.
تسمع كلمات الذكر الحكيم من سورة الفاتحة فتوقن أن سبب مجيئك إلى الحياة عبادة الله الكريم، وهي كافية لـ"يقيك"-سبحانه- همّ الرزق، ومن يظنون أنهم رازقين سواه.
ـ اللهم اغنني بفضلك عمن سواك.
(5)
وحين تضيق الأبواب، ويخامر الشمعة التي تنير لك مفاتح شيء من الرزق، أو هكذا يخيل إليك، وحين يخامر الشمعة ذبول، وتأسى لمكانك من العمل، وجلستك أمام جهاز الحاسب الآلي، الكمبيوتر، بعد ضني الإمكانات، ومن أراد لك الوجود في العمل، ومن ضاق بك قبل أن يعرفك جيداً، وحين تجد شوقك المستبد للوجود في العمل محتار معك ومعه..هاهنا كنتَ تعمل على نشر كلمة تضيء الدرب للإنسانية، لا لبني وطنك فحسب، وأنت تعرف أن جميع بني أوطان الإنسان الآن لا تروع أغلبهم إلا مشاهد الدماء، مع مشاركة كثير من المُغترين بالدنيا معهم بالتحريض أو التواء الضمير أو بهما معاً، اللهم إلا ما رحم ربي،..حين تجد شوقك للعمل تضنيه مخاطر "غلق الأبواب"عن جميع العاملين فيه.
وحين تضيق أبواب البشر، وتذكر الذين حدثتهم من قبل في الأمر، وقد تكرر غير مرة، وإن كلماتك لم تغن عنك من أمر الله منذ شهور، وليس بمتوقع أن تغنيك اليوم.. تتذكره وحده..
لا يُلزمك لكي تلقاه بالبذلة الغربية، أو الابتسام الشرقي الزائف، ولن يترك مجال العمل المهني ليسألك لماذا غادرت وطنك الآن؟ ولن يذكرك بأن عمره دون ال.... وأجلسه غير متحملي المسؤولية في هذا المكان، ولن يراوغك ليعرف ماذا سيستفيد منك بشكل خاص..
بل سيفتح لك ألصق الأبواب بك، تلك التي هي أقرب إليك من حبل الوريد، وسيواسي أحزانك، ويربت على ألمك، مع من هم من المفترض أنهم ردء لك، سيطمئنك على الرزق، وعلى باب للحرية فتحه برحمته للتعبير عن الثوار..