مقالات مختارة

"حبل" صدام

1300x600
تعلّمنا كتب التاريخ ان الجريمة لا تموت، وان استقرار البلدان وتطورها يكمن بإقامة نظام للعدالة، بديلا عن شعارات دولة القانون، في معظم دول العالم "المتحضرة" تلاحق العدالة كل من أجرم بحق الأبرياء، ونقرأ كل يوم عما تبقى في السجون من قادة النازية، لا شيء يذهب دون مساءلة القانون، اكرر القانون، وليس الثأر. 

اكتب هذه المقدمة بعد عرض "الشو" المثير الذي قدمه النائب موفق الربيعي ردا على الخبر الذي نشرته صحيفة "الإندبندنت" البريطانية والذي أكدت فيه إن "الحبل الذي أعدم به صدام حسين، معروض للبيع في مزاد علني، وأوضحت الصحيفة أن الحبل كان بحوزة المسؤول العراقي السابق، يطمع فيه عدد من رجال الأعمال" بعد ان تحول الخبر الى مادة دسمة للاعلام الغربي والعربي، خرج علينا السيد الربيعي ليقول ان "الحبل، رمز من الرموز التي انتزعت الحرية من الطاغية للعراقيين، مبينا أن الأكاذيب التي تشيعها بعض وسائل الإعلام الصفراء، عن بيع او محاولة بيع ذلك الغرض الثمين، غايتها الابتزاز والتشهير وصناعة الأكاذيب".

وقبل ان يقول البعض إن نظام صدام هو سبب كل المآسي، اتمنى عليهم ان لاينسوا أن الأميركان اسقطوا تمثال صدام منذ احد عشر عاما، على أمل أن يعيش العراقيون في ظل نظام جديد يؤمن لهم الاستقرار والرفاهية والعدالة الاجتماعية. ولهذ سأظل أسأل في كل مرة هل تغير شيء؟.
هل أدى النظام السياسي الجديد ما عليه، هل أوفى الساسة بوعودهم التي قطعوها للناس، هل فتح قادتنا "الملهمون" طرقا تتلمس منها الناس أن أهدافهم من التغيير قد تحققت.

وربما يسأل البعض عن أي عدالة تتحدث عندما يكون المتهم نظام مثل نظام القائد الضرورة، واعتقد أن هنا تكمن اهمية العدالة واحترام القانون، الذي هو وحده القادر على أن يضع العراق على سلم الاستقرار والازدهار. 

السيد موفق الربيعي كنت أتمنى وأنت تعرض لنا برنامجك اللطيف عن حبل صدام ان تتذكر جيدا أن ما جرى في العراق خلال السنوات الماضية كان تجربة عملية على حرق كل أثر للتغيير، وقد كان مشهد الصراع الطائفي على المناصب والمغانم بالغ الدلالة والإيجاز، وإذا كان العراقيون البسطاء قد توسموا خيرا بعد سقوط تمثال "صدام" فقد خاب ظنهم حين اكتشفوا أن بينهم اليوم أكثر من صدام، المشهد العراقي بعد احد عشر عاما يظل حافلا بالعديد من الأسئلة وعلامات الاستفهام، ولعل أبرزها هو: ما معنى تضحيات العراقيين في الخلاص من دكتاتورية صدام ليجدوا أنفسهم وجها لوجه أمام دكتاتوريات القتل المجاني وكواتم الصوت والترهيب والتخوين؟ ما معنى أن نجد مسؤولين كانوا نائمين معظم سنوات عمرهم في فراش "القائد الضرورة" ثم يدعون أنهم أصحاب التغيير وحراس الديمقراطية، ما معنى أن يدخل الجميع في صفقة لفتح أبواب وشبابيك الوطن أمام دول الجوار.

لم يكن العراقيون يتصورون أن تضحياتهم في سبيل الخلاص من وصايا القائد يمكن أن تفرخ وصايا جديدة عن الأخلاق والفضيلة، وأن مسؤولين جاءوا على ظهور دبابات الديمقراطية يصابون اليوم بحالة من الدروشة الثورية كلما سمعوا كلمة امريكا. 

لم يعط النظام السياسي الجديد العراقيين ما يمكن أن يتعلّقوا به اكثر من مصطلحات عن الانبطاح والتوازن والشفافية، أمضى المواطن اكثر من عشرة أعوام في معارك طائفية ليست بينها معركة واحدة من اجل التنمية والامان والرفاهية والمستقبل. 

السيد الربيعي، الاستقرار والخدمات والامن لا تحتاج إلى حبل صدام، بل إلى ساسة ومسؤولين يحبون هذه البلاد. 

يُخيّل إليّ ياسيدي أن السؤال المطروح على الجميع الان هو لماذا يتحول السجين السابق والمضطهد، الى جلاد يطارد الذين يختلفون معه في الراي، ولا يعترف بان العدالة وحدها لا الضغينة تؤسس الامن والامان والاستقرار.



(نقلا عن صحيفة المدى العراقية)