حمّل نشطاء وسياسيون وحقوقيون، قوات الأمن
المصرية مسؤولية مجزرة إستاد "الدفاع الجوي" الذي غيّر اسمه إلى "30 يونيو"، التي راح ضحيتها العشرات من المشجعين، وعشرات المصابين من فريق مشجعي نادي
الزمالك "
وايت نايتس".
وتعدّ هذه الحادثة أكبر ثاني مجزرة، بعد أحداث بورسعيد التي قتل فيها 72 مشجعا من "ألتراس أهلاوي" عام 2011، ليتقاسما المجازر كما تقاسما البطولات.
بدأت مجزرة "ستاد 30 يونيو" عقب إطلاق قوات الشرطة قنابل الغاز المسيلة للدموع والرصاص الخرطوش على المشجعين، وهم يقتحمون القفص الحديدي، الذي وضعته
وزارة الداخلية، للحد من مرور الجماهير، وضمان تفتيشهم بدقة، بحسب شهود عيان، الذين أكدوا لـ"عربي 21" أن الشرطة تعاملت معهم بصفة مجرمين.
وتنصلت "الداخلية" كما اعتادت من المسؤولية، وحمّلت رابطة مشجعي الزمالك مسؤولية "قتل أنفسهم"، وكانت هي الخصم والحكم في آن واحد، لتستمر في سياسة الإفلات من العقاب، وفق ناشطين.
المشجعون في قفص "غير آدمي"
من جانبه، قال عضو رابطة "وايت نايتس"، الملقّب بـ"حمادة"، في تصريح لـ"عربي 21 " إن "الداخلية تتحمل مسؤولية تخصيص قفص حديدي واحد لا يصلح حتى للحيوانات، لمرور المشجعين من خلال ممر ضيق لا يتسع إلا لمشجع واحد، وعقب تدافع البعض قامت بقتلهم بقنابل الغاز ورصاص الخرطوش، كونه أسهل إجراء يمكن أن يتخذه نظام دموي بحق شباب أعزل يريد تشجيع فريقه".
البعض ربط بين سلسلة "التسريبات الفاضحة" لنظام عبد الفتاح السيسي، وبين وقوع تلك المجزرة للتغطية إعلاميا عليها، وإلهاء الشعب عنها، في إشارة إلى التسريبات الأخيرة بين السيسي ومدير مكتبه عباس كامل، عن دول مجلس التعاون الخليجي، التي يحتقرهم فيها ويصفها بأنها "أنصاف دول".
وقال المتحدث الإعلامي باسم جبهة الضمير والمحامي عمرو عبدالهادي لـ"عربي21": "لا يمكن إغفاء ربط التسريبات الأخيرة بمجزرة الدفاع الجوي، فالأمور واضحة للجميع، فالذي ارتكب مجزرة بورسعيد إبان فترة حكم المجلس العسكري، هو ذاته الذي دبر مجزرة الوايت نايتس بذات الطريقة".
وأكد عبدالهادي في معرض حديثه أن "رئيس نادي الزمالك مرتضى منصور متورط في تلك المجزرة، بعد توجيه الدعوة لحضور المباراة وتوزيع تذاكر الدخول، واستخدامه للنظام في تدبير المذبحة".
وأضاف أن مرتضى معروف بعدائه للألتراس، ويريد التخلص منهم، وقال إنه "مدير النادي الوحيد في العالم الذي ينعت رابطة مشجعي ناديه بالإرهابيين، وما حدث كان بمثابة كمين للقضاء عليهم"، وفق عبدالهادي.
وقال: "نحن أمام نظام يجيد صنع المجازر وجرائم الحرب، ورغم أنه لا يوجد الكثير ليشترك فيه الثوار، فإنه سوف يجمعهم الظلم للثورة على هذا النظام، والجرائم لا تسقط بالتقادم".
تحقيق بتورط الداخلية
نددت جماعات حقوقية وإنسانية بالمجزرة، ووصفتها بـ"البشعة"، وطالبت بفتح تحقيق فوري وتقديم الجناة للعدالة.
وطالب "مركز هشام مبارك للقانون" بإجراء تحقيق حقيقي وشفاف ونزيه بشأن المجزرة، وقال مدير المركز هشام أبو الحسن لـ"عربي21": "يجب ملاحقة الجناة وعدم تركهم كما حدث في مجزرة بورسعيد الأولى، وحمل المنظومة التي وصفها بالفاسدة مسؤولية المجزرة بسبب تقاعسها عن تأمين حياة المشجعين".
وأضاف: "لا يمكن تصور وضع قفص مزري لا يسمح إلا بمرور شخص واحد، ثم نلوم الجماهير على التدافع، ثم تقوم الشرطة بإطلاق قنابل الغاز ورصاص الخرطوش عليهم في ممر ضيق، بحجة التدافع الذي اضطروهم إليه"، مشيرا إلى أن القفص الحديدي هو جريمة في حد ذاته.
السكوت عن رابعة والنهضة ولد مجازر لا تنتهي
بدورهم عدّ النشطاء ما حدث جريمة أخرى، تضاف إلى جرائم النظام بحق شباب سلميين، وقال عضو المكتب السياسي لجبهة طريق الثورة، خالد عبدالحميد لـ"عربي 21": "فقدت صديقا في تلك الأحداث المأساوية، وودعت آخر خلف القضبان، وما حدث هو رسالة واضحة للجميع أن من سكت عن مجازر رابعة والنهضة وسيارة الترحيلات ليس بعيدا عنها، والآن يتكشف للناس أن الداخلية بلطجية وأداة للقمع وليس للأمن".
وحمّل عبدالحميد النظام وداخليته مسؤولية تلك المجزرة، التي وصفها بالمروعة والمجازر التي ارتكبت بحق المصريين منذ 28 كانون الثاني/ يناير 2011، وأشار إلى أنه كان يجب على الثورة أن تفكك تلك الأجهزة القمعية التي امتلكها نظام مبارك وورثها نظام السيسي القمعي.
"جهاز من الأغبياء"
ووصف "التيار المصري" جهاز الشرطة بمجموعة من "الأغبياء والحمقى"، الذين يديرون آلة للقمع والقتل، وحمّل عضو الهيئة العليا للحزب محمد القصاص القضاء والداخلية مسؤولية ما حدث، قائلا في حديث لـ"عربي21": "سياسة الإفلات من العقاب التي كرس لها القضاء والإعلام، هي التي أعطت الضوء الأخضر لرجال الأمن لكي يقتلوا دون حساب"، مشيرا إلى أن مصر لم تعد إلى نظام الفرد الواحد فقط، بل إلى الفرد الواحد الغاشم والقاتل.
ووصف عضو التيار المصري عبدالرحمن هريدي الجهاز الأمني بـ"جهاز مجرم" و"عصابة تحكم الدولة ولا تخشى القانون"، مضيفا أن هناك "عداء تاريخيا بين الداخلية وشباب الألتراس".
وقال في حديث لـ"عربي 21": "الشرطة تحوّلت إلى بؤرة إرهابية تعمل ضد مصلحة الوطن، وما حدث كان من أجل التغطية على تسريبات السيسي بحق دول الخليج".
الدم المصري رخيص
أما رئيس حزب الكرامة، محمد سامي، فعبّر عن شعوره بالمرارة والإهانة، وتساءل عن سبب رخص الدم المصري، بغض النظر عن الانتماءات الحزبية وهويتها.
وقال في حديث لـ"عربي 21": "تتوزع مسؤولية الكارثة على جميع الأطراف، بدءا من إدارة الكرة المصرية، مرورا بألتراس الزمالك، انتهاء بوزارة الداخلية، التي تتحمل بلا شك الجزء الأكبر".
بدوره، عدّ نائب رئيس نادي الزمالك السابق اللواء مدحت بهجت، أن الكل مخطئ، وأن المسؤولية مشتركة بين الجميع.
وقال في حديث لـ"عربي 21": "الخطأ يكمن في السماح للجماهير بحضور المباريات، في ظل أوضاع مضطربة أمنيا وسياسيا، وعدم وجود استقرار حقيقي في البلد".
وبين أنه لو تم السماح للجماهير باقتحام الإستاد "لربما وقعت كارثة أكبر، ولكن كان على اتحاد الكرة إلغاء المباراة حتى ينصرف الجميع، وهو ما لم يحدث".