مقالات مختارة

تصريحات نصرالله والعبادي… أيهما الكاذب؟

1300x600
حتى اعلان تأسيس "الدولة الأسلامية" بالعراق، كان التدخل الإيراني بالعراق، متمثلا بفيلق القدس وعملياته العسكرية والأمنية، بقيادة اللواء قاسم سليماني، محاطا بالتعتيم الرسمي من قبل النظامين العراقي والإيراني، وأجهزة إعلامهما، على حد سواء.

ساعد على إدامة التعتيم، على الرغم من شهادات الناس حول تواجد القوات الإيرانية، غياب الصحافة المستقلة القادرة، حتى في أزمنة الحروب والصراعات، على التحقيق ونقل صورة ما يجري إلى العالم الخارجي. إلا أن تواجد القوات الإيرانية بقيادة سليماني داخل العراق، لم يعد سرا يتستر عليه النظام الإيراني وموالوه منذ أن حل تنظيم داعش بالعراق، مما وفر للنظام فرصة خلع العباءة الساترة لقواته وإعلان تواجدها "التحريري"، بقيادة قاسم سليماني بالصورة والخبر. وهو ترويج دعائي يماثل حملة قوات الغزو الأمريكي "تحريرها" العراق.

فقد تبجح جورج بوش بانتصارات أمريكا، إعلاميا، على متن حاملة طائراته في عام 2003، ثم في احتفالات سنوية حضرها هو أو رفيقاه في الجريمة رامسفيلد وتشيني في يوم الشكرالسنوي أمام جنودهم في أفغانستان والعراق. 

والآن يتبجح قاسم سليماني إعلاميا وميدانيا بانتصارات إيران بتحرير ناحية جرف الصخر في محافظة بابل ونواحي محافظة ديالى المحاذية لإيران من سكانها، جالسا مع شريكه هادي العامري بابتسامات النصر العريضة في أواخر شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2014. وقبلها تبجح الإعلام الإيراني أن سليماني و70 من مقاتليه الأشداء هم الذين وفروا الحماية لأربيل وإقليم كردستان، نهاية الصيف الماضي، وليس طائرات التحالف الدولي الأمريكي وقواته الخاصة التي استنفرت على عجل. 

الملاحظ في هذه القضية المهمة التي تمس صميم سيادة أية دولة، ان رئاسة النظام العراقي لم تكن هي الجهة التي أعلنت عن تواجد سليماني وفيلقه، كما هو مفترض من أية حكومة منتخبة، بل إن "ممثلي الشعب" في البرلمان، باستثناء قلة، بلعوا الموس (الشفرة) وسكتوا، حسب المثل العراقي. 

أخبار قيام إيران بـ "تحرير" العراق، كان مصدرها النظام الإيراني وأجهزة إعلامه الإيرانية والعراقية بالإضافة إلى السيد حسن نصر الله، أمين عام حزب الله اللبناني (15 كانون الثاني/ يناير 2015، قناة الميادين). تحدث السيد نصر الله في المقابلة عن "الحاج" سليماني وفيلق القدس الإيراني بحماس واعجاب. قال ان "قوة فيلق القدس تشكل الخط الأمامي ورأس الحربة في حركة الجمهورية الايرانية وقدرتها على إسقاط المشاريع ومساعدة حلفائها في المنطقة". وأوضح السيد، خلافا لكل تصريحات مسؤولي النظام العراقي النافية، على مدى سنوات، للتدخل الإيراني بقيادة «الحاج» سليماني، أن "أول من جاء إلى بغداد بعد ساعات من أحداث الموصل هو قاسم سليماني مع طاقمه الذي يمتلك علاقات متينة داخل العراق". وبين السيد بطريقة تشي بأن السكوت على تضحيات إيران والإقرار بقيادتها لجبهة "المقاومة" لم تعد مقبولة، ان "سليماني اتصل فور وصوله بالفصائل المسلحة وبالحكومة العراقية وشكل الحشد الشعبي". مؤكدا أن "هذه الحركة السريعة هي من أوقف تقدم تنظيم داعش". أفترض هنا، أن ما يعنيه السيد بـ "الفصائل المسلحة"، هو الفصائل المسلحة الإيرانية لأنه أشار إلى اتصال سليماني بها أولا ومن ثم اتصاله بعد ذلك بالحكومة العراقية، وإن لم يخصص من في الحكومة، مما يترك المجال مفتوحا أمام ساسة النظام ليرفعوا ويكبسوا، كما في لعبة كرة الطائرة، كل على هواه. مما يوحي بأن الحكومة العراقية أقل مرتبة حتى من فصيل أو مليشيا مسلحة.

النقطة الثانية المهمة التي بينها السيد هي ان سليماني هو الذي شكل الحشد الشعبي (مليشيا شيعية)، مما يجعل سليماني في موضع القائد الفعلي لا للفصائل المسلحة الإيرانية فحسب، بل القائد السياسي والعسكري للعراق كله. وهذا ما أكده هادي العامري، رئيس فيلق بدر (تأسس بإيران وانتقل الى داخل العراق بعد الاحتلال) أثناء مشاركته في مراسم تأبين العميد حميد تقوي الذي قتل بالعراق، إذ قال موضحا دور اللواء قاسم سليماني: «لولا مساندة إيران وتواجد الحاج قاسم سليماني في العراق، لكانت حكومة حيدر العبادي الآن خارج العراق». 

أما حيدر العبادي، رئيس الوزراء، فأنه ينكر وجود قوات ايرانية في العراق، وان كان، في الوقت نفسه، لا يترك فرصة تفوت دون ان يهيل الشكر لأيران على ضخها السلاح والذخيرة ومساعدتها ونصرتها للشعب العراقي «المظلوم»، وهذا النعت، بالمناسبة، هو المستخدم حاليا لوصف الشعب من قبل ساسة العراق الجديد، فهل هو أسقاط لثيمة "المظلومية" وتبعاتها الانتقامية، يكررونها حتى تعم على الجميع؟ 

على الرغم من تصريحات السيد نصر الله المشهور بصراحته وعلاقته الحميمة بالنظام الإيراني، وتبنيه الفكري لولاية الفقيه التي لا تعترف بحدود الدول، وهي تصريحات لا تكشف سرا بل تؤكد حقيقة يعرفها الشعب العراقي عن التدخل الإيراني السافر، في الشأن العراقي تحت ذرائع مختلفة، آخرها محاربة داعش، وكأن داعش كانت مقيمة بالعراق منذ 2003، والتي كشفها النظام الإيراني، بنفسه، وعبر الناطقين باسمه، وبعد ان بات التدخل بالعراق وقصفه وتمزيقه، أمرا مشرعنا ومتفقا عليه دوليا، لايزال حيدر العبادي يطلق الكذبة بعد الكذبة عن الدور الأيراني. ففي تصريح صحافي له بعد ذهابه الى لندن ودافوس، الاسبوع الماضي، لاستجداء السلاح والمال، قال: "العراق يواجه خلال العام الحالي صعوبة حقيقية في توفير النقد للموازنة نتيجة انهيار اسعار النفط العالمية وبالتالي نحتاج الى دعم في وقت يخوض العراق وحيدا حربا ضد داعش". بالاضافة الى اكذوبة ان نظامه يخوض الحرب وحيدا متعاميا عن وجود القوات الإيرانية على الارض وقوات التحالف الدولي جوا وعلى الارض، تستر العبادي على اختفاء مليارات الدولارات في ظل حكومة نوري المالكي، أمين حزبه (حزب الدعوة). 

يتركز رهان النظام العراقي الطائفي الفاسد، في البقاء، على رضا جهتين. الأولى هي التحالف الدولي بقيادة أمريكا وتجيير «الحرب على الارهاب» لحمايته واستجداء معونته المالية. الجهة الثانية هي إيران التي تخوض "مفاوضاتها" مع أمريكا على الأراضي العراقية مستخدمة شعار "الدفاع عن الأماكن المقدسة" لتجييش المشاعر الشعبوية والتحريض الطائفي لحماية النظام على حساب المشاعر الوطنية ووحدة العراق، وكأن الأماكن المقدسة لم تكن وستستمر ملكا لجميع العراقيين عبر تاريخهم.

 النظام العراقي الحاكم باسم الاحتلال، المتسول رضا الجهتين، سياسيا وعسكريا والمعتمد على النفط اقتصاديا، في غنى عن المواطنين الذين لا يتطابقون مع مواصفاته، بل يراهم مصدرا لـ "الإرهاب" وسيرورة مكاسبه الخاصة، متغافلين في غمرة نشوتهم بأكاذيبهم، دروسا تاريخيا مهمة، ان الجهة الوحيدة القادرة على مواجهة الأرهاب، وعلى رأسه إرهاب الاحتلال والحكومة، هو الشعب نفسه وإن ضباب التضليل يعقبه، دائما، يوم مشرق.



(نقلا عن صحيفة القدس العربي)
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع