كتاب عربي 21

هل انضم الأستاذ هيكل للطابور الخامس؟

1300x600
صار الأستاذ محمد حسنين هيكل أحد العلامات التاريخية في الساحة السياسية والإعلامية المصرية على مدار عقود مضت، من نشاطه في المجال العام داخلياً وخارجياً، وسواء اتفقت مع الرجل أو اختلفت لا يمكن إنكار أنه أحد أهم المفكرين على المستوى الاستراتيجي، ويمتلك شبكة واسعة من العلاقات العامة بدوائر صنع القرار على مستوى العالم، لذلك حين يحلل الأوضاع الراهنة ويطلق تحذيرات محددة لا بد من الوقوف معها، لأنه يدري ما يقول، ولا ينطق به من باب الفضفضة.

عقب أحاديثه الأخيرة في نهاية 2014 في أحد البرامج التلفازية، بدأت حملة هجوم ضارية طالت الرجل وعائلته، واتسمت بالبعد عن مناقشة ما قاله الرجل، والتركيز على شخصه وأولاده، ولم يرق كلامه لأبواق الإعلام الموالي للسلطة، ولا التابع لرموز نظام مبارك البائد، ووصل الهجوم عليه بوصفه أنه رجل أمريكا وإسرائيل، وحليف الإخوان، ورأس الحربة في الطابور الخامس، الذي يعمل ضد المصلحة الوطنية، إلى آخر هذه التهم المعلبة، التي صارت تلاحق كل من يغرد خارج السرب.

طالب هيكل السيسي بالثورة على النظام الموروث، والبدء الفوري في بناء نظامه، واختيار عناصره بشيء من المغامرة، وقال (إن النظام القديم ما زال يعمل في جهاز الدولة كما كان وقت مبارك والإخوان، لكن التوجيه يختلف برؤى وبرامج وسياسات اجتماعية وخارجية مختلفة، وكل انتقال للسلطة يصاحبه الصراع على الرئيس من كل القوى التي تحاول الاقتراب منه، لكي تؤثر في قراره سواء من الحكم أو من خارجه، فكل جهاز يحاول ذلك سواء بالترغيب أو التخويف أو الضغط، كل جهاز يحاول أن يحتل مساحة كبيرة من صنع القرار، وهذا طبيعي في كل مكان في الدنيا، من قوى تريد أن تؤكد دورها في المستقبل، سواء أحزاب أو جماعات ضغط ومصالح، وهناك شيء ننساه دوماً، وهو أنه لا يمكن أن تقوم معارضة إلا إذا مثلت بديلاً، وكل ما نراه الآن ليس معارضة، فالمعارضة الحقيقية تعتقد أن القائم الآن غير حقيقي، وأن لديها ما تقدمه، وجماعة الإخوان هي الشيء الوحيد الذى يمكن وصفه بالمعارضة، وهي تدعي على أقل تقدير أنها تقدم بديلاً، وهناك آخرون لديهم طموح في التأثير، لكنهم لا يملكون الوسائل الذاتية لذلك).

وانتقد هيكل قيام الدكتور كمال الجنزوري بتكوين قوائم للبرلمان، وقال كل من جاوز السبعين يجب أن يكون له دور استشاري فقط، وأتمنى أن يبتعد كل العواجيز وأنا أولهم.

انتقادات هيكل المحسوب على السلطة الحالية في مصر، الذي يصفه البعض بأنه المُنظر الأول للنظام القائم، تأتي في وقت بالغ الصعوبة، نتيجة الإخفاقات المتتالية التي شهدتها مصر على مدار عام ونصف، سواء الإحباط الاقتصادي، وتراجع معدلات النمو، وكذلك انتكاسة المسار الديموقراطي، وانتهاك الحريات، واستعداء الشباب ومطاردتهم بالسجن والاعتقال، والتشويه الإعلامي.

وتأتي تحذيرات هيكل مصاحبة لانتقادات مشابهة لكُتاب وسياسيين موالين للسلطة، ومدافعين عنها، فقد كثرت الكتابات النقدية مؤخراً، وباتت ملحوظة للدرجة التي جعلت مضمون خطاب كثير من المؤيدين يتوافق مع خطاب المعارضين، وهو الخطاب الذي كان مرفوضاً قبل ذلك، وكان سبباً لتخوين أصحابه والمزايدة عليهم، فإذا به الآن يصبح هو الخطاب المشترك الذي يجمع فيه الكل -باستثناء المنافقين والمطبلين– ومفاده أن الأمور في مصر لا تسير بالاتجاه الصحيح.

يرى البعض أن صراعاً مكتوماً بين أجنحة السلطة في مصر قد ظهر للعلانية خلال الفترة الماضية، ويمكن قراءته عبر متابعة الخريطة الإعلامية المعروفة ولاءاتها، التي تتبادل الضرب تحت الحزام عبر أذرعها المختلفة. ويرى البعض الآخر أن بقايا دولة مبارك كشفت عن أنيابها ومخالبها، وعادت لتطالب بنصيبها من تورتة الحكم الحالية، ومعادلة المصالح الاقتصادية، والامتيازات، وأنها تقوم بابتزاز السلطة القائمة لتخضع لرغباتها.

بينما يعتقد آخرون أن ما يحدث هو ترهل عام لمؤسسات السلطة التي لم تمتد لها يد الإصلاح، وصارت مفاصلها تتآكل ذاتياً، وتحاول كل جهة فيها الاستحواذ على أكبر قدر من النفوذ والمكاسب.

وأياً كانت اختلافات الرؤى وقراءة المشهد، فثمة يقين أن معادلة الحكم في مصر يعاد ترتيبها، وثمة يقين أن المعسكر الديموقراطي المنتمي للثورة ليس طرفاً في هذه الترتيبات؛ لأنه -حتى الآن- خصم وعدو لكل أطراف الصراع المتناحرين، وكلهم مجمعون على استئصاله أو على الأقل إضعاف تأثيره، وشل حركته، وإبعاده عن الجماهير.

لذلك، فإن قراءة المشهد الحالي في مصر يجب أن تتجاوز الخيالات الثورية، والأماني الوهمية، والسقوط في الدعوة للاحتشاد بالشارع، ومحاولة استنساخ اللحظات الثورية السابقة، التي لن تتكرر على المدى القريب، يجب أن يتم الاستعداد لمعركة طويلة تعتمد على امتلاك أوارق ضغط فاعلة، من أجل تحقيق الإصلاحات المرجوة، واستعادة المسار الديموقراطي، بعيداً عن أوهام الإخوان، وكذلك أوهام الإصلاحيين الذين ينتظرون أن تهبهم السلطة نفحات إصلاحية من تلقاء نفسها، بينما تستمر السلطة بصفعهم بعنف، عبر إغلاق أي مسارات محتملة للإصلاح، ونسف نظريتهم الخيالية الخاصة بتطور النظام، وتحوله للديموقراطية، دون وجود ضغوط وتوازنات تدفعه إلى ذلك.

ليس عيبا أن تكون مشاهداً للأحداث بعض الوقت، طالما لا تملك القدرة على التأثير المباشر، لكن العيب أن تستمر بلا قدرة على التأثير طوال الوقت.

الكرة في ملعب التيار الديموقراطي لبناء نفسه، وتعزيز قدراته، وتوحيد صفوفه، ليعود المشهد مؤثراً وصاحب صوت مسموع، اعتماداً على مساحات تأثيره وامتداده الشعبي.

دروس الماضي القريب، تقول: لا تخض معركة ليست معركتك، ولا تنشغل بما يفعله خصومك، وابحث عما يجب أن تفعله أولاً، وقم بفعله، فهل نعي الدروس؟