كتب
جيمس زغبي: لدي بعض الملاحظات على انتخابات الأسبوع الجاري، ومنها أن سياساتنا كلها لا زالت تعاني من الانحراف والفساد. وفي شهر أكتوبر من عام 1994، كنت في استراحة بمطار كنيدي في نيويورك منتظراً الصعود إلى طائرة تابعة لشركة «مصر للطيران» ستتجه إلى القاهرة. وكان معظم المسافرين على تلك الرحلة مصريين يجلسون في المضافة وهم يتابعون برنامجاً تلفزيونياً. وبما أن الوقت المتبقي حتى حلول يوم الانتخاب لم يعد يزيد على أسابيع قليلة، فلقد كانت الفواصل الإعلانية التجارية التي تقطع تسلسل أحداث البرنامج، عامرة بالدعايات الانتخابية والسياسية. وكانت تغلب عليها الصفة الدراماتيكية عندما راح الحزبان «الديموقراطي» و«الجمهوري» يهاجمان بعضهما البعض بضراوة. وأشار إعلان إلى انحراف أحد المرشحين واتهمه بالارتباط بشبكات الجريمة المنظمة. وتبعه إعلان آخر قدم خطوطاً عريضة تتحدث عن مرشح آخر امتنع عن دفع الضرائب وأنه يشارك في عقد صفقات مشبوهة في الخفاء.
وبعد ما يقارب الساعة أو أكثر بقليل، صعدنا إلى الطائرة، وقلت محدثاً نفسي: «بماذا يفكر هؤلاء المصريون؟»، وهل يمكن أن يتساءلوا: «إذن.. هل هذه هي الديموقراطية الأميركية، حيث يتحتم عليك أن تختار بين المجرم أو المحتال؟».
هكذا كان الحال قبل عقدين من الزمان. وأما اليوم، فإن الأمور آلت إلى ما هو أسوأ. حيث أصبحت الدعايات الانتخابية عامرة بالإعلانات الهجومية البشعة والتي تمجّها النفس ولا يصدقها العقل. وكانت في بعض الولايات غاية في السوء مثل «أيوا» حيث كان الناخبون يتعرضون لوابل من الإعلانات الدعائية الانتخابية المبثوثة عبر التلفزيون بلغ عددها 114 ألفاً. وبلغ مجمل الإنفاق على الحملة على المستوى الوطني أكثر من مليار دولار.
ويقف على رأس قائمة المستفيدين من هذا السجال الانتخابي الساخن، المستشارون وأصحاب المحطات التلفزيونية المحلية (الولائية) الذين جمعوا مئات ملايين الدولارات من عوائد الإعلانات. وأما الخاسر الحقيقي فهو الديموقراطية والشعب الأميركي ذاته الذي اعتاد كما يبدو على قبول الانحراف والفساد باعتبارهما يمثلان جزءاً لا يتجزأ من السياسات المتبعة الآن في الولايات المتحدة. ولعل السؤال الأهم الذي يجدر طرحه الآن: هل فاز "الجمهوريون" بالفعل في هذه
الانتخابات، أو هل خسرها الديموقراطيون؟
في شهر يناير من عام 2009، صرح زعيم الأقلية في مجلس
النواب «ميتش ماكونيل» بأنه سيفعل كل ما يمكنه فعله حتى يفسد الأجندة التي اعتمدها أوباما في حملته الانتخابية. وبعد ذلك بعام، ذهب في تصريحاته إلى أبعد من ذلك عندما تعهّد بأن يجعل من أوباما «رئيس الفترة الرئاسية الوحيدة». وخلافاً للديموقراطيين الذين عملوا بصدق مع جورج بوش الابن في بداية فترة رئاسته الأولى لمساعدته على إمرار مشروع الاقتطاعات الضريبية وإصلاح قطاع التعليم، إلا أن الجمهوريين لم يظهروا أي قدر من التسامح أو التعاون مع أوباما. وبغض النظر عن الانتصارات التشريعية التي حققها الرئيس خلال السنوات القليلة الأولى التي قضاها في البيت الأبيض، فلقد واجه مقاومة عنيفة من المعارضة "الجمهورية"، ثم أتى بعد ذلك دور أكبر الحركات الاستقطابية وعلى رأسها جماعة «حفلة الشاي» التي نفثت المزيد من السمّ في الجو السياسي الأميركي برمته.
وكانت مشكلة العديد من "الديموقراطيين" أنهم كانوا جبناء في أثناء مواجهتهم لمتطرفي الحزب "الجمهوري"، وكما قال أخي جون: «في انتخابات نوفمبر الحالية، وفيما كان الجمهوريون منشغلين في العمل ضد الرئيس، فلقد فضل الديموقراطيون الابتعاد عنه. وبدلاً من التمتع بالفوائد الحقيقية التي لمسها ملايين الأميركيين والتي نتجت عن نجاح إدارة أوباما في تخطي تداعيات السقوط الحر للاقتصاد عام 2009، وتحقيق مشروع منح الضمان الصحي لصغار السن وأصحاب الحالات الصحية المستعصية، وتوفير ملايين الدولارات كقروض لطلاب الجامعات، فلقد فضل العديد من سياسيي الحزب الديموقراطي التنكر لارتباطاتهم بتلك البرامج والامتناع عن تأييدها، وهذا ما أعطى للجمهوريين الحرية الكاملة في الهجوم على الرئيس من دون أن يسمعوا أي رد".
وعندما يتنصل الديموقراطيون من الاحتفال بنجاحهم والتمسك به، وعندما يفكرون بإبعاد أنفسهم عن أجندة المشاريع الوطنية، فما هو الخيار الذي سيقدمونه إلى الناخبين؟ وهناك سؤال آخر لا بد من طرحه: ما الذي سيحصل فيما بعد؟
ظهر هذا الأسبوع مقال يصف الطريقة التي سيعتمدها "الجمهوريون"، الذين باتوا يمثلون الأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ لفرض أجندتهم خلال السنتين المقبلتين. واتضح أن هناك خلافاً يدور الآن بين "المحافظين المحدثين" و"الانعزاليين"، أو بين الذين يركزون على القضايا الاجتماعية وأولئك الذين يركزون على القضايا الاقتصادية. ولا يبدو أن الحزب "الجمهوري" سيتمكن من إعادة اللحمة إلى أجنحته المختلفة.
(الاتحاد الاماراتية)